إسرائيل تُحكم دائرة الفقر حول فلسطينيي الداخل
تستخدم إسرائيل وسائل شتى لإحكام الحصار الاقتصادي على فلسطينيي الداخل، من مصادرة الأراضي إلى حجب المعرفة والتكنولوجيا عن البلدات العربية إلى منع توظيف العرب وقصر عملهم على الحرف والخدمات.
ما زالت إسرائيل تلتزم سياسة إفقار فلسطينيي الداخل وتكريس تبعيتهم الاقتصادية بغية التحكم بهم والحيلولة دون استقلالهم سياسيا.
ويرى خبراء اقتصاد عرب ويهود أن هذه السياسة الإسرائيلية تتجلى في ارتفاع نسبة البطالة التي تبلغ في بعض البلدات العربية نحو 25%، كما تتجلى في بلوغ نسبة العائلات العربية التي تعيش تحت خطالفقر نحو 54%.
في حديث للجزيرة نت ينوه الخبير الاقتصادي سامي ميعاري إلى أن معدل دخل الفرد العربي في إسرائيل يعادل نحو 60% من دخل اليهودي. ويعمل معظم فلسطينيي الداخل (17% من سكان إسرائيل) بحرف تقليدية كالبناء، والخدمات.
الفقر عربي
ويشدد ميعاري على أن ارتفاع نسبة الفقر لدى فلسطينيي الداخل هو نتيجة توجيه رسمي، وليس نتيجة التوجهات الاقتصادية الليبرالية ونظام السوق الحر، حسب مزاعم إسرائيلية.
ويشير إلى منع إسرائيل سريان المعرفة والتكنولوجيا من المدن اليهودية للأرياف العربية وإلى استنكافها عن بناء مناطق صناعية فيها.
ويعود ميعاري عدة عقود للوراء، ويوضح أن إسرائيل صادرت أراضي عربية واسعة لتأمين موارد عمل للمهاجرين اليهود الأوائل، ما أدى إلى تأزم الاقتصاد العربي.
ويدلل على خطورة المساس بمورد الأرض بالإشارة إلى أن 35% من فلسطينيي الداخل ظلوا يعتمدون على الزراعة في معيشتهم حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي، أما اليوم فتقلصت نسبتهم إلى 2%.
وحسب دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، يمتلك فلسطينيو الداخل اليوم نحو 650 ألف دونم تعادل 3.5% من الأراضي في إسرائيل، كما يملكون في النقب مساحة مشابهة لكنها غير مسجلة بالطابو (وهو مستند تسجيل الأراضي).
الأرض والزيتون
وقد صادرت إسرائيل منذ عام 1948 نحو 150 ألف دونم من فلسطينيي الداخل، إضافة إلى 600 ألف دونم صادرتها منهم في النقب بعدما كانوا يفلحونها ويقيمون عليها منذ قرون.
ويمثل ذلك امتدادا لأراضي اللاجئين والمهجرين التي صادرتها إسرائيل بقوة قانون "أملاك الغائبين" لعام 1950 وقانون استملاك الأراضي لعام 1953.
ويرى حنا سويد العضو السابق في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ومدير مركز التخطيط البديل أن الخسارة الحقيقية الناجمة عن مصادرة الأراضي العربية لا تكمن بفقدان المورد الزراعي، إنما بخسارة مساحات غالية الثمن معدة للبناء والتطوير.
ويتفق سويد مع القول بأن إسرائيل ما زالت تعمل عامة على تهميش اقتصاد فلسطينيي الداخل، وتكريس عملهم بالخدمات بالأساس وحرمانهم من تطوير مصادر إنتاج لإبقائهم تابعين سياسيا.
ويرى أن هناك إمكانيات للإفلات من السيطرة الاقتصادية الإسرائيلية من خلال تطوير وسائل الإنتاج واختراق الشركات الإسرائيلية الكبيرة وتوحيد شركات عربية لبناء قوة اقتصادية موحدة. كما يدعو سويد إلى وضع استراتيجية تلتفت لحيوية التوعية والتثقيف على الصمود والتمكين الاقتصادي.
وفي مجال الأرض الزراعية يقترح الاستثمار بما هو موجود قبل البحث عن مرافق زراعية حديثة، كتطوير عمليات تسويق وتصدير زيت الزيتون للعالم.
ويرى سويد إمكانية اللجوء للاستثمارات الأجنبية داخل أراضي 48 حيث تتوفر أيد عاملة وخبرات وفيرة. وهذا ما تؤكده دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل التي تشير إلى أن نسبة البطالة لدى الأكاديميين العرب تبلغ اليوم نحو 25%.
بطالة الأكاديميين
ويرى الباحث مهند مصطفى في حديث للجزيرة نت أن ارتفاع بطالة الأكاديميين التي تضعف الاقتصاد العربي، سببه إغلاق المؤسسات الرسمية والمرافق الاقتصادية الإسرائيلية أمامهم.
ويحذر من الاكتفاء بالاحتجاج والضغط على إسرائيل لتقليص بطالة الأكاديميين، داعيا إلى ترشيد الدراسة الجامعية والبحث عن مواضيع حديثة.
ويتفق سويد مع مصطفى في هذا الجانب، ويتحفظ من اقتراح ميعاري بمحاولة الضغط على إسرائيل لوقف سياساتها العنصرية بالتوجه لمنظمات عالمية كمنظمة التعاون والتنمية الدولية.
ويقول سويد إن إسرائيل اليوم باتت تدرك أن التهميش "عاد كيدا مرتدا عليها" وأضعف اقتصادها، وهذا ما تؤكده منظمة التنمية والتعاون الدولية، حسب رأيه.
(الجزيرة، وديع عواودة-حيفا)