هل تساهم البنوك في التنمية أم تعظم فوائدها فقط؟
بعد تولي سلام فياض رئاسة الوزراء، اقدمت البنوك وبدعم من الحكومة على اعطاء تسهيلات ضخمة ومغرية للموظفين للحصول على قروض، ومن ذاك الوقت وحتى اللحظة قدمت الاف القروض التي من المفترض ان تساهم في نمو الاقتصاد الفلسطيني، فهل فعلت ذلك فعلا؟
يعتبر فراس جابر، الباحث في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، أن القروض التي ضخت في السوق الفلسطيني خلال العشر سنوات المنصرمة لم تساهم بنمو الاقتصاد الفلسطيني بل على العكس من فقد ساهمت بزيادة الدين على كل مواطن لا سيما ان القروض الممنوحة جلها قروض استهلاكية خاسرة فبمجرد شراء السلعة فهي اصبحت جماد غير مدر للمال.
وبحسب جابر فإن دفع المقترض قيمة تفوق الاصل المشترى على شكل من شأنه أن يعطي للاشياء قيمة اكثر مما تستحق ما سيدخل الاقتصاد الفلسطيني بازمة قيمتها مليار دولار للعام الواحد اذا ما استمر الاقراض واحتساب الفائدة بنفس الصورة .
المشكلة في اولويات الاقراض
في كل بداية عام تقوم البنوك المركزية في العديد من الدول بعقد اجتماعات تحدد من خلالها اولويات الاقراض في ذاك العام، في العام المنصرم خلص الاجتماع الى تركيز الاقراض في الهند مثلا على مجالات التعليم ودعم المشاريع الصغيرة بالمقابل تفتقد فلسطين هذا التنظيم لعملية الاقراض ليكون اكثر فعاليةفي حين يتم التركيز البنوك بشكل كبير على القروض الاستهلاكية التي تضمن للبنوك ربح عالي وضمانت كبيرة .
في عام 2013 قامت البنوك بتقديم قروض لتمويل السيارات بقيمة 130 مليون دولار وهذا مبلغ كبير بالمقارنة مع الوضع المعيشي في فلسطين وبالمقارنة مع مستوى الدخل الا ان التسهيلات البنكية وفترات السداد البعيدة شجعت الموظفين على الاقدام على الاقتراض مع العلم ان اي مركبة تخسر 20% من قيمتها بعد شرائها مباشرة و 10%اخرى كل عام.
اما عام 2014 فقد اقرضت البنوك ما نسبته 68% كقروض استهلاكية، بينما حصلت الزراعة على 13 مليون فقط في ذاك العام من اصل 4 مليار تم اقراضها.
الفائدة مرتفعة
يقول استاذ الاقتصاد في جامعة النجاح مفيد الظاهر إن ارتفاع الفائدة على القروض وانخفاضها على الودائع يؤثر سلبا على المواطن الفلسطيني وعلى الاقتصاد كذلك، والاولى أن تقوم البنوك بتخفيض الفائدة على القروض خاصة القروض الاستثمارية التي تعود بالارباح على المواطن وبالتالي على البنك. واقترح الظاهر ان يتم تقسيم الاقتصاد الفلسطيني الى قطاعات ويتم وضع الفائدة على اساس المخاطرة في كل قطاع.
وعن التوزيع الحالي للقروض على قطاعات الاقتصاد الفلسطيني قال الظاهر إن البنوك أهملت القطاع الزراعي بسبب المخاطرة العالية فيه، بينما ركزت البنوك على الموظفين الذين يمتلكون ضمانات عالية .
ينتقد جابر اهمال البنوك للقطاع الزراعي وللقطاعات ذات المخاطرة العالية ووموجهة لمن يملكون ضمانات كبيرة كالموظفين الذين وصل عدد المقترضين منهم الى 90 الف موظف. ويحذر جابر من حدوث ازمة اقتصادية كبيرة قد تتسبب في انهيار الاقتصاد الفلسطيني اذا ما تخلفت الحكومة عن دفع رواتب الموظفين لعدة اشهر اذ سيأكل الرهن مئات المنازل والسيارات والعقارت.
وطالب جابر بأن تكون نسبة الفائدة على القروض الاستهلاكية 1.5 % و للانتاج 2.5% مع انشاء صندوق للقروض الانتاجية لتنميتها ودعمها اكثر.
الاقراض بين الضفة وغزة
في عام 2014 اقرضت البنوك الفلسطينية ما قيمته 4 مليار دولار، نصف مليار منها في غزة و3.5 مليار في الضفة، 2 مليار منها في رام الله لوحدها، هذه الارقام بحسب جابر تبين تمييز البنوك بين شقي الوطن وابتعادها عن غزة بسبب ارتفاع حجم المخاطر.
ويضيف جابر"البنوك تقرضنا من ودائعنا ولا تضع شيئا من جيبها، تقرض من اموال الناس وتاخذ فائدة عليها، مع العلم ان سعر الفائدة على الودائع اقل من 1% مقابل حوالي 5% على القروض بعملة الدولار".
دور سلطة النقد
برأي جابر فإن سلطة النقد تمارس دور تقني فقط وهو وضع السياسات الاقتصادية والرقابية الفعالة على البنوك وتعديل الاجراءات في قطاع المصارف.
وبحسب جابر "سلطة النقد دائما تتحجج بعدم وجود دولة لكن لديها القدرة على وضع سياسات، فلا يعقل ان يكون في فلسطين 2.2 بنك لكل مليون مواطن وان يكون لدى اقوى دول العالم الصين بنك واحد لكل نصف مليون موطن.
مع العلم ان بنكان فقط في السوق الفلسطيني يسيطران على اكثر من 55% من الودائع، أفلا يجب على النقد ان تتحرك وتتدخل لضبط هذا القطاع.
(نور الدين مرزوق، السفير الاقتصادي)