آخر صانع أهلة مساجد في غزة يكافح وحيداً خطر الاندثار
يُعد محمد عبده آخر صانع أهلة مساجد في غزة، إذ يعمل في مهنة النحاسة منذ أربعين عاما بعد أن ورثها عن أبيه.
غزة- إسلام راضي- بوابة اقتصاد فلسطين
يستجمع محمد عبده قواه وهو يطرق بمطرقة على مقدمة هلال مسجد جديد يقوم بصنعه من النحاس بشكل هندسي مميز في ورشته القديمة في سوق (فراس) الشعبي وسط مدينة غزة بما يتلاءم مع مئذنة مسجد يصل ارتفاعها إلى 15 مترا.
ولاحقا يقلب عبدو الذي يبلغ (55 عاما) على لهب شديد الاشتعال أوقده من فحم حجري غطّى دخانه المكان، قطع النحاس لكي يكسبها حرارة تمكنه من ثنيها بسهولة ومنحها الشكل المنحني الذي يريد.
وبمعاينة عمل صانع الأهلة يظهر كم يحتاج إلى جهد بدني وتركيز ذهني كبير خاصة وهو يستغرق معظم ساعات النهار، فيما يصبغ اللون الأسود الصادر عن دخان الفحم الحجري جدران الورشة ويعبر عن حالتها المهترئة.
ويقول عبدو لموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، إنه آخر صانع أهلة المساجد في قطاع غزة ويعمل في مهنته منذ أربعين عاما بعد أن ورثها عن أبيه وأجداده.
ويشير إلى أنه تعلم المهنة من والده الذي كان يملك نفس الورشة منذ أنا كان طالبا مدرسيا يقضي بجانبه عدة ساعات لمساعدته.
ويوضح أن مهنته مرتبطة بكل شيء بتعلق بالنحاس "فأكون أنا مسؤول عنه من بياض وتلميع وصناعة يدوي ومن ثم تصميم بحسب الشكل الهندسي المطلوب والمساحات اللازمة لذلك".
وإلى جانب آهلة المساجد يصنع عبده صبابات القهوة وقدر الفول للمطاعم وأي طلبات أخرى من الزبائن لها علاقة بصناعة النحاس.
ويبين أن أهلة المساجد تصنع من معدن النحاس الخالص كونه لا يصدأ نتيجة تعرّضه المستمر للهواء والمطر وتقلبات الطقس على مدار عشرات الأعوام على عكس معدن الحديد.
والمئذنة التي يصل ارتفاعها إلى نحو 50 مترا تحتاج هلالا يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار، ويستغرق صنعه أسبوعا، أما أقصر الأهلة ارتفاعا، فإنّ صناعته تستغرق يومين فقط، ويثبت فوق قبّة صغيرة أو مئذنة يصل ارتفاعها ما بين 15 و20 مترا، بحسب عبدو.
وتتراوح تكلفة صنع الهلال الواحد بن ألفين إلى 4 ألاف شيقل إسرائيلي.
ويبدي عبدو تعلقه الشديد في مهنته رغم أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007 قوض أنشطته تقريبا ومنعه من تحقيق أرباحا مالية مجدية بسبب منع تصدير منتجاته للخارج.
ويقول عن ذلك "قبل الحصار كنت أصدر صبابات القهوة وقدر الفول والأرز إلى الضفة الغربية وإسرائيل كما أن أهلة المساجد كنت أصنعها مخصوصا لمساجد القدس لكن منع التصدير منذ فرض الحصار أوقف كل ذلك".
ويضيف أنه يتلقى إلى اليوم اتصالات من زبائن خارج قطاع غزة تطلب منتجاته لكن الحصار يحول دون تلبيه.
وعلى ذلك ينحصر عمل عبدو في إطار قطاع غزة المحلي منذ سنوات طويلة وهو ما حد من أرباحه وقدرته على تطوير عمله لكن ذلك لا يدفعه كما يؤكد مطلقا للتخلي عن هذه المهنة أو مجرد التفكير ببديل لها.
ويتضمن الحصار الإسرائيلي قيودا مشددة على عمل معابر قطاع غزة بما في ذلك تقييد صادراته للخارج وحصرها بعدد محدود من البضائع.
ودفع الحصار بتدهور حاد في أوضاع قطاع غزة الاقتصادية بحيث بلغت معدلات البطالة فيه أكثر من 42% العام الماضي بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فيما ارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65% وتجاوزت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدي الأسر في القطاع.
ورغم قلة ما يربحه من مال سوء أوضاعه الاقتصادية في وقت يرعى فيه عائلة مكونة من ثمانية أفراد، فإن عبدو يؤكد أن أجمل شعور بالسعادة والفخر يغمره عندما يرى هلال أنهى صناعته حديثا فوق مآذنه مسجد جديد.
ويطمح عبده إلى توريث أبنائه مهنته حتى يحافظوا عليه من بعده مع أمنياته المستمرة في أن تجد منتوجاته مجددا طريقها للتصدير إلى الخارج.