الرئيسية » أقلام اقتصادية » دولي »
 
02 تشرين الثاني 2016

8 أسباب للتدهور السريع في أسعار النفط

\

لهب عطا عبد الوهاب، الغد الأردني*
خسر النفط ثلثي قيمته في العامين الماضيين إذ انخفض من 115 دولاراً للبرميل في حزيران (يونيو) 2015 إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل مطلع العام 2016 ، وفي ما يلي ثمانية أسباب لهذا التدهور السريع في أسعار النفط:
صعود الولايات المتحدة كمصدّر للبترول:
بين عامي 2012 و2015 زادت الولايات المتحدة إنتاجها النفطي إلى 9.6 مليون برميل يومياً. هذه الكمية الإضافية الكبيرة من النفط المتاحة في السوق العالمية تعادل إنتاج نيجيريا وأنغولا وليبيا مجتمعة من النفط، والتي تعدّ من أكثر الدول الأفريقية إنتاجا للبترول.
وترجع هذه الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة إلى التطورات التقنية في طريقة الحفر بالتكسير الهيدروليكي Fracking، التي تعتمد على ضخ الماء ومحاليل كيميائية في طبقات الصخور بهدف توسيع الشقوق في تلك الطبقة والوصول إلى ما يسمى النفط والغاز الصخريين، اللذين لا يمكن استخراجهما بالطرق التقليدية. وبالرغم من أن استخراج النفط بهذه الطريقة مكلف نسبياً، فإن أسعار النفط المرتفعة في السنوات الأخيرة جعلت هذا الاستثمار مجدياً.
زيادة إنتاج العراق:
لم ينتبه العالم إلى أن العراق كان العام الماضي 2015-2016 البلد الثاني على مستوى العالم الذي شهد زيادة في إنتاج النفط؛ فبالرغم من الصراعات التي يشهدها هذا البلد تمكن من زيادة إنتاجه من النفط الخام من 3.3 إلى 4.3 ملايين برميل يوميا. و يتطلع العراق الذي أصبح يحتل المرتبة الثانية من حيث الإنتاج داخل أوبك قبل إيران وخلف السعودية مباشرة إلى إنتاج 5 ملايين برميل يوميا بحلول نهاية العام الحالي.
وفي الوقت الراهن، ينتج العراق أكثر من ضعفي ما كان ينتجه قبل الاجتياح الأميركي العام 2003. وأغلب النفط العراقي مصدره البصرة بالإضافة إلى مناطق الحكم الذاتي الكردية في الشمال، والتي تتمتع بأمان نسبي.
عودة إيران إلى تصدير النفط:
بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1"، والمكونة من الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، في كانون الثاني (يناير) 2016، تم رفع جزء كبير من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وبذلك ستتمكن هذه الدولة من الوصول إلى أسواق النفط الدولية بشكل أسهل، ويتوقع أن تجاري جارتها العراقية في إنتاج النفط.
وبحسب إحصائية منظمة أوبك، يبلغ الإنتاج الإيراني للنفط الخام نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يزيد الإنتاج بمقدار ثلاثمائة ألف برميل يوميا مع انتهاء العام الحالي. هذه الزيادة في كمية النفط المتوفر عالميا سيكون لها تأثير على الأسعار أيضاً.
النفط في المياه العميقة في البرازيل:
البرازيل أيضا من الدول التي زاد إنتاجها من النفط خلال السنوات القليلة الماضية؛ فبين عامي 2013 و2015 ارتفع الإنتاج البرازيلي من 2.6 إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا. وبحسب إحصاءات أوبك، فقد تم حفر 72 بئرا جديدة للبترول في البرازيل خلال العام الماضي، مقارنة بـ87 بئرا في العام 2014.
كما عززت البرازيل مكانتها في العالم رائدة في تقنيات استخراج البترول من أعماق البحار، وذلك بعد اكتشاف كميات كبيرة من البترول على أعماق تتراوح بين أربعة وثمانية كيلومترات بين طبقات صخرية وملحية.
لكن التوقعات باستمرار "المعجزة النفطية" البرازيلية ليست مشجعة، إذ من أجل الوصول إلى هذه الاحتياطيات النفطية في أعماق المحيط، ينبغي استثمار مبالغ طائلة لا يمكن استرجاعها في ظل أسعار النفط العالمية حالياً. بالإضافة إلى ذلك، فإن شركة النفط البرازيلية شبه الحكومية "بتروبراس" تورطت مؤخراً في عدة فضائح فساد، الأمر الذي اضطرها إلى التراجع عن عدد من استثماراتها.
إبقاء السعودية على معدلات إنتاج دون تغيير:
في العقود الماضية لعبت السعودية دور "المنتج المرجح" Swing Producer في ما يتعلق بأسعار النفط حول العالم، ذلك أنها تمتلك كميات هائلة وغير مستغلة بعدُ من النفط، ناهيك عن عدد كبير من الآبار النفطية التي لم تبلغ طاقتها الإنتاجية القصوى بعدُ. لهذه الأسباب، فإن السعودية قادرة على رفع إنتاجها بسرعة في وقت قصير نسبياً ودون تحمل تكاليف إنتاج كبيرة مما يدفع الأسعار إلى الهبوط، ولكنها أيضا قادرة على كبح إنتاجها النفطي من أجل رفع الأسعار عالمياً، خاصة أنها ثالث أكبر مصدّر للبترول في العالم.
وحتى بالرغم من العجز القياسي في ميزانيتها العام الماضي، الذي بلغ 89.2 مليار يورو، تبدو السعودية مصممة على الإبقاء على إنتاجها منخفضاً، مما يعرضها إلى المزيد من الخسائر. هدف السعوديين من ذلك -على ما يبدو- هو تثبيط التقنيات البديلة لاستخراج النفط، مثل التكسير الهيدروليكي والتنقيب في أعماق البحار، التي تتطلب استثمارات هائلة، وبالتالي إخراجها من دائرة المنافسة.
الخوف من الصين:
يبدو الأمر غريباً أن يتحدث المستثمرون عن أزمة اقتصادية في الصين عند النظر إلى معدلات نمو في الناتج القومي المحلي تبلغ 6%، لكن المراقبين يخشون من أن الأرقام الرسمية تخفي صورة أكثر قتامة للاقتصاد الصيني؛ فانهيار سوق المال الصينية في بداية العالم الحالي أطلق إشارة تحذيرية في أنحاء العالم من أن المعجزة الاقتصادية الصينية ربما وصلت إلى نهايتها.
في السنوات العشر الماضية، ارتفع الاستهلاك الصيني للنفط من سبعة ملايين إلى 11 مليون برميل يوميا؛ وبالتالي فلا عجب في أن مؤشرات أزمة اقتصادية بالصين قد تؤثر على أسعار النفط العالمية.
شتاء معتدل في نصف الكرة الأرضية الشمالي:
طبقا لحسابات هيئة الأرصاد والمحيطات الأميركية، فإن العام 2015 شهد شتاء هو الأكثر دفئا منذ بدء عملية تسجيل الطقس في القرن الـ19. وبسبب ظاهرة "النينو" المناخية، يتوقع أن يشهد العام الحالي درجات حرارة مشابهة للعام الذي سبقه.
الشتاء المعتدل والدافئ نسبياً في شمال الكرة الأرضية أدى إلى تراجع الطلب على وقود التدفئة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، مما أدى إلى هبوط أسعار النفط عالمياً.  
انحسار سيطرة أوبك:
اتفق أعضاء منظمة أوبك الـ14، ومن بينهم السعودية والعراق وإيران ونيجيريا وفنزويلا، على إنتاج مشترك يقدر بـ32.5 مليون برميل يومياً، وبهذا تتحكم المنظمة في ثلث الإنتاج العالمي للنفط، المقدر بـ97 مليون برميل يومياً.
نظرياً، يمكن لأوبك بسهولة أن تقلل الإنتاج لدفع الأسعار إلى الارتفاع، لكن المنظمة لم تنجح حتى اليوم في كبح جماح الإنتاج النفطي تماماً، ذلك أن أعضاءها ما يزالون يحافظون على معدلات الإنتاج مستقرة أو يقومون باستخراج كميات أكبر من البترول. وعلى ما يبدو، فإن منظمة أوبك غير قادرة على منع أسعار النفط من الهبوط.
إزاء هذه المعطيات، ومع فائض في المعروض العالمي يربو 2 مليون برميل يوميا تزداد الضغوط على الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) على عقد اجتماع استثنائي يتمخض عنه خفض سقف الإنتاج ، الذي يزيد حاليا بحوالي 1.5 مليون برميل يوميا عن سقف الإنتاج المستهدف والبالغ 30 مليون برميل يوميا. مع الإقرار بأن سياسة أوبك الجديدة بقيادة المملكة العربية السعودية والتي تخلت بمقتضاها عن لعب ما يعرف في أدبيات الطاقة بالمنتج المرجح مقابل سياسة تقوم على الحفاظ على حصتها في السوق لاسيما السوق الواعدة في آسيا وهي سياسة أخذت تأتي أكلها وتجلى ذلك في استمرار انخفاض عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة الأميركية إلى اقل من 700 منصة مقابل 1650 منصة في شهر تشرين الأول (اكتوبر) العام 2014.
بيد أن هناك مؤشرا مهما من أن أوبك عاقدة العزم على تخفيض الإنتاج لإعادة التوازن في السوق النفطي لا سيما بعد الاجتماع المثمر للمنظمة الذي انعقد في الجزائر يوم 28 أيلول (سبتمبر) الماضي على هامش مؤتمر الطاقة العالمي إذ تم الاتفاق على تخفيض الإنتاج من 33.2 مليون برميل يوميا إلى 32.5 مليون برميل يوميا.
إلا أن التفاصيل تركت للاجتماع العادي للمنظمة المقرر يوم 30/11/2016 في مقرها في العاصمه النمساوية فيينا.
ويرى العديد من المراقبين أن أوبك ستواجه معضلة كبيرة تتمثل في كيفية توزيع حصص (الكوتة) بين أعضائها وكما يقول المثل الإنجليزي فأن الشيطان يكمن في التفاصيلThe Devil Is In The Details ونتيجة لذلك فقد شهدت أسعار النفط تحسنا نسبيا بعد اجتماع الجزائر ليتم تداول سعر خام مزيج برنت المرجعي عند 52 دولارا للبرميل. وبانتظار ما ستؤول إليه مداولات أوبك ستحبس الأسواق أنفاسها تحسبا لنتائج المفاوضات حيث تسربت معلومات تفيد بأن إيران ونيجيريا 
وليبيا بما تعانيه بلدانهم من قلق واضطرابات سياسية سيتم استثناؤها من حصص الإنتاج، الأمر الذي أثار حفيظة العراق (الذي يخوض حرباً ضروسا ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاسترداد مقر "الخلافة" المزعوم في الموصل عاصمة محافظة نينوى) وبالتالي يرى العراق ضرورة أن يعامل أسوة بالدول المذكوره أعلاه، علماً بأن العراق يتحفظ كذلك على الطريقة التي يتم بمقتضاه احتساب الإنتاج لدى سكرتارية المنظمة والتي تعتمد على المصادر الثانوية (الأقل عددا) بدلا من المصادر الرسمية التي تقدمها الدول الأعضاء قد يعيدنا إلى المربع الأول وعند ذاك سيكون لكل حادث حديث.

*اقتصادي عراقي متخصص في شؤون الطاقة.  المقال نشر في صحيفة الغد الاردني

مواضيع ذات صلة