ارتفاع الفوائد يحد من مشاركة المشاريع الصغيرة في التنمية
القروض، مفتاح الهناء أو الشقاء، البعض يبدأ مسيرة نجاح بقرض، وآخرون يجدون انفسهم في نار الاقتراض منهمكين في سد الفوائد المفروضة عليهم
ساري جرادات- بوابة اقتصاد فلسطين
بلغت قيمة القروض حلال الربع الثاني من العام الحالي 6.4 مليارات دولار بارتفاع بلغت نسبته 18% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، كما أن 70 – 75% من موظفي القطاع العام، إما حاصلين على قروض أو كفلاء، وهذا ما يعتبره خبراء اقتصاديون يحد من المحفظة الاستهلاكية لموظفي القطاع العام والخاص، حسب ما أفاد علي فرعون، مدير دائرة علاقات الجمهور وانضباط السوق في "سلطة النقد الفلسطينية"، خلال حديثه في برنامج "ملح زيادة" عبر اذاعة طريق المحبة.
*تجارب مقترضين
الشاب (ث . ح)، 37 عاما أب لستة أطفال، من مدينة الخليل قرر اقتراض مبلغ 5 آلاف دولار من إحدى مؤسسات الإقراض في محافظته، لسداد ديون متراكمة عليه، وشراء ماكينة خياطة لزوجته لزيادة دخلهم الاقتصادي، إلا أنه هدر أموال القرض بشراء هاتف نقال حديث وبعض الملابس، ليجد نفسه في مأزق بعد 7 شهور، حيث قدمت الجهات المختصة في مؤسسة الإقراض أوراقه للقضاء لتعثره في السداد، فاضطر هو للهرب إلى الأراضي المحتلة عام 1948 والعمل بدون تصريح ليصلح ما أفسده سوء تعامله مع أموال القرض.
بينما الشاب احمد نافز 27 عاما من مدينة الخليل استطاع بعد حصوله على قرض من تطوير مغسلة السيارات التي كان يديرها، فاشترى المعدات التي من شأنها دفع عجلة تطوره للأمام، وأصبحت مغسلته تجلب له مزيدا من الدخل، وزاد عدد موظفيها، وكان قد قرر أن يقسم مقدار كل دفعة شهرية مستحقة على عدد الأيام ويضع كل يوم قيمتها في صندوق خاص لجمعها قبل الموعد.
*دور القروض في التنمية
تكمن أهمية المشروعات الصغيرة في تلبية رغبات الأفراد والرياديين في الاستقلالية وتحقيق طموحاتهم ورفع مستوى المعيشة، بما يساهم في معالجة واحدة من أهم المشكلات الاجتماعية : البطالة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، نصر عبد الكريم لبوابة اقتصاد فلسطين أن القروض دفعت بعجلة الاقتصاد الفلسطيني للامام، لتوفيرها السيولة، واستطاعت تحقيق وظيفة التوسط المالي واستخدامها في المصادر المختلفة للإنتاج، مؤكدا أنها تركت استدامة وأثرا ايجابيا بالاقتصاد كونها خدمت فكرة الانتاج".
وأشار. عبد الكريم الى أن معظم قروض المؤسسات حسب البيانات المتاحة تقع في قطاع زراعي وصناعي وخدماتي مرتبط بالعائلة والاسرة، ومعظمها متركز في الأرياف، ما يخدم الأسر الفقيرة ويدفعها للوصول لحالة من الاكتفاء، ويساعد في حالة التوازن في عملية التنمية.
وتشير منظمة العمل الدولية (2012) إلى أن 45 % من هذه المنشآت تقع في القطاع غير المنظَّم، وتوظف حوالي 28 % من إجمالي قوة العمل في القطاع الخاص، وتضيف للناتج المحلي حوالي % 8 . وفي هذا الاطار، طالب الباحثان غازي الصوراني وعبد الفتاح أحمد نصر الله في دراسة بعنوان "المشروعات الصغيرة في فلسطين: واقع ورؤية نقدية" الى ضرورة إنشاء صندوق تمويل مؤسسات ضمان الائتمان للمشروعات الصغيرة والحاضنات وإنشاء شركات للتصدير.
واعتبر الباحثان أن الاغلاقات والمعابر التي تفرضها سلطات الاحتلال، وارتفاع أسعار النقل وتحويل العملات من أهم العوامل المؤثرة على المنشات الصغيرة في فلسطين، كما أن قانون تشجيع الاستثمار الفلسطيني بحاجة لبنود إضافية بما يخص المشروعات الاقتصادية الصغيرة.
*معيقا الفائدة وفترة السداد
من جانبه قال مدير منطقة الجنوب في المؤسسة الفلسطينية للاقراض والتنمية "فاتن" منير علقم لمراسلنا "ان تحقيق التوازن للمقترضين والحفاظ على استدامة المؤسسات يتم من خلال خفض أسعار الفائدة، وان المشاريع الاقتصادية في فلسطين نجحت بفعل سهولة شروط الإقراض وملائمته للأوضاع الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني".
وأضاف "نحن نحصل على قروض كبيرة من المؤسسات الدولية والبنوك لتمكين العائلات الفلسطينية من الاستفادة من برامجنا وتحسين مستوى دخلها، وسعر الفائدة يستخدم لتغطية موظفي ومكاتب ومصرفات مؤسسات الاقراض المنتشرة، ووصلت عدد قروض مؤسستنا الى 34 ألف قرض في الضفة وغزة خلال العام الجاري".
بينما رأى استاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، نائل موسى، أن قروض المشاريع الصغيرة لا تكفي لسد حاجة المشروعات كما أن فترة سدادها تبدأ مبكرا "لا يأخد المشروع حقه في العملية الإنتاجية، كون بعض المشاريع تحتاج لوقت مثل بناء بيت بلاستيكي، وهنا يقع المزارع في وحل أزمة السداد التي تداهمه منذ الشهر الأول لحصوله على القرض، حيث يتوجب على مؤسسات الإقراض ان تكون فترة السماح كبيرة لتمكين المشروعات الصغيرة من الوصول لمرحلة الانتاج، ويتوجب عليها فرز اداريين واقتصاديين لدراسة السوق ومتابعة المشروع وتوجبه القائمين عليه للوصول لمرحلة التمويل والتشغيل والمشاركة، كون هده المشاريع غير قادرة على ملائمة البيئة السياسية المضطربة".
ونوه موسى الى أن معدلات الفائدة عالية مقارنة بالبنوك وقال "تتذرع مؤسسات الإقراض برواتب موظفيها وأجور مكاتبها، فالبنوك كذلك لديها هذه الالتزامات وتمنح قروض عالية ولا تفرض فوائد كبيرة على المقترضين، وان 93% من مشات الاقتصاد الفلسطيني صغيرة بمعنى أنها توظف أو تشغل اقل من خمسة عمال فيها".
وأكد المستشار القانوني أسامة المطور أن هناك معوقات تنظيمية وتشريعية كالتعقيد في إجراءات إنشاء المشروعات الصغيرة، وصعوبة الحصول على التراخيص الرسمية لها، كما تتعدد الجهات التفتيشية والرقابية عليها (الاقتصادية، الصحية، الضمان الاجتماعي، الدوائر الضريبية والجمركية، دوائر المواصفات والمقاييس وغير ذلك(
ويعتقد المطور انه لا بد لها من العمل ضمن إطار تشريعي يحميها ووفق آلية تنفيذية تدعمها، بمعنى أنها بحاجة من أصحاب القرار في المجال التشريعي لتبني إستراتيجية خاصة تعمل على تنمية هذه المشروعات ورعايتها، سواء من جهة الخدمات الفنية والإدارية والتسويقية التي تحتاجها.