تدهور الإعلام الفلسطيني وآليات الحصول على التمويل
قضية المحافظة على التمويل أمر تعاني منه غالبية وسائل الإعلام، وفي فلسطين يزداد الأمر سوءا يوما بعد آخر إذ يلاحظ استقرار الاعلام الحكومي فيما تقوم بعض المؤسسات الصحفية الخاصة بتخليص موظفين لديها أو تخفيض معاشاتهم
عماد الرجبي- بوابة اقتصاد فلسطين
إغلاق جريدة السفير اللبنانية التي حملت بجدارة شعار "صوت الذين لا صوت لهم" بعد 42 عاما من العطاء شكل صدمة لمحبي الصحافة والباحثين عن التحليلات وما وراء الخبر. إغلاق ينسحب على كافة الدول التي تعاني من نقص في التمويل وعدم اهتمام بالخبر. لذا، كان من المهم النظر إلى الصحافة الفلسطينية لمعرفة ما لها وما عليها لتستطيع التطور في صحافتها المطبوعة والالكترونية.
شهدت الصحافة الفلسطينية تطورا واضحا بعد نشوء السلطة الوطنية 1994 تمثل بتنظيم قانون المطبوعات والنشر، وإصدار تراخيص لصحف عدة، وإعطاء حرية للصحفيين في التعبير عن آرائهم بالمجمل العام. غير أن فترة الازدهار هذه أخذت في غالبها طابع نقل الأخبار من وكالات الأنباء العالمية ومن المواقع الإخبارية إضافة إلى مراسلي تلك الصحف، لكن لم يتم الاهتمام بشكل رئيسي في المضامين أو ممارسة دور الإعلام في التوعية أو حتى الرقابة.
كل تلك العوامل أدت إلى عزوف الجيل الجديد عن قراءة الصحف، إذ صار محتواها متشابه مع الصحف الأخرى، وما تتضمنه من أخبار أصبح متاحا في الوكالات الإخبارية. مع تطور التكنلوجيا الرقمية، انتشرت المواقع الإخبارية الفلسطينية بكثرة وبدأت العديد من المؤسسات الصحفية بتطوير مواقعها في محاولة منها لجذب الأجيال الجديدة وإيجاد آليات حديثة للتمويل، لكن رغم ذلك، إلا أن السمة الطاغية على تلك المواقع، تبقى: نقل الأحداث دون التعمق في الخبر.
حتى الآن، لم تنجح سوى بعض المواقع في أن تصبح مصادر لنقل الأخبار وليس المضمون بمعناه الحقيقي، من اهمها: وكالة الأنباء الرسمية "وفا" و"معا" وموقع "عرب 48" الذي تميز بترجمته القوية للمواقع الإسرائيلية. بينما عندما نتحدث عن المضمون ومتابعة الأخبار بشكل أولي ثم بتعمق نذكر مثلا "جريدة السفير اللبنانية" التي استطاعت أن تخلق ثقة بينها وبين الجمهور حتى الفلسطيني منه.
*المواقع الإخبارية مصدر للرزق ومكانة اجتماعية
خدمات الجيل الثالث تهدد المواقع
في سؤال إلى بعض مؤسسي المواقع عن سبب انشائهم "للوكالات"؟ كان واضحا أن السبب الرئيس يتعلق بالمردود المالي نظرا لان الأخبار تتوافر على "الانترنت" ومنهم من اعتبره تقوية لوضعه الاجتماعي، لكن ليس بهدف توعوي أو لتحسين المضمون بدرجة الأولى. وتعود المواقع على أصحابها بالمال من خلال خدمة الرسائل العاجلة، وأيضا عن طريق الجهات المعلنة في فلسطين، ومن أكثرها المصارف وشركات الاتصالات الذان يخصصان جزءا من ميزانيتهما للإعلان على تلك المواقع لعدة أسباب، منها إبراز أسمائهم أمام زائري المواقع إضافة إلى ضمان عدم إعداد تقارير قد تضر بسمعتهم.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه الشركات لأخذ قرار الإعلان أساسا على عدد زوار الموقع وترتيبه بين المواقع الأخرى إضافة إلى كثرة المواقع الالكترونية التي نشأت في الآونة الأخيرة، صار أصحاب المواقع يخشون من انقطاع الإعلانات أو رفض المعلنين الموافقة على تجديد عقودهم بسعر مرتفع خاصة للمواقع الالكترونية غير المعروفة. ولاحظ أصحاب مواقع مؤخرا بدء هذه السياسة التي تعتمد على خفض قيمة الإعلانات، ومنهم من تحدث عن وجود سياسة متفق عليها بين قطاع البنوك مثلا في عدم الإعلان بسعر مرتفع.
السياق الأخير، لا يمكن فصله عن مسارين هامين للوصول إلى الحلول، هما: التطور التكنلوجي الذي قد يزيد من عدد المواقع؛ بتالي انخفاض القيمة السعرية للإعلانات أو توقفها، إضافة إلى إمكانية انخفاض حجم الأرباح الناتجة من الرسائل العاجلة مع دخول خدمات الجيل الثالث المقررة منتصف العام القادم التي ستتيح للجميع معرفة الأخبار الكترونيا دون الحاجة لتلك الرسائل، وأيضا ارتفاع تكاليف الإعلانات على "الفيسبوك" التي تعد الطريقة الأبرز لأصحاب المواقع لزيادة أعداد الزوار على المواقع.
بينما المسار الثاني يتعلق بمدى قدرة المواقع الإخبارية في التحول من ناقل للأخبار إلى باحث في المضمون لزيادة الثقة بينها وبين الجمهور بتالي المحافظة على جمهورها، وفي هذه الحالة سيصبح من الصعب على الجهات المعلنة أن تترك تلك المواقع نظرا لأنها حازت على ثقة القراء.
*آليات إيجاد والحفاظ على التمويل
الإعلام الإسرائيلي يبني الثقة
قضية المحافظة على التمويل أمر تعاني منه غالبية وسائل الإعلام، وفي فلسطين يزداد الأمر سوءا يوما بعد آخر إذ يلاحظ استقرار الاعلام الحكومي فيما تقوم بعض المؤسسات الصحفية الخاصة بتخليص موظفين لديها أو تخفيض معاشاتهم، بل هناك من صار يبحث عن صحفيين لا يتميزون بالخبرة الكافية لتشغيلهم برواتب لا تتجاوز الحد الأدنى للأجور.
وفي محاولة لمعالجة المشكلة العالمية نظمت مؤسسة "مهارات" وأكاديمية "دوتشيه فيلله" في بيروت مؤتمرا بعنوان "ديمومة الإعلام الرقمي: مقاربات من الشرق الأوسط والعالم". سلط المؤتمر الضوء على الإشكالية الأكثر حضورا بين وسائل الاعلام المتعلقة بالتمويل وكيفية مطابقة جودة المضمون لمتطلبات شركات الاعلانات.
المؤتمر، تقرب كثيرا إلى المشاكل الموجودة لدى وسائل الإعلام الفلسطينية منوها إلى أمور غائبة عن رؤساء التحرير وأصحاب الوسائل الإعلامية التي قد تساهم في تحسين إيراداتهم. تحدث المؤتمر عن آلية استخدام موقع "تويتر" لجمع الأموال من خلال تقاسم واردات الإعلانات مع المعلنين. وأيضا، ركز على قضية هامة نفتقدها هنا وهي ضعف قسم دائرة التسويق وأحيانا انعدامه في بعض المؤسسات الإعلامية الصغيرة مشيرا إلى ان هذا القسم يلعب دورا رئيسيا في زيادة الإيرادات لانه الرابط الرئيس مع شركات الإعلانات المحتملة والشركاء الآخرين. لكنه في ذات الوقت، أشار إلى أن عوامل النجاح مرهونة بمدى الثقة التي يستطيع القائمون على وسائل الاعلام بنائها مع الجمهور والتي تُخلق من خلال التركيز على المضمون الجيد .
وأيضا، طرح المؤتمر قضية هامة وهي أن الأسواق العالمية تختلف باختلاف الثقافات. واستشهد بالمانيا مثلا التي ما تزال الصحافة التقليدية تزدهر لديها رغم تطور التكنلوجيا الرقمية فيما تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للترويج. وهنا ما وقعت به وسائلنا الإعلامية في فلسطين، إذ لم تنجح سابقا في خلق الثقة بينها وبين الجمهور بسبب ضعف المضمون، والآن انتقلت إلى التكنلوجيا دون أن تستفيد من الدروس السابقة التي ادت إلى انهيار الصحافة المطبوعة، والآن الرقمية بدأت تعاني مع تطور التكنلوجيا.
لكن على الجهة المقابلة، في إسرائيل، نجحت الصحافة المطبوعة في المحافظة على نفسها نسبيا لما تقوم به من دور رقابي ونشر للتحقيقات وتعمق في الأخبار رغم المزاحمة الالكترونية. وأيضا، نجحت لاستمرار تدفق الإعلانات عليها. ومن المشاهد التي تظهر مدى قوة الصحافة الإسرائيلية قيام بعض المواقع بنشر تقارير سابقة بيوم على موقعها لإجبار القراء على الاشتراك الالكتروني أو شراء الصحف، لكن ذلك جاء بعد بناء الثقة بينها وبين الجمهور.