الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
05 كانون الثاني 2017

المغفلة.. ماذا لو نطقت، من يحميها؟

لماذا نرضى ان تسلب حقوقنا رغم أن قانون العمل يقف معنا؟ هل أصبحنا ضعفاء ومغفلون؟ لماذا لا نصبح "حادي الأنياب" في المطالبة بحقوقنا الشرعية؟

\ 

 

عماد الرجبي- بوابة اقتصاد فلسطين

صرخ "ألكسندر" على مربية أطفاله، يوليا فاسيليفنا:" لقد سلبتك، نهبتك.. سرقتك، فلماذا تشكرينني وتقولين "ميرسي"؟!

البداية كانت عندما قررت يوليا، ذات الشعر الأشقر والبشرة البيضاء، التوجه إلى مديرها لتتقاضى راتبا عن شهري عمل بقيمة 80 روبلا حسب الاتفاق المبرم بينهما. قرعت الباب، تمشت بهدوء، حتى سمح لها مديرها بالجلوس على الكرسي.

نظر "ألكسندر" الجالس على كرسي خلف مكتبه إلى المربية، وقال :" أنت في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة أنك لن تطلبينها بنفسك.. لقد عملتِ شهرين وستتقاضين عليهما 60 روبلا". احتجت فاسيليفنا، بنعومة وخوف "نحن متفقون على 40 روبلا شهريا" لكن ألكسندر رد عليها، بحزم: "المسجل في دفتري 30 روبلا في الشهر".

ما إن لاحظ ألكسندر ضعف وخنوع المربية على ذلك الموقف حتى بدأ باستغلالها أكثر.. فأكثر. فورا، احتسب لها ستون يوم عمل بدلا من خمسة وستين، ثم خصم أيام الأحد التسعة لأنها لم تعلم أبنائه خلالهم رغم تواجدها في مكان العمل، وتلك الأيام التي كانت بها مريضة فيها، والاعياد، ثم احتسب سعر فنجان قهوة يعود للعائلة كانت قد كسرته المربية، وأخيرا ذهب إلى خصم سعر حذاء سرق من طفلته بدعوى إهمال يوليا... وأخيرا ما تبقى من معاش المربية 11 روبلا.

الآن، إحمرت عين يوليا اليسرى وامتلأت بالدمع ، وارتعش ذقنها .. وسعلت بعصبية وتمخطت، ولكنها لم تنطق بكلمة، ما يعني موافقتها "فالسكوت علامة الرضا"، بل وشكرته بالقول" ميرسي". وهنا، غضب جدا ألكسندر عن سبب شكرها له. أجابت :"في أماكن أخرى لا يعطونني شيئا" تابع ألكسندر وعلامات الغضب هدأت "لم يكن يعطوكِ مالا.. اليس ذلك غريبا" ثم قال لها:" لقد كنت أمزح معك اليك 80 روبلا.. لقد علمتكِ درسا، أعذريني ".

وتساءل ألكسندر وهو يحمل ظرف نقودها:" هل يمكن أن تكوني خنوعة لهذه الدرجة؟ لماذا لا تحتجين؟ لماذا تسكتين؟ لماذا لا تكونين حادة الأنياب؟".

الأحداث السابقة، جاءت في قصية قصيرة بعنوان "المغفلة" للأديب الروسي أنطون بافلوفيتش تشيخوف (1860- 1904(.  حاول تشيخوف من خلالها أن يصرخ بوجه الضعفاء والأقوياء: كفاكم.

القصة التي كتبت عام 1883 وأعيد تمثيلها في عدة بلدان وترجمة إلى لغات عدة بينها العربية، ظهرت مجددا على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بالاقتصاد، وحظيت بتعليقات ضد الظلم ومع المساواة.

الملفت في الأمر، أن القصة ما تزال تصلح لوقتنا بقوة. فمن منا ما يزال يشعر نفسه قويا على العمال والموظفين ويقوم باستغلال النساء، ولا يطبق الحد الأدنى للأجور، ولا يعطي الأجير حقه، ولا يقدر موظفينه معنويا وماديا، ولا يكتب عقدا مع عماله حتى لا يأخذوا حقوقهم... وأقوياء آخرون يتمنون أن تبقى المغفلة على غفلتها أو أن تموت على أن تصحو يوما ما.

الأسئلة هنا، لماذا نرضى بذلك وقانون العمل يقف معنا؟ هل أصبحنا ضعفاء ومغفلون؟ لماذا لا نصبح "حادي الأنياب" في المطالبة بحقوقنا الشرعية؟ الإجابة على ذلك في نهاية القصة عندما قالب مدير يوليا بالعمل :" ما أسهل أن تكون قويا في هذه الدنيا". في واقعنا، يصبح الأمر ميسرا عندما تتحد عدة أمور في الوقت ذاته، منها: غياب الرقابة الحكومية أو ضعف تطبيقها، سيطرة رؤوس الأموال على مراكز مهمة في الدولة، قلة الفرص أمام العمال، عدم معرفة الموظفين بحقوقهم العمالية، غياب دور النقابات والاتحادات العمالية.

يذكر أن يوليا فاسيليفنا هو اسم المربية داخل قصة الكاتب وقد تم وصفها بذات الشعر الأشقر والبشرة البيضاء نظرا لسكتش سينمائي روسي تم تصويره يتحدث عن "المغفلة"، لكن " ألكسندر " هو اسم حركي وضعه كاتب المقالة تسهيلا للقراءة، فلم يعطِ الكاتب الحقيقي اسم لمدير يوليا.

مواضيع ذات صلة