الرئيسية » منوعات »
 
29 شباط 2016

أين تكمن السعادة: في الجينات.. الدماغ أو الخلايا؟

يتمنى الجميع أن يكون سعيداً. يتخيل البعض أن السعادة تكمن في العائلة، أو في الثروة، أو في السلطة، أو في الحب..

\

يتمنى الجميع أن يكون سعيداً. يتخيل البعض أن السعادة تكمن في العائلة، أو في الثروة، أو في السلطة، أو في الحب. يقول آينشتاين: «اذا كنت تريد أن تعيش حياة سعيدة، حاول أن تربط سعادتك بهدف، وليس بأشخاص أو بأشياء». ويقول دالاي لاما إن «هدف حياتنا أن نكون سعداء». ويذكر الروائي الروسي ليو تولستوي «إن كنت تريد أن تكون سعيداً، فكن»، بينما يردد الشاعر الفرنسي جاك بريفير «إن كانت السعادة نستك بعض الشيء.. فلا تنساها». في المقابل، يبحث العلماء، اليوم، عن مصدر السعادة، وأين تختبئ، فهل هي تكمن في جيناتنا (لذا يكون بعض الأشخاص أكثر سعادة من غيرهم)، أو في الدماغ، أو في الخلايا؟ وما هي تأثيرات الشعور بالفرح على الجسم؟ ولماذا يعتبر الإنسان الكائن الشبه الوحيد القادر على الشعور بالفرح؟

تكشف الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يربحون جائزة «اللوتو» يشعرون بالسعادة لأشهر فحسب. ويعودون بعدها للحالة السابقة. ينطبق الأمر عينه، وفق علماء ألمان، على المتزوجين الذين يشعرون بسعادة لفترة معينة، ثم يعودون بعدها إلى الحالة السابقة.

ووفق بعض الدراسات العلمية، فان احداث الحياة ليس لها سوى أثر متواضع وعابر على الشعور بالسعادة عند الأفراد. إذ يظهر الباحثون أن نسبة 10 في المئة فقط من فوارق الشعور بالسعادة بين الأشخاص تعود إلى متغيرات الحياة وظروفها، «لكأن الأشخاص لديهم معدل ثابت من السعادة يعودون اليه نسبياً مهما فعلوا» وفق المتخصص بالسلوكيات في جامعة «نيوكاسل» البريطانية دانيال نيتل، وكأن السعادة لا تكمن في واقع حياتنا، بل يجب البحث عنها في أعماق ذواتنا.

جينات تعزز الشعور بالسعادة

تظهر الدراسات العلمية، التي أجريت على التوائم المتشابهة (يمتلكون الجينوم ـ المعلومات الوراثية ذاتها)، أن لديهم الميل عينه للشعور بالسعادة مهما اختلف مسارهم الشخصي، وكما أن معدل الشعور بالفرح شبه محدد منذ الولادة. يعتبر البحث عن جينات السعادة تافهاً، إذ تتشابك عوامل عدة: ترتبط مادة «الدوبامين» بحب التجدد، ومادة «السيروتونين» بالميل للهروب من الخطر، وهرمون «نورادرينالين» بالتعلق بالمكافأة. وترتبط هذه الأنظمة بجينات متعددة. وعلى مرّ الزمن، ركز الباحثون على الجينات المتعلقة بالاكتئاب والقلق أكثر من تلك المتعلقة بالسعادة باعتبار أن السعادة ليست مرضاً، وبالتالي لا تثير اهتمام البحث الطبي.

في المقابل، يفضل المتخصصون بعلم النفس التكلم عن شخصيات تتأثر بالبيئة المحيطة، فتشعر بحزن عندما يصبح المحيط غير مرغوب فيه، أو بسعادة عندما تتحسن الظروف المحيطة. يعزز جين «DRD4» الذي يرمز إلى مستقبلات مادة «الدوبامين» تلك الليونة.

يؤكد الباحثون أن عوامل الحياة الخارجية وتوافر الشروط التي تفضي الى السعادة يمكن لها أن تعدل في الجينوم ما يجعل السعادة أكثر يسراً، مثل أثر ممارسة الرياضة على التغيرات في سلسلة الحمض النووي (epigenetics) فـ «مهما كانت الجينات الذي يمتلكها الفرد، يحتفظ كل واحد بفرصته لإيجاد السعادة».

غياب تام للسعادة في الجينات

يمكن لنا أن نكون بيولوجياً، غير قادرين على الشعور بالفرح مثل الأشخاص المصابين بحالات الاكتئاب الشديد، وببعض الأمراض النفسية مثل الفصام، بينما لا تظهر حالات أخرى أي عوارض. لا يعرب هؤلاء الأشخاص عن مشاعر إيجابية، ولا عن مشاعر سلبية. تقترح دراستان، نشرتا في العامين 2009 و2013، أن جين «DISC1» يؤثر على الشعور بالمتعة عند تفاعلنا مع الآخرين. فيمكن لطفرات في جين «DISC1» أن تجعل الأشخاص أكثر عرضة لحالات عدم الشعور بالسعادة.

ما الفائدة من السعادة؟

يجيب المتخصصون في البيولوجيا العصبية أن الشعور بالسعادة يساعد على بذل الجهود للحصول على شيء، غير موجود للتو غالباً. تساعد منطقة الحصين (hippocampus)، التي تقع في الفص الصدغي الوسطي للدماغ، على تذكر بعض الذكريات أو خلق تصور للمستقبل. ويمنح جزء من القشرة أمام الجبهية (ventromedial prefrontal cortex) قيمة (أحب أو لا أحب) لتصور غير ملموس ومعقد ويؤثر المحيط (مثل سماع موسيقى فرحة أو حزينة) على نشاط هذا الجزء.

يظهر الأشخاص الإيجابيون روابط غنية بين بعض المناطق في الدماغ المرتبطة بالأحاسيس وتصور الذات. وتعتبر السعادة مسألة توازن: تعدّل مادة «الدوبامين» الشعور بالرغبة، والناقل العصبي «السيروتونين» الشعور بالعافية.

من جهة أخرى، يسأل الباحثون: هل يؤدي الشعور بالسعادة إلى تطور الدماغ أو أن الأشخاص السعيدين لديهم دماغ يعزز الصفات الإيجابية؟

أظهرت الدراسات العلمية، في العامين 2013 و2015، أن المعدلات الأفضل للسعادة مرتبطة بكميات أكبر من الخلايا العصبية في بعض مناطق القشرة المخية مثل «insular cortex» و «precuneus».

يشكل الشعور بالسعادة نتيجة لتصور إيجابي للمستقبل، كأن يفرح الفرد بالتجارب التي سوف يعيشها مستقبلا. يحفز هذا التصور للمستقبل ثلاثة أجزاء في الدماغ: يتم استخدام الذكريات المسجلة في جزء الحصين «hippocampus» لبناء تصور للحوادث في المستقبل. ينقل هذا التصور إلى جزء من قشرة أمام الجبهية (ventromedial prefrontal cortex) لربطه بقيمة إيجابية. ويتحول هذا الشعور إلى رغبة في منطقة «الجسم المخطط ـ stratium» ما يدل على أن الفرح آت. ويرتبط شعور الفرح بحجم المادة الرمادية في الدماغ.

يعتمد مفتاح السعادة على القدرة على الإسقاط في المستقبل، وعلى دمج المشاعر الإيجابية التي لدينا عن أنفسنا. يؤكد المتخصصون في علم الأعصاب «أن السعادة، هي في أيدي كل واحد منا، ولا يمكن للفرد صناعة السعادة للآخر بدلاً عنه».

السعادة تحمي من العدوى

لا يشبه جسم الإنسان السعيد جسم الإنسان غير السعيد. فما هي البصمة التي تخلفها السعادة على أجسادنا؟

تظهر دراسة أجراها فريق من الباحثين من جامعة «ويسكنسون» الأميركية على 135 امرأة تتجاوز أعمارهن الـ60 سنة، أن معدل هرمون «الكورتيزول ـ هرمون التوتر» أقل عند النساء اللواتي يشعرن بالسعادة، مع ارتفاع معدل «الكوليسترول» الجيد الذي يحمي القلب والشرايين.

وتبين دراسة أخرى، أجريت في العام 2005 في «كلية لندن الجامعية»، أن الأشخاص السعيدين يظهرون انخفاضاً في نبضات القلب وفي ضغط الدم الانقباضي.

يؤثر الشعور بالفرح على مقاومة الجسم للعدوى. فتبين دراسة، في العام 2003، أن الأشخاص السعيدين أقل عرضة للإصابة بفيروسات، ويفرزون أجساماً مضادة بكمية أكبر بعد تلقي اللقاح. من جهة أخرى، يمكن أن يكون المزاج الجيد، وفق الباحثين، نتيجة تلقي اللقاح وتقوية جهاز المناعة، إذ تؤثر ردة الفعل المناعية على المزاج. ترسل بعض خلايا الدم البيضاء إشارات إلى الدماغ تسبب شعورا بالكآبة. وعلى العكس، عندما تصبح ردة الفعل المناعية فعالة، ترسل بعض إشارات السعادة إلى الدماغ.

من جهة أخرى، يعزز هرمون «اوكسيتوسين ـ oxytocin»، الذي يفرزه جزء الحصين خلال الجماع، أو خلال الولادة والرضاعة، شعور التعاطف وحب الآخرين، ويخفف من شعور التوتر.

السعادة.. ميزة في تطور الإنسان

لماذا ينفرد الإنسان، وبعض الحيوانات الأخرى القليلة بالشعور بالسعادة؟

يعتقد المتخصصون بعلم الأعصاب أن السبب يكمن في الحث على البحث عن الطعام، وضمان الجنس البشري. لا يمكن تحديد شعور الفرح بأنه تلبية لحاجة، بل حالة تحث الفرد على البحث عما ليس لديه بعد ويتوقع منه الفرح. تعتمد معظم الرئيسيات (primates ـ نوع من الثدييات مثل القردة) على أكل الفاكهة، لذا تحتاج إلى تصور ذهني لتحديد مكان الطعام. ولكي تستمر الرئيسيات في الحياة، ترتبط مجموعة من الذكريات بالشعور بفرح محفز للبحث عن الفاكهة التي لا تراها أمام عينيها بل يجب البحث عنها.

أليس هذا الشعور بالسعادة حين يتصور الفرد مشروعاً معيناً في المستقبل، ويتحمل الصعوبات ويبذل الجهود لتحقيقه؟ لذا يمكن للشعور بالسعادة أن يكون له، وفق قوانين التطور، منشأ بعيداً: إيجاد حافز قوي لأجدادنا للبحث عن الفاكهة قبل الشعور بالجوع. وتشرح هذه النظرية لماذا يتبادل الأشخاص الشعور بالسعادة «عندما تظهر الكائنات شعورا بالفرح على وجوهها، تدفع الأشخاص الآخرين الى البحث عن الطعام أيضاً». لذا يعتبر من المنطقي أن قوانين الانتقاء الطبيعي عززت القدرة على النجاح، وعلى الاعتقاد بالنجاح لو حتى كانت الظروف غير مشجعة. ظن علماء الأنثروبولوجيا أن الإنسان ينفرد بقدرته على التكلم، أو بصناعة المعدات غير أنهم انتبهوا الى خاصيته في الشعور بالفرح.

في المقابل، تقول عالمة النفس في جامعة «كاليفورنيا» صونجا ليوبوميرسكي أن قوانين التطور منحت الإنسان القدرة على الفرح، غير أنه مسؤول عن إخصاب هذا الشعور.

(science et vie)

مواضيع ذات صلة