مؤتمر المناخ أظهر محاولة البعض خداع البلدان الفقيرة
مؤتمر المناخ الأممي في مراكش: غياب الاتفاق حول الخطوات الجوهرية للمستقبل ومحاولة بعض الحكومات الغربية خداع البلدان الفقيرة.
خلال الفترة الممتدة بين السابع والثامن عشر من تشرين ثاني حضر مؤتمر المناخ العالمي في مدينة مراكش المغربية أكثر من عشرين ألف مشارك من نحو 200 دولة يمثلون وفود حكوماتهم التي وقعت على اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي (في كانون أول 2015).
هدف المؤتمر البحث في آليات تطبيق الاتفاقية التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية وتقليل اعتماد الاقتصاد العالمي على الفحم والنفط والغاز (الوقود الأحفوري) ابتداء من النصف الثاني من القرن الحالي.
وقد نظّم مؤتمر مراكش في وقت أجمع فيه علماء المناخ على أن سنة 2016 ستكون الأكثر سخونة في التاريخ، منذ بدء التوثيق المناخي.
وبحسب مراجعة وردت في التقرير السنوي للبيئة الصادر عن الأمم المتحدة عشية انعقاد مؤتمر مراكش حول تعهدات الدول الحالية بخفض الانبعاثات، تبين بأن هذه التعهدات غير كافية وغير فعالة.
ولتحقيق الأهداف الأكثر طموحا، يفترض بالدول التي وقعت على اتفاقية تغير المناخ أن تعلن عام 2020، عن التزاماتها الجديدة لتقليل الانبعاثات بحلول منتصف القرن الحالي.
يشار هنا إلى أن 110 دول من اصل 192 وقعت على اتفاقية باريس، تبنت محليا في بلدانها الاتفاقية رسميا لدى انعقاد مؤتمر مراكش.
من الناحية المبدئية، تعتبر اتفاقية باريس سارية المفعول، لأن الشرط الوارد فيها حول سريانها، وهو تحديدا مصادقة 55 دولة تمثل 55% على الأقل من الانبعاثات الغازية المسببة للاحترار العالمي، قد تحقق خلال فترة أقصر من المتوقع.
خلافات حادة حول التمويل
شكل تمويل تطبيق الإجراءات الخاصة بمكافحة التغير المناخي أبرز المسائل على جدول أعمال المؤتمر. كما وخلال الجلسات الرئيسية نوقشت قواعد الشفافية بين الدول وكيفية تعريفها، إضافة إلى الاستثمار الكبير في الدول النامية.
وبالرغم من تأكيد اتفاقية باريس أنّ مسؤولية مواجهة تغيّر المناخ هي مسؤولية جماعية بين الدول، إلا أن هذه المسؤولية تتفاوت وفقا لقدرات كل دولة. كما تأخذ الاتفاقية في الاعتبار مستوى التنمية في البلدان الضعيفة وتلك الأكثر فقرا وبالتالي احتياجاتها الخاصة.
لذا، يفترض بالبلدان الصناعية تسهيل عملية نقل التكنولوجيا إلى البلدان النامية والأكثر فقرا ومساعدتها على التكيّف مع الاقتصاد الخالي من الانبعاثات الكربونية؛ وذلك بالإضافة إلى التزاماتها الماليّة.
والمثير أن الدول النامية إجمالا، كل بحسب قدراتها، آخذة في الاقتراب من مساهماتها والتزاماتها المطلوبة ضمن المسؤوليات المشتركة العالمية، أكثر بكثير من الدول الصناعية المتقدمة.
دول الجنوب تطالب بالحصول على المساعدات لتحصين نفسها ضد التغيرات المناخية المتطرفة، ولتعزيز إجراءاتها من أجل التكيف، مثل زيادة مستوى ارتفاع المساكن وإنشاء السدود وتوفير المساعدات للري واختيار البذور ونظام انذار مبكر للأرصاد الجوية وغير ذلك.
رغم انقضاء أسبوعين من جلسات المفاوضات العامة والاجتماعات الوزارية والنشاطات والتحركات الكثيرة على هامش المؤتمر، والتي تمحورت بشكل أساسي حول تمويل مكافحة الاحترار- رغم ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح، محدد ودقيق حول خارطة الطريق لتطبيق الاتفاقية، وبخاصة قواعد الشفافية. وكما يبدو، فإن عام 2018 هو موعد التطبيق المرجح لاتفاقية باريس، وفقا لرغبة الدول الصناعية.
كما برزت في مؤتمر مراكش نقاشات حول آليات التعامل مع ما يعرف بـ "الخسارة والضرر"، بما يعنيه ذلك من بلورة أطر سياساتية لمساعدة المجتمعات المتضررة (في دول الجنوب) من آثار التغيرات المناخية، بحيث تتحمل الدول المتقدمة مسؤوليتها الأخلاقية في توفير الدعم المالي لتلك المجتمعات؛ علما أن نحو 200 مليون فرد مهددون بالتشرد والتهجير بسبب التدهور الكبير الحاصل في أراضيهم، كما أن عشرات الملايين الآخرين مهددون بالتحول إلى فقراء ومعدمين بسبب التهديد المباشر الذي قد يطال أرزاقهم. وفي ضوء ذلك، يبقى التمويل المتاح للتعامل مع هذا الواقع ضئيلا وغير كاف.
وتشير التقديرات إلى أن التغيرات المناخية ستفاقم التشرد والتهجير.
والسؤال المطروح هو من أين سيتم توفير تمويل هذه المسألة، وبخاصة أنها لم تناقش إطلاقا.
وقد أعلنت الدول المعنية والمصارف متعددة الأطراف عن تخصيص 67 مليارا من أصل 100 مليار دولار وعدت حكومات دول الشمال بدفعها سنويا للدول النامية حتى سنة 2020. وبحسب الامم المتحدة يفترض تخصيص خمسة الى سبعة تريليون دولار سنويا لدعم الأنشطة "منخفضة الانبعاثات"، وبالتالي تعزيز التنمية "النظيفة".
وفي ذات السياق، جاءت الخلافات الحادة بين دول الشمال والجنوب حول التمويل، وذلك إثر إعلان بعض الدول المتقدمة (بريطانيا وأستراليا تحديدا) عن "خريطة طريق" حول ألـ 100 مليار دولار سنويا التي التزمت الدول المتقدمة بتوفيرها مع حلول عام 2020، وتضمنت تلك الخريطة تعريفا جديدا لتمويل المناخ.
الدول النامية والعديد من مجموعات المجتمع المدني انتقدت بشدة "خريطة الطريق" لأنها تتضمن "تعدادا مزدوجا" دَمَجَ أيضا تدفقات المساعدات التنموية والقروض القائمة حاليا في إطار التمويل المناخي، فضلا عن المبالغة في المدى الذي تستطيع فيه الأموال الحكومية أن تشكل دافعا للتمويل من قبل القطاع الخاص. واستنادا إلى خدعهما الحسابية (بريطانيا وأستراليا)، فهما يزعمان بأن الدول الغنية اقتربت من تقديم 100 مليار دولار في إطار تمويل المناخ؛ لكن الحقيقة أن الخزائن لا تزال فارغة تقريبا.
المطلوب إذن تعريف أممي جديد وواضح لمفهوم تمويل المناخ، بحيث لا يشمل المساعدات التنموية الحالية. كما أن "خريطة الطريق" الجديدة لا تتضمن أي أفق لزيادة التمويل من الدول المتقدمة ومؤسسات التمويل متعددة الأطراف بأكثر من تعهدات باريس.
من يحق له المشاركة في المفاوضات؟
برزت أثناء محادثات مراكش تحديات جوهرية حول كيفية رفع مستوى "الطموحات" في مرحلة ما قبل عام 2020، فضلا عن السؤال الأساسي: من أين ستأتي الأموال وما هي آلية توزيعها؟ فضلا عن كيفية ضمان أن تتدفق ألـ 100 مليار دولار إلى الدول النامية لتستثمر في مشاريع منخفضة أو عديمة الانبعاثات، بحيث تساعد المجتمعات المحلية في مواجهة آثار التغير المناخي.
النقاشات الساخنة دارت حول تعريف واضح لتمويل المناخ، علما أن الدول النامية تطالب بمنح مالية وبوضع قواعد للمحاسبة، في حين تدفع الدول المتقدمة باتجاه التمويل عبر القروض ومن القطاع الخاص أساسا.
الالتزامات الحالية للدول المختلفة، سواء تلك المتصلة بالمساعدات الدولية أو بتقليص الانبعاثات، لن تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز الدرجتين مئويتين، أو الدرجة والنصف (بحسب طموح اتفاقية باريس)، بل سيفوق مقدار الارتفاع الثلاث درجات مئوية، بالمقارنة مع مرحلة ما قبل الثورة الصناعية الأوروبية؛ ما يعني حدوث خلخلة مناخية مدمرة تتمثل في تفاقم موجات الحرارة المكثفة والطويلة والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات والفيضانات وغير ذلك. وفي المحصلة، قد تتحول مناطق كثيرة في العالم إلى أماكن غير صالحة للسكن، بما في ذلك مناطق واسعة في بلداننا العربية.
مساحة كبيرة للمناورة
إن مدى التقدم في تطبيق بنود اتفاقية باريس منوط في الواقع بالتحولات المستقبلية في النظام الاقتصادي العالمي. فعلى سبيل المثال، أزمة اقتصادية حادة أو هبوط إضافي في أسعار النفط، أو صعود قوى سياسية إلى الحكم لا تؤمن أصلا بالتغيرات المناخية (كما في حال الرئيس الأميركي المنتخب الجديد دونالد ترامب الذي ينوي الخروج من اتفاقية باريس)- كل ذلك قد يغير منظومة صنع القرار في بعض البلدان فيما يتعلق بالتزاماتها تجاه اتفاقية باريس. واللافت أن الاتفاقية لا تَفرض على أي دولة، وبخاصة الدول الغربية الصناعية، سقفا كميا لتقليل انبعاث غازات الدفيئة، بل تركت تحديد السقف بشكل طوعي لكل دولة بشكل منفرد؛ الأمر الذي جعل التزامات الدول الرأسمالية الصناعية التي أوصلتنا إلى حافة الخطر الوجودي غير كاف وضعيف نسبيا.
المعضلة البنيوية الكامنة في اتفاقية باريس أنها تمنح الدول الغربية الرأسمالية مساحة كبيرة للمناورة، بحيث تستطيع من خلالها ملاءمة أهداف انبعاثاتها لاحتياجاتها ومصالحها الخاصة؛ علما أن نص الاتفاقية لم يحمّل الدول الصناعية الغربية المسئولية الأساسية في الانبعاثات، وبالتالي لم يلزمها بتخفيض الانبعاثات بنسب كمية كبيرة واضحة تنسجم مع الحقائق العلمية.
للأسف، لم يساهم مؤتمر مراكش في بلورة تعهد غربي لكسر احتكار المعرفة العلمية والتقنية الخاصة بإنتاج السلع البيئية، وبالتالي التعهد الملزم قانونيا بتقديم المعلومات عن التكنولوجيا النظيفة؛ وبالتالي تحقيق الحد الأدنى من العدالة والمساواة في حرية الوصول إلى الطاقات المتجددة، من خلال مشاريع مجدية إيكولوجيا ومستدامة اقتصاديا وبيئيا على الأرض.
البيان الختامي المشترك لرؤساء وحكومات الدول المجتمعة في مؤتمر مراكش والذي تلاه سفير المغرب المكلف بالمفاوضات متعددة الأطراف، عزيز مكوار- هذا البيان جاء فضفاضا؛ الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه سابقا من عدم الحسم في المسائل الجوهرية الواردة في اتفاقية باريس.
يفترض بالدول الغنية أن تقدم دعما حقيقيا للدول الفقيرة، وليس "منحا وإكراميات"، لتمكين الأخيرة من مواجهة الآثار الرهيبة الناجمة عن التغير المناخي، وتطوير اقتصادياتها بحيث تصبح قليلة الانبعاثات. إن محاولة بعض الحكومات الغربية خداع البلدان الفقيرة بهذه الطريقة يعد أمراً معيباً والتفافاً على الحقيقة.
***مدير وحدة الدراسات والأبحاث البيئية في مركز معًا التنموي