الزمن يعود بقطاع غزة إلى المربع الأول للحصار
بقلم: دكتور ماهر تيسير الطباع
في بداية الحصار على قطاع غزة ومع اشتداده كتبت مقالة في شهر مارس من عام 2008 بعنوان "قطاع غزة على حافة الإنهيار التام"، واليوم وبعد مرور ثماني سنوات يصدر البنك الدولى تقريرا بعنوان "اقتصاد غزة على حافة الإنهيار"، إن هذا التقرير لم يأت بجديد فالواقع في قطاع غزة يكاد يكون أسوء مما يتخيله بشر، فقطاع غزة على مدار ثماني سنوات يتعرض لحرب اقتصادية شرسة، حيث فرضت إسرائيلالحصار الشامل على قطاع غزة، وأغلقت جميع المعابر الدولية والتجارية ، وأصبح سكان قطاع غزه البالغ عددهم ما يزيد عن 1.8 مليون مواطن يعيشون في سجن كبير محاصر برا وبحرا وجوا.
وانتجهت إسرائيل خلال تلك الفترة العديد من السياسات لتدمير وتقويض الاقتصاد في قطاع غزة، وذلك من خلال منع العديد من السلع والبضائع من دخول قطاع غزة ومنع الصادرات، واستهداف المنشآت الاقتصادية خلال الثلاثة حروب التى تعرض لها قطاع غزة، والتى يزيد عددها عن عشرة آلاف منشأة اقتصادية.
ومع بدء العام الحالى انتهجت إسرائيل سياسة جديدة ضد قطاع غزة، تمثلت بتشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون، وتجاوزت ذلك باعتقال العشرات من التجار ورجال الأعمال، كما أضافت إسرائيل العديد من السلع والبضائع إلى قوائم الممنوعات، وكل هذا يأتي في إطار سياسة إسرائيل بتشديد الحصار وخنق قطاع غزة.
إن كافة التقارير والمؤشرات الإقتصادية الصادرة من المؤسسات الدولية والمحلية تدل على خطورة الاوضاع في قطاع غزة، وهنا أود أن أسرد مجموعة من تلك المؤشرات:
معدلات البطالة: بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدلات البطالة في قطاع غزة بلغت 44% من المشاركين في القوى العاملة وذلك بحسب المعايير الخاصة بمنظمة العمل الدولية , لكن هذة الإرقام لا تحاكي ما هو موجود على أرض الواقع في قطاع غزة، حيث تفاقمت أزمة البطالة بعد الحرب الأخيرة الشرسة الضروس التى تعرض لها القطاع ووصلت معدلاتها إلى مستويات غير مسبوقة وكارثية، وأدت تداعيات الحرب الأخيرة وما تبعها من إستمرار للحصار وتعثر عملية إعادة الإعمار إلى تزايد عدد الفقراء والمحرومين من حقهم في الحياة الكريمة، وتجاوزت معدلات البطالة في قطاع غزة 55%، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ربع مليون شخص.
الفقر والأمن الغذائي: بسبب الحصار والحروب ارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65%، وتجاوز عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الانروا والمؤسسات الإغاثية الدولية والعربية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة، وهي النسبة التي بلغها انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في قطاع غزة، كما أن 39% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر الوطنى في فلسطين والذي يبلغ 2293 شيكل , و21% يعيشون تحت خط الفقر المدقع والذي يبلغ 1832 شيكل.
الناتج المحلى الإجمالى ونصيب الفرد منه: بحسب صندوق النقد الدولى فإن البيانات الأولية تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في قطاع غزة بنسبة 32% في الربع الثالث من 2014، و نسبة انكماش في اقتصاد قطاع غزة بحوالي 15% خلال عام 2014، و يعتبر هذا الانكماش الأول للاقتصاد الفلسطينيى منذ عام 2006.
وبحسب مركز الإحصاء الفلسطينيى انخفض الناتج المحلى في قطاع غزة بنسبة 18% خلال الربع الرابع لعام 2014 وشهد نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى في قطاع غزة تراجعا غير مسبوق خلال الربع الرابع من عام 2014 حيث بلغ 228.7 دولار أمريكي، مسجلا تراجع بنسبة 21% مقارنة مع الربع الرابع من العام 2013، وبحسب البنك الدولي فإن دخل الفرد في قطاع غزة انخفض في الوقت الحالى بنسبة 31% عما كان عليه قبل 20 عام.
عملية إعادة الإعمار: حتى هذة اللحظة وبعد مرور عشرة أشهر على وقف إطلاق النار، لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية وما تم تنفيذه خلال تلك الفترة يندرج تحت مشاريع الإغاثة.
وبحسب مؤسسة أوكسفام البريطانية فإن عملية إعادة الإعمار سوف تستغرق 100 عام في حال لم يرفع الحصار عن قطاع غزة، واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية المعمول بها حاليا، والتي ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع، حيث أن ما دخل من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة اعمار قطاع غزة خلال تسعة أشهر من وقف إطلاق النار لا يتجاوز 113 الف طن وهذه الكمية تساوي احتياج قطاع غزة من الاسمنت لأسبوعين فقط.
وما يثير الدهشة بخصوص الإعمار ما تم ذكرة في تقرير البنك الدولى الاخير حول أموال المانحين، حيث ذكر التقرير بأنة حتى منتصف نيسان 2015 قد وصل 1 مليار دولار، من أصل الثلاث ونصف مليار التي تعهد بها المانحون لإنعاش واعادة إعمار القطاع في مؤتمر القاهرة المنعقد في 2014، وهذا بالرغم من أنه لم يبني أي بيت في قطاع غزة من البيوت التى تم تدميرها بشكل كلى بالحرب الأخيرة.
إن كافة المؤشرات السابقة تؤكد بأن قطاع غزة حاليا ليس على حافة الإنهيار، بل يدخل مرحلة ما بعد الموت السريري، حيث أن القطاع اصبح نموذج لأكبر سجن بالعالم، بلا إعمار, بلا معابر، بلا ماء، بلا كهرباء، بلا عمل، بلا دواء، بلا حياة، بلا تنمية.
ويجب أن يعلم الجميع بأن الخناق يضيق بقطاع غزة والإنفجار قادم لا محال، وأصبح المطلوب من المؤسسات والمنظمات الدولية ليس إصدار التقارير عن واقع قطاع غزة المرير، بل الضغط على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة احتياجات قطاع غزة من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط.
*خبير اقتصادي