خصخصة البريد يهدد بتقويض التجارة الإلكترونية في غزة
بلا نص قانوني يتم خصخصة البريد في غزة، خطوة حظيت برفض تام ممن يعملون في مجال التجارة الالكترونية ومن ذوي الاختصاص الذين رأوا أن الخصخصة ستزيد من الأعباء على المواطنين الذين يحاولون الخروج من دائرة البطالة بالتجارة الالكترونية، فتحبط جهودهم.
غزة-إسلام راضي-بوابة اقتصاد فلسطين
تفاجأ الشاب علاء حامد في نهاية العشرينات من عمره من إلزامه بدفع رسوم مالية عن مجموعة طرود وصلته عبر البريد إلى قطاع غزة بعد أن ظل أكثر من ستة أشهر ينتظرها.
ومنعت السلطات الإسرائيلية منذ منتصف تموز/يوليو الماضي إدخال طرود البضائع من الخارج إلى قطاع غزة عبر البريد، وهو ما عطل أنشطة التجارة الإلكترونية وعمل مئات الشبان في هذا المجال.
وجاء منع إدخال طرود البريد عبر حاجز "بيت حانون/إيرز" في شمال قطاع غزة في حينه لاعتبارات أمنية لدى إسرائيل وادعائها أنه يتم إدخال معدات وأدوات لأغراض عسكرية.
وظل المنع ساري المفعول حتى نهاية ديسمبر الماضي، حيث تم تدريجيا السماح باستئناف إدخال طرود البريد، وهو ما أعاد الابتسامة إلى حامد وغيره من الشبان الناشطين في مجال التجارة الالكترونية قبل أن تكون الصدمة بانتظارهم.
إذ مع عودة استئناف إدخال طرود البريد قررت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خصخصة الأمر بتحويله إلى شركة محلية هي شركة (مرسال للتوزيع والخدمات اللوجستية) التي باتت الجهة المختصة بتسليم طرود البريد القادمة إلى المواطنين.
وقال حامد لموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، إنه تفاجأ بآلية جديدة لاستلام الطرود من مقر شركة مرسال بدلاً عن البريد الحكومي، وفرض رسوم مالية على أنواع البريد.
وذكر أنه بات يطلب على الطرد العادي للبريد مبلغ 4 شيقل إسرائيلي، والطرد المسجل 8 شيقل، فيما الطرد الكبير 11 شيقل.
ويعمل حامد في مجال التجارة الإلكترونية منذ ثلاثة أعوام تقريبا هربا من واقع البطالة وبحثا عن فرصة كسب للمال، ولإيمانه بأن المستقبل كله للتجارة الإلكترونية وهي من تدر الأرباح من خلال عمل شديد السهولة وقليل التكلفة وفقط يتطلب الذكاء في الإدارة واختيار الأصناف المناسبة.
وكان حامد أطلق صفحة على موقع التواصل الاجتماعي للترويج لما يعمل على شرائه ومن ثم بيعه في قطاع غزة وتحظى بإقبال واسع يتضمن تقديم طلبات مسبقة بنوعيات معينة من البضائع.
ويقول إن أكثر السلع التي كان مرغوب بها في إطار التجارة الالكترونية هي النظارات والعطور، والملابس، والإكسسوارات، والأجهزة الكهربائية، وكل ما يتعلق بالكمبيوتر من إكسسوارات وقطع إلكترونية، إضافة إلى بعض القطع التي قد تكون مفقودة في قطاع غزة ويطلبها الشباب نظراً لانخفاض ثمنها وعدم توفرها.
فيما أشار إلى أن منع إسرائيل لطرود البضائع إلى غزة أصاب عملهم بالشلل، وأفقد العشرات أمثاله ما كانوا يكسبوه من دخل مالي، ويستهجن حامد بشدة الآلية الجديدة لاستلام طرود البريد كونها تهدد بتقويض نشاطهم.
ويوضح أن مكاسبهم من طرود البريد في إطار التجارة الالكترونية متعلقة بوصول أكبر عدد، لأن هامش الربح فيها محدود ولا يتجاوز عدة شواقل، فيما فرض رسوم مالية على كل طرد يعني أن مشاركتهم بأكثر من نصف أربحاهم وبالتالي يعني أن الجهد فيها سيصبح غير مجدي.
ويقول مختصون إن الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007 دفع بازدهار كبير للتجارة الإلكترونية عبر البريد من خلال لجوء خريجون وعاطلون عن العمل إلى الإنترنت للبحث عن مصدر رزق لهم في ظل معدلات الفقر والبطالة العالية جدا.
وقبل المنع الإسرائيلي لإدخال طرود البريد فإن آلاف طرود البضائع كان يتم إدخالها إلى قطاع غزة شهريا خلال العامين الماضين ما يعكس ازدهار التجارة الإلكترونية لدى مئات الشباب في القطاع.
وأظهرت إحصائيات رسمية حصلنا عليها من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غزة أن العام 2014 شهد وصول نحو 71618 طرداً إلى قطاع غزة عبر البريد.
ووفق نفس الإحصائيات شهد العام 2015 وصول نحو 78571 طرد، بزيادة 7 آلاف طرد عن العام السابق، فيما الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري شهدت وصول نحو 50537 طرد، ما يدل على الزيادة الكبيرة في عدد الطرود البريدية الواردة بنسبة 92%.
من جهته يقول الشاب فارس البايض في منتصف العشرينات من عمره إنه اشترى سابقاً عدداً من الإكسسوارات والأجهزة الذكية وملحقاتها عبر مواقع التجارة الإلكترونية العالمية، ولم يكن يعلم بالآلية الجديدة قبل أن يتفاجأ بوصول رسالة له من حساب وزارة الاتصالات تدعوه للتوجه لشركة مرسال لاستلام طرده.
وذكر البايض بموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، أنه لدى وصوله إلى مقر شركة مرسال أبلغ بإمكانية تسلم طرد البريد الخاص لديه شرط دفع رسوم مالية بقيمة ثمانية شواقل على الطرد الواحد، وعندما استفسر عن سبب الرسوم قالوا بأن هذا الأمر متفق عليه مع الحكومة.
ويوضح أنه اشترى 11 طردا بأسعار زهيدة يصل بعضها إلى 3 شواقل وليس من المعقول أن تفوق الرسوم وحدها سعر الطرد نفسه ورسوم شحنه وتوصيله من مقر صناعته إلى قطاع غزة، خاصة أنه لا يوجد خدمات بريدية إضافية تقدمها الشركة مقابل الرسوم المستحدثة.
ويضيف أنه كان ممكن أن يتفهم فرض رسوم جديدة مقابلة خدمات جديدة مثل توصيل الطرود إلى المنازل مثلا، لكن أن يتم فرض رسوم جديدة دون أي إضافة للخدمة فهذا أمر مرفوض، خاصة أن متلقي البريد يدفعون رسوم الشحن والتوصيل للشركة المنتجة.
ورفضت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غزة الاستجابة للمحاولات المتكررة لطلب التعقيب على الأمر، فيما اكتفى موظف في الوزارة طلب عدم ذكر اسمه بالقول إن خصخصة البريد جاء لضمان استمرار عمله، ولمنع أي شبهات فساد يمكن أن تكون ظهرت في المرحلة الماضية.
كما رفض مسؤولو شركة مرسال للخدمات اللوجستية التعقيب على الآلية الجديدة وتفاصيل اتفاقهم مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي ضمن لهم العمل الحصري في نقل البريد وتحصيل رسوم مالية إضافية عليه.
من جهته أكد مدير عام المجلس التشريعي في غزة نافذ المدهون أنه لا يوجد قانون ينص على تحويل البريد الحكومي إلى القطاع الخاص، لافتاً إلى أن الأمر برمته لدى وزارتي المالية والاتصالات في القطاع.
بدوره يؤكد مسؤول الإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة ماهر الطباع، أن خصخصة بريد غزة وفرض رسوم على طرود البضائع رغم عدم توفير خدمات إضافية لها يشكل تهديدا معطلا لأنشطة التجارة الالكترونية وما توفره من فرص عمل.
ويؤكد الطباع أن استمرار فرض الضرائب على المجالات التجارية المتنوعة في قطاع غزة "يزيد الأعباء المالية على كاهل المواطنين في القطاع في ظل تفاقم الارتفاع القياسي بمعدلات البطالة والفقر بشكل غير مسبوق".
وينبه الطباع إلى أن هذه السياسات "تدفع بزيادة الكساد التجاري في غزة خاصة أن أكثر من مليون شخص في القطاع يعتمدون على المساعدات من المؤسسات الدولية بما يمثل أكثر من 60 في المائة من إجمالي السكان".