الرئيسية » ثقافة »
 
21 أيار 2015

حِجلُ الطيور... جواز سفر فلسطيني يخترق كل الحدود

\

 

بوابة اقتصاد فلسطين | ساقه الوردية الناعمة ذات الأصابع الأربع، تحمل جواز سفر فلسطيني صغير، يعبر به القارات، يخترق الحواجز وينتقل من مدينة لأخرى، ليكون خير ممثل لحرية الشعب الفلسطيني، وأحقيته في أرضه كواحدة من أكثر البقع تنوعاً حيوياً على وجه المعمورة.

تلك العملية التي تحيط رجل الطير بحلقة صغيرة وتحمِّله رمزاً فلسطينياً ليثبت به أمام العالم أنه مرَّ على هذه الأرض خلال هجرته الطويلة، تسمى "تحجيل الطيور"، حيث يقوم فريق مختص بصيد الطيور المهاجرة بشباك خاصة تنصب لها قبل بزوغ الفجر، وعندما تمسك يعطى كلاً منها رقماً تسلسلياً محفوراً على حلقات معدنية تحمل اسم فلسطين، ثم تؤخذ له قياسات علمية مختلفة مثل طول الجناح والوزن ونسبة الدهون في الجسم قبل إطلاق سراحه، وبالتالي حين يقع هذا الطير في أي محطة تحجيل بالعالم يتم تبادل المعلومات والأبحاث حوله بين الفلسطينيين والدولة التي استضافته.

يشير المدير التنفيذي لمركز التعليم البيئي سيمون عوض، إلى الأهداف المنشودة جرّاء عملية تحجيل الطيور، متمثلة في رفع مستوى الوعي المجتمعي لأهمية فلسطين وتنوعها الحيوي، وتشجيع البحث العلمي في الساحة الخضراء، كما أنه تطرق لذكر أبعادها التربوية العظيمة، حيث يأتي طلاب المدارس والجامعات من كل مكان لمشاهدة هذه العملية وفهمها بشكل صحيح وهذا يخلق لديهم حافزاً قوياً لوقف الصيد الجائر للطيور وبدء التعاون مع البيئة من حولهم. 

يتابع عوض: "التشبيك يعتبر الفائدة الأكبر التي تعود علينا كفلسطينيين، فدخول مركز التعليم البيئي كأول شريك عربي في منظمة الطيور الأوروبية SEEN، وكون فلسطين هي أول دولة عربية بدأت في عملية التحجيل في عام 2000 هذا يفسح لها المجال أمام دخولها الشبكة العالمية الواسعة لتبادل المعلومات والخبرات عن جميع أنواع الطيور في العالم".

وفي حديثه عن أثر التحجيل على السياحة البيئية يقول: "طائر لا يتجاوز وزنه 10 غرامات فتح لنا آفاق سياحية جديدة، وساهم في توقيع اتفاقية تعاون فلسطيني بولندي لمدة 15 عاما". 

وفي هذا الصدد يدشن مركز التعليم البيئي التابع للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم بالتعاون مع سلطة جودة البيئة، وشبكة الطيور الأوروبية SEEN، أسبوعا لمراقبة الطيور وتحجيلها من كل عام، بحضور باحثين ومهتمين بالبيئة وإعلاميين وطلبة مدارس وجامعات والعديد من الوفود الأجنبية، ويتضمن الأسبوع ورش عمل وجولات تعريفية بجميع أنواع الطيور وبأساليب دراستها.

تحديات وصعوبات 
معيقات كثيرة تواجه الطاقم المختص بالتحجيل، بداية من الاحتلال الإسرائيلي فهي تتمثل في مسائلة أي شخص لمجرد حمله المنظار أو الكاميرا ووضعه في دوامة تحقيقات بلا نهاية، ما يجعل المختصين والباحثين يترددون كثيراً قبل القيام بهذه العملية.

كما أن تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة لأراض (أ) و(ب) و(ج) حسب اتفاقية "أوسلو" يترتب عليه صعوبة الوصول للكثير من المناطق التي تزخر بالثروة الطيرية، نظراً لانتشار المستوطنات والنقاط العسكرية والحواجز، إضافة إلى منعهم التام من دخول أراض عام 1948.

ولا تقتصر المعيقات على الاحتلال وإنما تتعداها لممارسات مجحفة لبعض المواطنين بحق أرضهم وطيورها، فعملية الصيد العشوائية والجائرة وقطع الأشجار كلها مسببات لتراجع نسبة الطيور المهاجرة و المقيمة في بلادنا والمعروفة بأنها ثاني أكبر دول العالم من حيث أعداد الطيور التي تمر فوقها، فتشير الإحصائيات أنها تقدر بـ 500 مليون طائر سنوياً موزعة على 530 نوع .

التحجيل والقانون

من جهته يبين المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة مراد المدني، أن فلسطين تلتزم بالمعايير المعتمدة لدى المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة بالتحجيل، لأن الدستور الفلسطيني يقتصر على قانون الصيد والأنظمة الملحقة به ولا يتطرق للتحجيل مع الفارق الكبير بينهما، حيث أن الثاني ذات دواع علمية ودراسية تهدف إلى التوثيق الرسمي وليس لاحتجاز الطائر فقط لذلك فهو يحتاج إلى تشريعات خاصة به.

ويضيف المدني: "من ناحية إدارية لا يجوز التحجيل إلا من مؤسسات معترف بها وبقدرتها العلمية والفنية لممارسة هذه المهمة، حيث تعطى رخصة قانونية تخولها لذلك".

رسالة إعلامية
ويركزعلاء كنعان من دائرة العلاقات العامة والإعلام في سلطة جودة البيئة على الرسالة الإعلامية التي تحملها عملية التحجيل للمجتمع، حيث يعتبرها ذات مغزىً حضاري وتربوي، فهي تدعو الجمهور إلى حماية إرثنا الوطني من الطيور، من خلال تعريفهم بأهمية هذه العملية على المستويين المحلي والعالمي في وسائل الإعلام، وبالتالي تخلق لديهم دافعاً لإصباغ الهوية الفلسطينية على الطير ثم إطلاق سراحه بالهواء من جديد.

كما يعدَّ كنعان مشاركتنا في تحجيل الطيور إثراءً للعلاقات الدولية الفلسطينية مع البلدان التي يتم تبادل التجارب والخبرات معها، فهي تسهم في التطوير والمناداة لحماية البيئة الفلسطينية من الاستهداف الإسرائيلي الممنهج ضدها. 
غياب الإعلام البيئي
من الملاحظ ضعف اهتمام الإعلام الفلسطيني بالبيئة بشكل كبير، حيث تشير بعض الإحصائيات التي أجريت عام 2008 أن الإعلام البيئي يأخذ مساحة لا تتجاوز 1% من الصحف الفلسطينية.

كما أن الناظر لحال الكليات الإعلامية في جامعاتنا الفلسطينية يجدها بعيدة كل البعد عن ربط الإعلام بالبيئة، أو تخصيص مساحات للقضايا البيئية المحيطة.
وفي هذا السياق ترجع طالبة الصحافة شذى غضية غياب مساقات الإعلام البيئي في جامعاتنا إلى ضعف اهتمام الشارع الفلسطيني بالبيئة بشكل عام، وقلة الخبراء في المجال، وقضيتنا الشائكة التي احتلت جلَ المواد الإعلامية، بالتالي فقر التوجه إلى الأمور التي تعتبر ثانوية للبعض وأساسية لذوي التخصص.

وتضيف غضية: "يمكننا فتح مساحة خضراء في الساحة الإعلامية الجديدة من خلال تسليط الضوء على المناطق الجغرافية المهمشة والمهمة في الوقت ذاته، التي يمكن أن تعتبر نقطة حساسة للرفع من القيمة السياحية للبلد، من خلال نقل الصورة الجميلة والمزهرة عنها، كما يمكنننا عقد مؤتمرات صحافية تخص البيئة واستدعاء ذوي الخبرة والتخصص في هذا المجال، لإثراء النقاشات أكثر".

تقرير: ربا عبد الحق/الرواد للصحافة والاعلام

مواضيع ذات صلة