فوضى المبيدات .. مزارعون لا يأكلون من إنتاجهم
يحذر خبراء ومختصون من سوء استخدام المبيدات الزراعية على صحة المواطنين في ظل غياب رقابة ومتابعة حقيقية لما يتم استخدامه في السوق الفلسطينية من هذه المواد الخطيرة، التي قد تكون أحد أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة وعلى رأسها السرطان.
أظهرت دراسة حول إنتاج وتصدير المنتجات العضوية من فلسطين، أعدها أستاذ علم النبات في كلية العلوم بجامعة بيرزيت د. جميل حرب مع مجموعة من المختصين، وشملت 40 مزرعة عادية و3 مزارع عضوية، أن المزارعين الفلسطينيين يستخدمون المبيدات والأسمدة بكميات أكبر بكثير مما هو مسموح به في هذا المجال.
ودعت الدراسة إلى ضرورة مكافحة الآفات الموجودة في الزراعة بعيدا عن المبيدات عبر نظام بيئي متكامل، والمؤسسات لتشديد رقابتها على استخدام هذه المواد.
وحذر حرب من خطر يهدد صحة المواطنين جراء تناول بعض أنواع الخضار والفواكه، خاصة تلك التي تنتج في غير موسمها، ومنها (الخيار، والفاصولياء)، داعيا المواطنين الذين تتوفر لديهم مساحة من الأرض، إلى عمل حدائق منزلية لإنتاج ما يحتاجون إليه من خضار.
سنويا: 82 إصابة بمرض السرطان في الضفة و77 في غزة من بين 100 ألف مواطن
تضاعفت نسبة الإصابة بمرض السرطان بأنواعه المختلفة في فلسطين ما بين عامي 2000 و2014 حسب بيانات وزارة الصحة، حيث ارتفع عدد المصابين بالمرض من 1073 حالة إلى 2294 حالة جديدة، أي بزيادة وصلت إلى 114%، وارتفعت حالات الإصابة بالمرض بين الأطفال من 89 إصابة إلى 141 في الضفة ما بين 2012 و2014.
وقال جواد البيطار من مركز نظم المعلومات في وزارة الصحة لــ"وفا"، في اليوم العالمي لمحاربة السرطان، في كل عام تسجل 82 إصابة بهذا المرض في الضفة و77 في قطاع غزة من بين 100 ألف مواطن.
وأضاف أن 59% من المصابين بالمرض تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 64 عاما، و35% من كبار السن فوق الـ65 عاما، و6% من الأطفال أقل من 15 عاما، .ويأتي مرض السرطان كمسبب ثانٍ للوفاة في فلسطين بعد أمراض القلب.
وطبقا لإحصائية تحويلات النصف الأول من عام 2015، بيّن البيطار أنه تم تحويل 34% من التحويلات لمرضى السرطان، حيث تم تحويل 10420 حالة إلى المستشفيات الأردنية والمصرية، ومستشفى المطلع والمقاصد في القدس، ومختلف المستشفيات الخاصة بالضفة.
وخلال النصف الأول من العام الماضي، بلغت قيمة التحويلات الطبية لمختلف الأمراض أكثر من 245 مليون شيقل، و393 مليون شيقل خلال نفس الفترة من عام 2014، وأن عدد التحويلات خلال النصف الأول من عام 2015 ارتفع إلى 2.3% مقارنة بالنصف الأول من عام 2014.
عدم توافر نظام فحص للمنتجات المحلية
وقال مدير مركز الفحوص في جامعة بيرزيت بلال عموس، "لا يوجد في فلسطين نظام خاص لفحص الخضار والفواكه المنتجة محليا والمسوقة وطنيا، للتأكد من خلوها من المبيدات الزراعية التي قد تسبب أمراضا في حال الإفراط باستخدامها".
وأضاف: أعرف مزارعين يستخدمون كميات كبيرة من المبيدات في فترة القطاف خلافا لتعليمات الأمان، ويقومون بتسويق منتجاتهم في الأسواق بشكل سهل وســــــلس، ولا يوجد أحد يقوم بمتابعتهم أو محاسبتهم.
ودعا عموس إلى جهد متكامل بين وزارات الاختصاص لوضع حد للاستخدام المفرط للمبيدات، وقال: يقع على عاتق وزارة الزراعة دور في إرشاد وترشيد استخدام المبيدات، وعلى عاتق وزارة الصحة فحص الأغذية وضمان خلوها من مسببات الأمراض، عبر فحص عينات عشوائية من مراكز توزيع الخضار بشكل دائم من أجل ردع الجشعين الذين يسعون للربح على حساب الصحة.
ورأى عموس ضرورة العمل على إيجاد بدائل لاستخدام المبيدات الزراعية التي تهدد صحة الإنسان، مشيرا إلى أن فحص بعض المنتجات، أظهر أنها مشبعة بكميات كبيرة من المبيدات الحشرية، وقد قدمنا النتائج للمختصين لوضع حد لذلك، والخطير أن آثار تلك المبيدات قد لا تظهر على المدى القريب على صحة الإنسان.
الصحة: وزارة الزراعة مقصرة في هذا المجال
من جانبه، قال مدير عام صحة البيئة في وزارة الصحة إبراهيم عطية، إن وزارة الزراعة يجب أن تأخذ دورها في الرقابة على ما هو موجود في الأسواق من مبيدات زراعية وما يدخل إلى أسواقنا من الطرف الإسرائيلي.
وأشار إلى أن الصحة تمتلك مختبرا متطورا ومؤهلا لفحص العينات من المنتجات المصنعة والمعبئة، لكن وزارة الزراعة لا تحضر العينات إلا ما ندر، كما يوجد لدى الوزارة مختبر لفحص الهرمونات في الدجاج واللحوم ومتاح للاستخدام أيضا.
ولفت إلى أن بعض الفحوصات المخبرية أثبتت وجود كميات كبيرة من المواد الكيميائية في بعض المواد الزراعية المصنعة، خاصة منتج الزعتر، وهو منتج فلسطيني رائد يصدر للعالم.
وأوضح عطية، أنه يتوجب على وزارة الزراعة توعية المزارع بطرق استخدام هذه المبيدات، ومراقبة أساليب استخدامها ومدى التزامهم بالشروط المطلوبة لاستعمالها.
وقال: إن وزارة الصحة تهتم بالسلامة الغذائية وتعتبرها الجبهة الوقائية لسلامة الغذاء، فالتلوث الكيميائي الناتج عن المبيدات يسبب أمراضا مختلفة، ومنها السرطان، ومريض السرطان يكلف الدولة قرابة مليون دولار للعلاج، لذلك نحن نبحث عن السلامة الغذائية لنجنب شعبنا الإصابة بالأمراض الخطيرة، ونقلل مما تنفقه الدولة في هذا الاطار.
وذكر بأن هناك قرارا من مجلس الوزراء بتشكيل فريق لوضع استراتيجية لسلامة الغذاء، وأكد ان وزارة الصحة ماضية في هذا الاتجاه، وأعرب عن أمله بأن ترى هذه الاستراتيجية النور خلال العام الجاري وهي وطنية وليست خاصة بوزارة معينة.
مبيدات زراعية خطيرة
من جانبه، قال مدير برنامج الدراسات والإعلام البيئي في مركز العمل التنموي "معا" جورج كورزم، إن قائمة المبيدات المسموح استخدامها في السوق الفلسطينية في جزئها الأعظم خطيرة على صحة الإنسان، وتسبب أمراض الأجهزة العصبية والتناسلية وأمراضا خطيرة أخرى.
وأضاف، "لا توجد متابعة علمية ومخبرية للمنتجات الموجودة في الأسواق والمحال التجارية، كما لا يتم فحص عينات يومية من المحاصيل الزراعية الموجودة في الأسواق والتأكد من سلامتها.
وبين أن الفوضى والعشوائية في مجال استخدام المبيدات تتواصل منذ عقدين، رافضا الادعاءات التي تقول إن هذه المبيدات تستخدمها إسرائيل.
وقال: نسمع بين الحين والآخر بأن منظمات دولية معروفة مثل المنظمة الدولية لأبحاث السرطان والصحة العالمية والفاو وغيرها تحظر استخدام بعض هذه المبيدات، التي يقال إنها آمنة ولا تسبب الأمراض، وبالتالي ليس كل ما يباع في السوق الإسرائيلية من مبيدات آمنا".
ودعا كورزم إلى التحرك بشكل جدي وفاعل لوضع حد لفوضى استخدام المبيدات وانتشارها في السوق، لإحداث تغيير جدي في هذا الاتجاه، الذي يتعلق بصحتنا وصحة أطفالنا.
الزراعة: المشكلة بتهريب المبيدات في مناطق (ج)
وقال مدير دائرة الخضار والزهور في الإدارة العامة للإرشاد بوزارة الزراعة محمد اللحام، إن المبيدات المسوح تداولها في فلسطين محدودة، وهي ذات فترة أمان بسيطة، وأي مبيد يجري منعه عالميا يتم منعه أيضا في فلسطين، ولكن المشكلة تكمن في تهريب المبيدات من إسرائيل، خاصة في المناطق المصنفة (ج).
وأضاف: "المبيدات المهربة التي يجري استخدامها قد تهدد صحة الإنسان، لكن الوزارة ضمن إمكانياتها تحاول وضع حد لاستخدام تلك المبيدات، وتسعى لضبط هذه العملية".
وأردف، "وزارة الزراعة تراقب التجار والمستوردين، وكل مبيد موجود في السوق يتم ختمه بختم يوضح أنه يسمح بتداوله في فلسطين".
من جانبه، قال مدير عام الوقاية في وزارة الزراعة بدر حوامدة، "لدينا أنظمة وقوانين، وتوجد تعليمات يتم توزيعها على محال بيع المبيدات الزراعة بما هو مسموح وما هو ممنوع، وفيما يتعلق بالإفراط بالاستخدام فهو مرتبط بالمزارع نفسه".
وأضاف، دوائر الزراعة التابعة للوزارة تقوم بدورها في متابعة ترخيص وإدخال المبيدات، لكن هناك تعليمات موسومة على عبوات المبيدات، تقع على عاتق المزارع مسؤولية متابعتها مع دوائر الإرشاد لفهم تركيب المبيد وفترات الأمان، ليتسنى له استخدامه بشكل جيد، ولا يضر بصحة المواطن.
وأشار إلى وجود مرشدين زراعيين في كل محافظة لهذا الغرض، إلا أن المشكلة تكمن في ضعف تواصل المزارعين مع مديرية الزراعة والبحث عن المعلومة الصحية.
الأغوار من أكثر المناطق استخداما للمبيدات المهربة
وقال الاستاذ المشارك في قسم الانتاج النباتي ووقاية النبات بكلية الزراعة والطب البيطري في جامعة بيرزيت د. مقبل اشتية، إن الأغذية قد تتسبب بأمراض لنا لكن ليس بالصورة المتوقعة، الخطر الأساسي هو باستخدام المبيدات، رغم وجود تشريعات تضبط هذه العملية، إلا أن بعض المزارعين يستخدمونها بشكل مفرط وغير آمن، وبعضها يمنع تداولها في السوق الفلسطينية، لكن يتم إدخالها من المستوطنات، خاصة في منطقة الأغوار، وهي مناطق مصنفة (ج).
وأضاف: مع كل ذلك، المنتجات الزراعية الفلسطينية ليست بتلك الصورة السوداوية، هناك مضار على الصحة جراء الاستخدام الخاطئ للمبيدات، لكن ليس بشكل كبير.
وطالب المواطنين بالشراء من الأماكن الموثوقة وعدم الشراء من أي مكان، خاصة المنتجات الزراعية، داعيا وزارة الزراعة لمزيد من الرقابة على المنتجات بكافة أصنافها.
وتساءل اشتية: لماذا يتم التقيد بالمواصفات العالمية للمنتجات الزراعية عند تصديرها للخارج ولا يجري ذلك عند توريدها للسوق المحلية؟!.
اتحاد المزارعين: سوق المبيدات بحاجة للضبط
بعض المزارعين يخصصون محاصيل معينة لعائلاتهم، لا يرشونها بالمبيدات الحشرية، خاصة تلك "المسرطنة"، حفاظا على صحتهم.
وقال أحدهم -فضل عدم ذكر اسمه- ويعمل في سهل البقيعة بالأغوار الشمالية، إنه يزرع بعض الخضروات ولا يقوم برشها بالمبيدات التي تباع في السوق، خشية على حياة عائلته.
المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين عباس ملحم، أوضح، أن بعض المزارعين يدركون تماما المخاطر الناتجة عن الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، ويجنبون عائلاتهم خطرها من خلال الزراعة العضوية، هؤلاء يجب محاسبتهم.
وقال: من يتهم المزارعين بالإفراط باستخدام هذه المبيدات وتعريض حياة الناس للخطر، عليهم أيضا أن يتحملوا مسؤولياتهم بتثقيف المزارعين حول مخاطر ما يقومون به، لأن كثيرا منهم لا يدرك مدى خطورة ذلك، إلى جانب ضرورة ضبط السوق التي تعج بالمبيدات الخطيرة التي يهربها الاحتلال إلى أسواقنا دون رقابة.
وأشار إلى أن كل ألف مزارع فلسطيني يتوفر لهم مرشد زراعي واحد تقريبا، في المقابل يبلغ المعدل العالمي في هذا المجال مرشد لكل 200 مزارع.
وأضاف، إن 50% من الأدوية التي يجري استهلاكها في فلسطين يقابلها نفس الكمية التي يجري تهريبها من إسرائيل ومستوطناتها تضاف للمزروعات وتهدد حياة الانسان وتدمر التربة والبيئة الفلسطينية، لذلك على الجهات الرقابية القيام بدورها في هذا المجال، فلا يقع على عاتق المزارع ضبط السوق أيضا.
وشدد على أن غياب الإرشاد اللازم للمزارع حول أسلوب وطريقة التعامل مع المبيدات وتقليدية وبساطة التعامل معها هما منبع الخطورة، فالمزارع يسعى لعلاج الامراض باستخدام مبيدات وصفها له زميله المزارع دون قراءة الارشادات أو الرجوع لمرشد زراعي في هذا المجال، وأغلب المزارعين لا يعلم مضار تلك المبيدات.
ولفت ملحم إلى أن دراسة أعدها اتحاد المزارعين، أظهرت أن التربة ملوثة بالكيماويات، وأنه في حال الرغبة بالتحول للزراعة العضوية يجب ترك الترب 3 أعوام على الأقل للتخلص من هذه الملوثات، متسائلا: كيف سيكون حال التربة في العقد المقبل في حال تواصل استخدام تلك المبيدات؟.
ورأى أن الحل يكمن أولا في ضبط سوق الكيماويات ومنع التهريب، ثم إرشاد المزارعين وتوعيتهم حول كيفية استخدام المبيدات بشكل آمن، فلا يمكن تحميل المزارع مسؤولية تهريب الكيماويات وسوء استخدامها.
وأشار إلى أن المزارعين يتعرضون أحيانا لعملية تضليل، حيث يقوم أصحاب النفوس المريضة بتسوق مبيدات مهربة من إسرائيل بعد وضع ملصق جديد للتعليمات عليها، كبيع أدوية مخصصة للنخيل على أنها مبيدات حشرية تستخدم لرش البندورة مثلا، ما يسبب أضرارا كبيرة.
وشدد ملحم على أهمية العودة للزراعة العضوية، التي كان الفلسطينيون روّادا فيها على مستوى المنطقة قبل عقدين ونصف، وكان حجم الانتاج الزراعي أكبر مما ينتج اليوم، في المقابل لم تخلق لنا الزراعات المطورة سوى الكثير من المشاكل والأمراض.
وأشار إلى أن هناك العديد من الممارسات الخاطئة للمزارعين تزيد من اعتمادهم على المبيدات الزراعية، كالري الزائد، الذي يتسبب بتعفن الجذور، ويزيد الحاجة لاستخدام الكيماويات، وهذا يقودنا لأهمية الارشاد الزراعي.
وفا