برامج ترقيعية لحل مشكلة البطالة بغزة
في آخر مساعيها للمساهمة في التخفيف من مشكلة المتخرجين العاطلين عن العمل، أعلنت الحكومة في غزة قبل أسابيع عدة عن برنامج التشغيل المؤقت للمتخرجين وهو برنامج "ترقيعي" في ظل ارتفاع البطالة
كان التعب والإرهاق يرسم لوحة كئيبة على ملامحه، يفترش أرض ساحة الجندي المجهول حاملاً بيديه يافطة كتب عليها: «أنا خريج بدي شغل، أنا مضرب عن الطعام».
يقول الشاب سعيد لولو: «نزولي اليوم، وإضرابي ليسا لمصلحتي الخاصة فقط، إنما أسعى لتحقيق المطلب العادل لآلاف الشباب، ممّن يتخرجون سنوياً من الجامعات، ولا يجدون فرص عمل لتعيلهم وأسرهم». يعتبر اللولو نفسه صوتاً للمتخرجين والعاطلين عن العمل، وأن اعتصامه دعوة مفتوحة لكل الشباب الغزي الذي يتشارك معه الهموم والمصير المأساوي.
بدأ سعيد اللولو إضرابه عن الطعام يوم الأربعاء الماضي. تخرّج اللولو (29 عاماً) من قسم الإعلام بجامعة الأزهر في العام 2007. تسع سنوات قضاها سعيد في أرجاء وزارات ومؤسسات غزة باحثاً عن وظيفة لكنّ كل محاولاته باءت بالفشل، حاله كحال آلاف المتخرجين من شباب غزة. وهذا ما دفع به إلى الاعتصام وسط ساحة الجندي المجهول. يقول: "منذ سنوات وأنا أتقدم لوزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. اضطررت للعمل في مهن ومجالات مختلفة، آخرها كان العمل في مطعم فلافل. توقفت عن العمل قبل أشهرٍ عديدة ومن وقتها لم أجد عملاً أعيل به أسرتي".
يشير الشاب إلى أنّ المشاركة في أول يومين كانت ضعيفة، وتقتصر على شباب عدة من الأصدقاء والمعارف، لكن ومع انتشار الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت أعداد المشاركين بالازدياد.
كان اللولو ومن معه قد تعرضوا لمضايقات الأجهزة الأمنية. يقول: «في اليوم الثالث للاعتصام قامت الشرطة باعتقالنا وحاولت إجبارنا على التوقيع على تعهد بعدم العودة لساحة الجندي المجهول، لكننا رفضنا الانصياع لهذا الأمر، وبعد نصف ساعة من الاعتقال أطلقوا سراحنا، وعدنا إلى الساحة لاستكمال الاعتصام». يضيف: «نزلنا لنطالب بحقوقنا المشروعة، نطالب بحياة كريمة، معيشة كريمة لنا ولأسرنا، إحنا شباب بدنا نشتغل، إحنا بدنا فرصة عمل».
مشهد مأساوي مماثل
الشاب أحمد أبو صهيبان (21 عاماً)، هو واحد من الشباب الذين شاركوا في الاعتصام، حين قرأ عنه على الصفحة الشخصية لسعيد اللولو على "فايسبوك"، فقرر النزول في ثاني أيام الاعتصام للمشاركة.
يعتبر أبو صهيبان أن قضية اللولو، ليست قضية فردية، وليس قضية المتخرجين فقط، إنها قضية كل أبناء القطاع. يقول: «نزلت للمشاركة على الرغم من أنّني لست متخرجاً، ولكنني متأكد أن وضعي سيكون بعد التخرج مشابه لسعيد، وهو نفسه وضع عشرات آلاف الشباب في غزة». يضيف: «الاحتلال الإسرائيلي والحصار الذي يفرضه على غزة من عشر سنوات، هو السبب الرئيس لهذا الوضع الاقتصادي السيّئ، الذي أضر بكل أطياف المجتمع الفلسطيني، وعلى رأسهم الشباب المتخرجين. لكنّ ذلك لا يعفي السلطة الفلسطينية في رام الله والحكومة في غزة من مسؤوليتهما الوطنية والإنسانية، فهما متورطان بشكل أو بآخر بما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في القطاع».
مستقبل الآلاف المجهول
يتخرج سنوياً آلاف الشباب من جامعات القطاع، ليبدأوا بعد التخرج رحلة مضنية في البحث عن وظيفة توفر لهم معيشة كريمة. ومن الجدير بالذكر أنّه، وحسب تقرير سابق للبنك الدولي، فإن نسبة البطالة في صفوف الشباب في قطاع غزة ارتفعت إلى ما يزيد عن 60 في المئة. تعد هذه الأرقام كارثية على جميع المستويات، وتعكس صورة حقيقية عن الوضع الاقتصادي والمعيشي للقطاع بعد عشر سنوات من حصار إسرائيلي وعربي على القطاع، وبعد أن وصلت سياسة الإقصاء التي تتبعها السلطة الفلسطينية تجاه قطاع غزة إلى ذروتها، بالإضافة إلى فشل الحكومة في غزة خلال السنوات الماضية في خلق حلول قادرة على المساهمة في الحد من سوء المعيشة.
في آخر مساعيها للمساهمة في التخفيف من مشكلة المتخرجين العاطلين عن العمل، أعلنت الحكومة في غزة قبل أسابيع عدة عن برنامج التشغيل المؤقت للمتخرجين، حيث قالت إنّ هذا البرنامج سيستهدف فقط 2500 متخرج، وسيقدم 500 فرصة عملٍ على شكلٍ عقود لمدة عام كامل، و2000 فرصة بشكل دوري (بواقع 500 فرصة عمل كل 3 شهور)، في حين بلغ عدد المتقدمين للاستفادة من البرنامج من المتخرجين حوالي 41 ألف شخص. ما يعني أن هذه البرامج والحلول ما هي إلا حلول قاصرة وترقيعية، ولن تعمل على إيجاد حل حقيقي لمشكلة المتخرجين. إنَّ ما يعيشهُ القطاع اليوم من ظروف وآثار إنما هو نتيجة حتمية للعواملِ المذكورةِ سابقًا، والتي لا تزيد حياةِ المواطن الغزّي إلا كمداً فوق كمد، يوماً بعد يوم.
(السفير اللبناني)