التجارة الإسرائيلية أمام فرص جديدة بعد افتراق بريطانيا عن أوروبّا
رغم الهبوط الحادّ في بورصة تل أبيب اليوم؛ إلّا أنّ التفاؤل ما زال يسود أوساط الخبراء والمسؤولين الاقتصاديين في إسرائيل. يمكن القول إن ثمّة إجماعاً في إسرائيل على محدوديّة أثر "البريكسيت" على الاقتصاد الإسرائيلي برمّته، وأنّ قطاع الصادرات تحديداً، على عكس التوقّعات بتأثّره بعد هبوط الجنيه الإسترليني، من الممكن أن يحقّق مكاسب مهمّة على المستوى البعيد، إذ ستعزّز الوضعيّة الناشئة، عقب انسحاب بريطانيا، قدراته التنافسيّة في السوق الأوروبي.
ترجمة مالك سمارة- عن غلوبس، ذا ماركر، كالكاليست
الخسائر التي سيتكبّدها المصنّعون الإسرائيليون خلال الأسابيع المقبلة باتت أمراً محتّماً، لكنّها ستظلّ محدودة الأثر على الاقتصاد الإسرائيلي، ومحصورةً، زمنيّاً، في المدى القريب فحسب. ذلك ما يؤكّده رئيس رابطة المصنّعين الإسرائيليين، سرجا بروش، حينما يقول: "من المؤكّد أنّ كلّ من يتلقّى إيصالات ماليّة بالجنيه الإسترلينيي (أي المصدّرين)لن يحصد أرباحاً طائلة على المدى القريب (وهذا ما ينطبق على إسرائيل)، لكن على المدى المتوسّط والبعيد؛ علينا أن نتذكّر أنّ بريطانيا تعدّ أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل، إذ تشكّل الصادرات الإسرائيلية لها حوالى 15% من مجمل صادرات الدولة إلى أوروبا."
ووفقاً لمعطيات دائرة التصدير؛ فقد ارتفعت الصادرات الإسرائيلية لبريطانيا بنسبة 2% عام 2015، لتصل إلى 3.7 مليار دولار باستثناء الألماس، بينما بلغت قيمة الصادرات مع الألماس 4.7 مليار دولار.
وفي هذا السياق، يقول رئيس دائرة التصدير في إسرائيل، رمزي جباي، "إن الصادرات الإسرائيلية لبريطانيا تتألف بالأساس من المنتجات الصلبة، مثل القطع الإلكترونية ومستحضرات الأدوية. الصادرات التي يمكن أن تواجه بعض التقلّبات هي المنتجات الزراعيّة، لكنها تظلّ هامشيّة بالنسبة للصادرات الأخرى."
ويضيف جباي: "أعتقد أنّه ليس لدينا ما يدعو للقلق من نتائج الاستفتاء البريطاني، لكن علينا أن ننتظر ونراقب كيف تتطوّر الأمور، وخصوصاً الدعوات التي بدأت تلوح في الدول الأخرى لعقد استفتاءات مماثلة، وفي سبيل منع ذلك؛ يمكن الافتراض أنّ السوق الأوروبية ستصعّب الأمور على بريطانيا، وكلّما تصلّبت في موقفها أكثر؛ سيصبح بإمكاننا استغلال هذا الوضع لصالحنا من خلال تعزيز التجارة مع بريطانيا، وبذلك ستتوفّر أمامنا خيارات أفضل."
من جانبه، يبيّن كبير الخبراء الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية، يوئال نواه، أنّ تأثير "البريكسيت" على الصادرات الإسرائيلية لن يتجاوز 0.1%، مضيفاً، خلال استقصاء له لتبعات الانسحاب، أنّ تأثيره سيكون مشابهاً لتأثير "أزمة منطقة اليورو" عام 2012، حينما سجّلت مؤشّرات سوق المال الإسرائيلية هبوطاً متوسّطاً بنسبة 6.5%.
غير أن إحدى الأمور التي من الممكن أن تشكّل، ظاهريّاً، تحّدياً للتجارة الإسرائيلية؛ هي التوقّعات يتراجع نسبة النموّ في بريطانيا وأوروبا، ما يعني أنّ الطّلب على المنتجات الإسرائيلية في أوروبّا، إحدى جهات التصدير المركزيّة بالنسبة لإسرائيل، سيتراجع نسبيّاً في الآونة المقبلة. أضف إلى ذلك أنّ انخفاض سعر الجنيه الإسترليني سيجعل الصّادرات البريطانية مرغوبةً أكثر في أوروبّا، بسبب انخفاض تسعيرتها، الأمر الذي سيجعلها منافساً قويّاً في وجه الصادرات الإسرائيلية.
لكنّ كبير الخبراء الاقتصاديين يقلّل من شأن تلك التّحدّيات، بل على العكس؛ يتوقّع يوئال نواه أن توفّر تلك الظّروف إمكانيّة أكبر لمنافسة السلع الإسرائيلية في السوق الأوروبية، لا سيّما السلع ذات القيمة الإنتاجيّة العالية، كالأدوية والمواكن والقطع الإلكترونيّة، وهي سلع تحظى فيها إسرائيل بأفضليّة نسبيّة على مستوى العالم، كما أنّها تعدّ بمثابة أدوات خامّ مهمّة في الصّناعات البريطانيّة المصدَّرة لأوروبا.
وفق هذا السيناريو؛ تتوقّع وزارة المالية الإسرائيلية أن يرتفع الطّلب البريطاني على السّلع الإسرائيلية، التي من الممكن أن توفّر بديلاً مهمّاً عن ول أوروبّافي قطاعات عدّة، مثل قطاع الأدوية في المملكة المتّحدة، والذي تمدّه إسرائيل ب 40% من مجمل صادراتها في هذا القطاع.
في المحصّلة، يمكن القول إن هذه الظروف الناشئة بقدر ما تخلق تحدّيات وعقبات جديدة، فإنّها، في المقابل، ستوفّر فرصاً كبيرة أمامإسرائيل. لا تزال ثمّة مفاوضات طويلة مع بريطانيا، وخلالها يمكن أن تلعب إسرائيل أوراقاً كثيرة للحفاظ على مصالحها، سواء مع المملكة المتحدة أو أوروبّا، ولعلّ إحدى الأمور يقترحها كبير الخبراء الاقتصاديين، في هذا الصدد، هو إعطاء بريطانيا امتيازات تجاريّة شبيهة بالامتيازات المعطاة لكندا على سبيل المثال.
خلاصة القول، تبعاً لما سبق، إن ثمّة فرصة سانحة أمام إسرائيل لتحقيق مكاسب مزدوجة، فحالة "العزلة" التي يستشرفها المراقبون بين بريطانيا وأوروبّا؛ من الممكن أن تفتح الباب أمام إسرائيل لتقديم نفسها كبديل لكلا الطّرفين، بمعنى: أن تقدّم إسرائيل صناعاتها المتقدّمة لبريطانيا كبديل عن الصناعات الأوروبية، وأن تعرض الصّناعات ذاتها أمام أوروبّا كبديل عن بريطانيا، مستغلّةً جودة سلعها وأفضليّتها النّسبية، ولعلّ هذا ما يقصده كبير الخبراء الاقتصاديين حينما يتحدّث عن "زيادة المنافسة في السوق الأوروبيّة".