ما بين التنظير والاتهام بالتقصير .. المعاق يستجدي حقه
تعددت الاحصاءات الخاصة بذوي الإعاقة، لكن لم يحظ هؤلاء إلا باحصاءات تخرج في يوم المعاق العالمي دون أن يتغير أي من أشكال الواقع، وخاصة أن نسبة البطالة بينهم تجاوزت ال70% في ظل وجود قانون يلزم القطاعات بتوظيف 5% منهم في الشركات التي يزيد عدد موظفيهم عن 20 موظفا.
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
حين نتحدث عن تهميش لفئة ذوي الاعاقة التي تفوقت منها من تفوق على كاملين ببصيرتهم وأفكارهم وصاروا أدباء وشعراء، تسقط كافة الإحصاءات التي تتناول قضيتهم على شكل أرقام في وقت أن الجهات المعنية غير قادرة على استيعاب تلك المعطيات لتوظيفها بالشكل الأمثل بما يخدم فئتهم، وحتى لا يصبحوا عالة على المجتمع وعلى أحبائهم رغم امتلاكهم للقدرات الكبيرة.
الحقيقة الواضحة راهنا، أن يوم المعاق في فلسطين ليس إلا يوم تُفتعل فيه قضيتهم، ومع غياب شمس ذلك اليوم يعود صوت المعاق لأدراج النسيان.
هنا، تأتي التساؤلات بعد انقضاء ذلك اليوم، مثلا: لماذا حتى الآن لم يتم تعديل القوانين الداخلية للمعاقين بما يتوافق مع الدولية؟ ولماذا تشتكي تلك الفئة من عدم تلبية مطالبهم بالشكل السريع؟ وأين نسبة الـ5% من تشغيل ذوي الاعاقة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بما ينص عليه القانون الفلسطيني؟
البطالة لا تتوافق مع الاحصاءات
تعددت الاحصاءات الخاصة بذوي الإعاقة، منها تقليدية تفيد أن 2.5% من الأشخاص هم من ذوي الاعاقة بأنواعها الحركية أو البصرية الواضحة.
وحسب المسح الميداني لجهاز الاحصاء المركزي الذي أجراه مع وزارة الشؤون الاجتماعية 2011 قال أن نسبة الاعاقة في المجتمع الفلسطيني 7%، أي نحو 325 ألف إنسان في المجتمع الفلسطيني لديهم اعاقات من أنواع مختلفة.
بينما الاحصائية الأخرى تعود لمنظمة الصحة العالمية، التي أدخلت مرضى السكري والضغط والفشل الكلوي ضمن فئة الإعاقة، وبالتالي النسبة تصبح 12-14%، أي ما يعادل 550 الف إنسان عندهم إعاقة في المجتمع الفلسطيني حسب هذه الإحصائية.
أما نسبة البطالة في صفوف هؤلاء حسب الاحصاءات فتتجاوز الـ 70%.
حاجة لتعديل القوانين
حسب القانون الخاص بحقوق ذوي الاعاقة فان على دولة فلسطين في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية أن تشغل ما لا يقل عن 5% من موظفيها من ذوي الإعاقة.
وقال مدير مكتب رعاية الطلبة ذوي الإعاقة في جامعة النجاح، وناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، سامر عقروق، إن عدد موظفي السلطة يصل إلى حوالي 180 ألف موظف ما يعني أن حصة المعاقين يجب أن تكون حوالي 9 آلاف وظيفة، بينما ما يتحقق من هذه النسبة هو 2-2.5% فقط من أصل 5%.
وعن القطاع الخاص أضاف عقروق، ينطبق هذا القانون على كل القطاعات العامة والخاصة، فأي مصنع أو شركة أو مصلحة يزيد عدد عمالها وموظفيها عن 20 موظفاً يجب أن تلتزم بتشغيل 5% من ذوي الإعاقة.
ويقول عقروق إن من بين وزارات دولة فلسطين يوجد وزارتان فقط ملتزمتان نوعاً ما بهذا التعيين، وهما وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية، وجزئياً وزارة التربية والتعليم.
ويرد مدير دائرة عمل الأحداث ومسؤول ملف الإعاقة في وزارة العمل، مأمون عودة، أن الحكومة تطبق القانون في آخر بضع سنوات بنسبة 100%، أي لكل 100 وظيفة يوجد 5 وظائف ممنوع أن يتقدم لها إلا أشخاص من ذوي الإعاقة. لكنه أوضح أنه بسبب الفجوة الماضية في التوظيف فإن النتائح تظهر بشكل تدريجي.
ورأى عودة، أن نسبة التزام القطاع الخاص بالتوظيف ليست كاملة، مشيراً إلى الوزارة تقوم بمتابعتها. غير أن عودة أشار إلى مشكلة تواجه وزارته عند تطبيق القانون وهي أن المؤسسات الكبيرة في فلسطين نسبتها 2% من حجم المؤسسات والشركات العاملة في فلسطين وهو ما يحد من توظيفهم في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
وتابع، إن وزارة العمل تطمح في أن يعدل قانون ذوي الإعاقة ليكون فيه ما يلزم المؤسسات التي تشغل حتى 10 أشخاص بتوظيف شخص من ذوي الإعاقة.
مدربون ومؤهلون
وعن مستوى تدريب وتأهيل ذوي الاعاقة وقدرتهم على أخذ مكانهم في سوق العمل يقول عقروق إن "معظم الأشخاص ذوي الاعاقة منذ نحو 15 عاماً حتى الآن مدربين ومؤهلين، ومنهم خريجي جامعات ومنهم حاصلين على شهادات الماجستير". وأضاف أن ثقافة المجتمع والعبارة التي تكتبها لهم اللجنة الطبية المركزية "غير لائق" تمثل مشكلة كبيرة لهم عند التوظيف".
من جهته، أعرب عودة عن إعجابه بقدرات ذوي الإعاقة، قائلاً "عند حضور إحدى ندواتهم أو مؤتمراتهم ستتفاجأ أن قدراتهم أعلى بكثير من توقعاتنا وتوقعات المختصين". وأضاف "لدينا حملة لدمجهم وتشغيلهم في المؤسسات الخاصة مع الشركات الكبيرة، والتي رفعت إحداها نسبة التشغيل إلى 10% بعدما أثبت هؤلاء جداراتهم وتفوقهم".
ما نسمعه "تنظير" ليس إلا
يقول عقروق إنه منذ أن عدت إلى فلسطين 1995 لم أجد سوى التنظير بشأن قطاع فئة ذوي الإعاقة.
وضرب أمثلة على ذلك، منها ما يدور منذ 12 عاما بشأن منح بطاقة لذوي الإعاقة لتوفير له العديد من الخدمات مجاناً، لكن حتى الآن لم يتم تطبيقها. وأيضا، رأى أن هناك تقصير في توفير الأدوات التي يحتاجها ذوو الاعاقة كالكراسي المتحركة والعكازات والنظارات ذات الحجم الكبير والسماعات..الخ.
بدوره، رد عودة من وزارة العمل على سابقه بالقول :" الله لا يسمع من ساكت" مشيراً إلى ضعف دور الاتحاد العام لذوي الاعاقة في تحمله للمسؤولية "نجد أن المؤسسات الخاصة والأهلية تغطي أكبر من دور الاتحاد العام للأشخاص ذوي الاعاقة وهنا يكمن الخلل".
وانتقد عودة عدم وجود قائمة قاعدة بيانات بأسماء ذوي الاعاقة "إن الوزارة تدق أبواب المؤسسات الأهلية والخاصة لمنحنا القوائم ليتم إرسالهم بعد ذلك إلى مكاتب العمل لمتابعتها وإرسالهم إلى شركات لتشغيلهم".
البنى التحتية غير جاهزة
قال عقروق إن هناك غياب للمواءمة التكنولوجية والبيئية لذوي الإعاقة. وأوضح أن البنى التحتية في المرافق العامة موجودة بنسبة قليلة جداً، بينما البنى التحتية الأخرى للوزارات والمؤسسات الرسمية بعضها غير مهيأ للكراسي المتحركة، وأيضا المصاعد غير مهيأة للكفيفين.
بدوره، اتفق عودة بعدم جاهزية كافة المباني وخاصة القديمة منها لذوي الاعاقة، لكنه قال إن المباني الجديدة تراعي حاجة تلك الفئة.
وتابع" هناك دعوات مستمرة لكافة الوزارات لتهيئتها لمواءمة الأشخاص ذوي الاعاقة من خلال اللجان والإجتماعات المشتركة معهم".
ثقافة المجتمع والإعلام
وضعنا عقروق في مشكلة غاية في الأهمية يلامسها تتعلق بثقافة المجتمع، إذ أحيانا كثيرة لا يفضل بعض الأشخاص التعامل معهم ويشعرونهم بعجزهم" مثلا بعض أصحاب التكاسي يتأفأون من ركوبهم وأحيانا يرفضون".
وانتقد عقروق الإعلام الفلسطيني الرسمي وحتى الأهلي، قائلاً إنه مقصر بشكل كبير في تثقيف المجتمع بحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة "نحن بشر ويجب التعامل معنا من هذا المنطلق".
فلسطين والاتفاقيات الدولية
كما انتقد عقروق أداء السلطة في مجال التزامها بالاتفاقيات الدولية خاصة بعد توقيع الرئيس محمود عباس 2014 على الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، مشيراً إلى أنه حتى اللحظة لم يتم تعديل القوانين المحلية للتوافق مع الدولية.
بينما قال عودة إن قوانين الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين هي دون مستوى الإتفاقيات الدولية بمراحل، مشيراً أن العمل جارٍ على تعديلها "هناك مقترح شاركت فيه لتعديل قانون العمل، ومن ضمنه إعطاء امتيازات لذوي الإعاقة إضافة إلى حقوقهم الرئيسية".