الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
02 كانون الثاني 2017

الحد الأدنى للأجور... قانون يسرق حقوق العمال

\

بكر ياسين اشتية

*أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية

 

لن أعود في هذا المقال إلى الجدل الذي قام إبّان إقرار قانون الحد الأدنى للأجور بين أقطاب مثلث الحكومة والمشغّل ونقابات العمال، لكني سأقف على الآلية التي اعتمدت لإقرار مبلغ الحد الأدنى للأجور المتمثل بـ (1450) شيكلا للعام (2012)، وما يفترض أن يكون عليه في العام (2017).

آلية الاحتساب اعتمدت على تقدير عدد العاملين في المناطق الفلسطينية وقسمتهم على عدد الأسر الفلسطينية لاستخراج متوسط عدد العاملين في كل أسرة فلسطينية، والذي قُدّر في وقتها بقرابة (1.62) عامل لكل أسرة. ومن ثم تم استحضار خط الفقر الوطني الذي كان في العام 2012 (2350) شيكلا للأسرة المرجعية المكونة من خمسة أفراد وقُسم على متوسط عدد العاملين في الأسرة لنحصل على (1450) شيكلا الحد الأدنى للأجور المتناسب مع خط الفقر. أي أن (1450) شيكلا مضروبا بمتوسط عدد العاملين في الأسرة الواحدة يساوي الحد الأدنى للأجور.

تلك الآلية التي استُخدمت فيها بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والتي اعتُمدت من قبل الكثير من الدول، "وعلى رأسها دولة الاحتلال الإسرائيلي" من حيث المبدأ هي آلية منسجمة مع تعريف منظمة العمل الدولية للحد الأدنى العادل للأجور والذي ينص على أنه "يجب أن يغطي الحد الأدنى للأجور مصاريف معيشة الموظف وأسرته. وعلاوة على ذلك يجب أن يرتبط الحد الأدنى للأجور بشكل معقول بالمستوى العام للأجور المكتسبة ومستوى معيشة الفئات الاجتماعية الأخرى"، غير أن المشكلة والتحفظ هو على طريقة الاحتساب.

فلا بد أولا من فصل بيانات الضفة الغربية عن قطاع غزة نظرا لاتساع الهوة في الأسعار والعمالة وحجم الأسرة ومستويات المعيشة بين شقي الوطن، وهو ما لم يتم اعتماده في حسابات خط الفقر ومتوسط عدد العاملين في كل أسرة من قبل اللجنة التي كُلّفت بإعداد مشروع القانون. وهنا سأقوم بتثبيت تلك الحسابات لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة نظرا لنقص البيانات لدي على مستوى شطري الوطن.

بالعودة للآلية المعتمدة من قبل اللجنة، بلغ عدد الأسر الفلسطينية وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال العام 2012 حوالي (736,950) أسرة، في حين بلغ عدد العاملين لذات العام (858,000) عامل. وباحتساب حاصل قسمة الرقمين يتبين أن متوسط عدد العاملين يبلغ (1.16) عامل لكل أسرة فلسطينية، وليس (1.6) عامل كما صدر عن لجنة صياغة إعداد مشروع القانون.

ومع قسمة خط الفقر الوطني للعام (2012) والبالغ (2350) شيكلا على الرقم الذي قمنا باحتسابه أعلاه، يتضح أن الحد الأدنى للأجور الواجب اعتماده لذلك العام هو (2025) شيكل وليس (1450) شيكل. ومع إضافة جدول غلاء المعيشة للسنوات (2013) حتى (2016) يصبح الحد الأدنى للأجور الواجب اعتماده خلال العام (2017) هو (2430) شيكل.

وفي ظل غياب القوة التنفيذية الضامنة لسلامة تطبيق القانون، يخلو القانون المقر من أي ضمانات لحقوق العاملين من قضايا الفصل التعسفي التي قد تنجم عن مطالباتهم بالحصول على الحد الأدنى للأجور. كما ويفتقر القانون لسلّم يصنف العمال بناء على فترة عملهم، الأمر الذي سيؤدي في بعض الحالات لتساوي أجر العامل ذو سنوات العمل الطويلة مع العامل المستجد في نفس المسمى الوظيفي.

أما عن ادعاءات البعض بعدم قدرة المشغّل الفلسطيني على تحمل تلك الأعباء، فنقول أن (76%) من العمالة الفلسطينية تعمل في قطاعات الخدمات والبناء والإنشاءات والمالية والتأمين وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق والمقاهي والمواصلات والاتصالات، وهي قطاعات لا تُنافَس بالواردات الأجنبية أو الإسرائيلية، إضافة لأنّ مجموع القيم المضافة لأنشطة القطاع الخاص الخدمية مطروحا منها أجور العاملين والاهتلاكات السنوية تساوي بالمتوسط (67%)، وهو هامش الربح الذي تحققه تلك الأنشطة من مجموع الإنتاج النهائي (قبل الضريبة). ويعني هذا بشكل أبسط أن كل مائة دولار منتجة يتولد عنها (67) دولارا أرباح. وفي السياق نفسه نجد أن أجور العمال في تلك الأنشطة لا تتجاوز 37% من هيكل تكاليف الإنتاج.

بمعنى آخر، فإن تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور لن يكون على حساب القدرة التنافسية لقطاعات الإنتاج الفلسطيني، بقدر ما سيكون على حساب فائض الأرباح المتضخمة أصلا لدى قطاعات الاستثمار الخدمي الاستهلاكي.

أما القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية)، فيكفي أن نعلم أن (95%) من العمالة الزراعية في فلسطيني هم من أفراد الأسرة غير مدفوعي الأجر، أي أن القانون لا يمس بالقدرة التنافسية للمنتج الزراعي، في حين لا تشكل العمالة الصناعية أكثر من (10%) من مجموع العمالة الفلسطينية، لا تتجاوز حصتهم في هيكل تكاليف الإنتاج (20%)، أي أن كل (10%) زيادة في أجر العامل الصناعي تؤدي لارتفاع تكاليف الإنتاج (2%) فقط، الأمر الذي يمكن علاجه من خلال اعتماد سياسات رفع إنتاجية العامل الصناعي من جهة، ومنح الأفضلية للاستثمارات الصناعية في قانون تشجيع الاستثمار على حساب الاستثمارات الخدمية الاستهلاكية من جهة أخرى.

من كل ما سبق، نجد لزاما على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الفلسطينية إعادة النظر في آلية احتساب الحد الأدنى للأجور، مع ضرورة وضع الآليات الكفيلة بتطبيقه، الأمر الذي سيساعد في التقليل من التفاوت الكبير في توزيع الدخل، وزيادة حجم الطبقة الوسطى الفاعلة اقتصاديا، وصولا لجني مكاسب تراكمات النمو على شكل تنمية اقتصادية حقيقية، تضمن نوعية حياة كريمة لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني.

بوابة اقتصاد فلسطين

مواضيع ذات صلة