مؤسسات تيسير الزواج في غزة.. حل أم مشكلة؟
تأخذ مؤسسات تيسير الزواج في قطاع غزة رواجا كبيرا في هذه الفترة بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية. لكن، المشكلة في أن الكثير من الازواج انفصلوا لعدم قدرتهم على الايفاء باقساطهم الشهرية
يعيشُ قطاع غزة تحت وطأةِ الحصار المفروض عليه منذ العام 2006 من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
كان لهذا الحصار المُحكَم تبعاتهِ المُضنية على القطاع وحياة ساكنيه من شتى النواحي.
وفي ظل هذه الظروف ظهرت صعوبات عدّة تشكّل هاجساً كبيراً للشباب في قطاع غزة، لعلّ أهمّها الزواج وتحضيراته وتوفير مستلزماته، خاصة مع النقصِ الحاد في الإمكانيات والنفقات، بالإضافة لارتفاع المُهور. أدّى ذلك إلى ظهور مؤسسات عدة لـ "تيسير الزواج"، التي تساعد الشباب في تغطية نفقات العرس، من خلال توفير احتياجات الزواج بأقل التكاليف الممكنة، على أن تتم إعادة هذه التكاليف أقساطاً شهرية لمدّة قد تصل إلى سنوات عدة.
سبّب ذلك ظهور العديد من التساؤلات حول دور هذه المؤسّسات، هل هو إيجابي أم سلبي؟
الخيار الأفضل
أنهى عبد الخالق (24 عاماً) دراسته الجامعية قبل عامين، ثمّ تقدّم مباشرة لخطبة قريبته.
لم ينجح الشاب في الحصول على عمل إلّا قبل أربعة أشهر فقط. يقول: "لولا القرض الذي أخذته من إحدى مؤسسات تيسير الزواج لما استطعت أن أكمل تجهيزات عرسي قبل شهرين. يحتاج العرس إلى تكاليف كبيرة، وراتبي لا يكفي لأن أدفع هذه التكاليف مرّة واحدة. كان أخذ القرض من المؤسسة هو الخيار الأفضل لإتمام العرس المؤجل منذ عامين".
أما رامز (24 عاماً)، فاعتبر أن المؤسسة التي أخذ منها قرض تيسير الزواج، قد حققت حلمه المؤجل. ينتظر الشاب وخطيبته منذ ثلاث سنوات، على أمل أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية في القطاع ليتمكن من توفير تكاليف العرس. يقول رامز: "انتظرنا طويلاً، لكنّ الوضع يزداد سوءًا. لذا لجأت إلى إحدى مؤسسات تيسير الزواج، والتي سمحت لي بتوفير تجهيزات العرس كطقم النوم، وصالة العرس وبطاقات الدعوة والبدلة. والآن أقوم بسداد التكاليف على شكل أقساط شهرية للمؤسّسة".
يعتبر عبد الخالق ورامز أنّ هذه المؤسّسات تقوم بدورٍ مهم وإيجابي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها القطاع. بالنسبة لهما، فإنّ الهدف الأساسي من هذه المؤسسّات مساعدة الشباب.
ورطة كبيرة
"كنت غير قادرٍ على إكمال تكاليف زواجي، إلى أن أخبرني أحد أقاربي عن واحدة من هذه المؤسسات. أغراني العرض المقدَّم من قبل المؤسسة، وأخذت قرضين، واحد منهما لإكمال تجهيزات العرس". يقول أحمد (25 عاماً). يضيف: "بدأت المشاكل بعد الزواج بسبب طبيعة عملي، فأنا لا أملك وظيفة دائمة، لذا وجدت نفسي متورطاً في الزواج. صرت مطالباً بتوفير مصاريف البيت، وتوفير نقود لدفع الأقساط المستحقة، والذي أحصل عليه من عملي لا يكفي حتى للمصروف اليومي".
بدأت المؤسسة تلاحق أحمد، ووصل الأمر إلى الشرطة. بسبب هذه الظروف ازدادت مشاكله العائلية، واضطره ذلك للانفصال عن زوجته بعد أشهرٍ قليلة من الزواج.
أما أنس (22 عاماً)، فيرى أنّ هذه المؤسسات هي مؤسّسات لتيسير العرس فقط، ويقضي الزوجان بقية وقتهما بعدها بمحاولة تسديد القرض.
يقول: "مشكلة الزواج في غزة ليست في عدم قدرة العائلات على توفير نقود العرس، لكنّها في المرحلة التي تليه. هذه الشركات خدعت الناس بإعلاناتها، وظنّ الكثير من الشباب أن مشكلتهم قد حُلّت فهم سيدفعون بالتقسيط، لكن المشكلة الحقيقية تولد في ما بعد". يضيف: "مؤسسات تيسير الزواج مؤسسات ربحية، تقوم على أنقاض الكثير من البيوت التي تهدّمت".
ماذا تقول المؤسسات؟
لا ينفي مدير العلاقات العامة في مؤسّسة "إعفاف" لتيسير الزواج الأهداف المادية للمؤسّسة، التي تهدف "لخدمة الشباب الفلسطيني، والمساهمة في إنشاء أُسر مسلمة، وما في ذلك من خدمة للمجتمع وبناء للوطن"، حسب تعريفها عن نفسها. لكنّ رشوان يؤكّد أنّ الهدف الأساسي للمؤسّسة هو تقديم خدمة اجتماعية للشباب ومساعدتهم، خاصةً أنّ عدد الشباب المستفيدين من المؤسّسة يقارب الألف شابٍ سنويّاً، وهو رقم إلى ازدياد، حسب قوله.
يوافق رشوان أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع في الآونة الأخيرة رفعت بشكل كبير نسبة غير القادرين على دفع الأقساط المستحقة عليهم، خصوصًا أن أغلب المستفيدين من قروض تيسير الزواج هم من فئة العمال، وليسوا من فئة الموظفين أصحاب الرواتب المنتظمة. لكنّه يقول إنّ المؤسسة تتساهل في كثير من الحالات مع عدم القادرين على الدفع، مع وجود بعض الحالات التي تضطر المؤسّسة فيها للجوء للشرطة وللقضاء لتحصيل مستحقاتها.
أما عن ظاهرة انتشار مؤسسات تيسير الزواج في غزة، فيقول: "انتشار المؤسسات يؤثر سلباً على عمل مؤسسته، وخصوصاً أن أغلب هذه الجمعيات غير مرخصة من الحكومة، وبالتالي هي لا تخضع للرقابة الحكومية. هذا الأمر قد يوقع الكثير من الشباب من المستفيدين في حالات غش واحتيال".
لا يعتبر رشوان المؤسّسة مسؤولة عن الشباب الذين يتورّطون في قروض لا يستطيعون سداد أقساطها لاحقاً، "الشاب مَن يأتي إلينا، وليس نحن من نذهب إليه، وليس مهمتنا أن نكون رقباء على الناس. هذه ليست وظيفتنا، ما يهمنا أن يستوفي المنتفع الشروط التي وضعتها المؤسسة ليحصل على القرض".
(محمود أبو ندى- السفير)