الرئيسية » محلي »
 
04 كانون الثاني 2016

مأزق الاقتصاد الفلسطيني: قروض اليوم لا تحل أزمات الغد

يقول المحللون إن واقع الاقتصاد الفلسطيني يبعث على القلق في وقت يغيب فيه تفكير استراتيجي رسمي للخروج من هذا المأزق بمعزل عن تطورات الشأن السياسي.

\

بينما ترجح "سلطة النقد الفلسطينية" أن يسجل الاقتصاد الفلسطيني نموا بنسبة 3.1 % خلال عام 2015، بعد أن انكمش في العام 2014، يشكك خبراء في هذه التوقعات ويقولون إنها "متفائلة، ومبنية على أرقام صماء أكثر منها معطيات تلامس الواقع".

تعزو سلطة النقد النمو المرتقب إلى "النشاط الاستثماري المرتبط بإعادة إعمار قطاع غزة، والتحسن في الإنفاق الاستهلاكي الممول من القروض المصرفية، وتزايد عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل".

وكانت سلطة النقد رجّحت حدوث تحسن طفيف خلال عام 2016 مقارنة بالسنة الحالية، منتظرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.3%. وشهد الناتج المحلي الفلسطيني تقلصاً بنسبة 0.2%، خلال عام 2014، كأثر مباشر لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

مؤشرات لا تعكس الواقع

في المقابل، يرى المحللون أن القروض والمنح لن تستطيع أن تنتشل الاقتصاد المنهك من أزمته، وفي هذا السياق يؤكد الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، أن التقديرات المشار إليها "لا تعكس الوقائع والمعطيات على الأرض، لأن إعمار قطاع غزة يسير بوتيرة بطيئة جدا"، ويلفت إلى أن ما تم إنفاقه بشكل فعلي في هذا الملف حتى الآن لا يتجاوز 200 مليون دولار، من إجمالي الأموال التي رصدها مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة الذي انعقد في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014، البالغة 5.4 مليارات دولار نصفها لإعادة إعمار غزة.

ولا يتوقع عبد الكريم في حديثه لـ"العربي الجديد"، حدوث تغير جذري في ملف الإعمار "نظرا للمعطيات السياسية والأمنية المعقدة". وفيما يخص النمو الاستهلاكي الممول من القطاع المصرفي يقول عبد الكريم، إن "المصارف الفلسطينية اقتربت من حالة الإشباع في منح القروض، لأن القطاع المصرفي يشهد حالة من التباطؤ في التسهيلات الائتمانية والودائع، ولأن الزبائن الجيدين القادرين على الاقتراض من المصارف بدرجة معقولة من المخاطر على وشك التلاشي، في ظل مجموعة من المعطيات منها غياب النمو في القوى العاملة، وعدم حصول زيادة في أجور العاملين وبالتالي بقاء قدرتهم على الاستهلاك دون تغيير".

واعتبر عبد الكريم، أن المواطن الفلسطيني يعيش حالة غير مسبوقة من الضبابية، "ولا يمكن أن يلجأ إلى الاقتراض بعيد المدى من أجل إشباع حاجة استهلاكية، إلا في حال الضرورة القصوى، في حين لا تمنح المصارف قرضا إلا لشخص قادر على السداد وإلا ستعرض أموال المودعين لديها للخطر". وتساءل "إذا كان المواطن والتاجر حذرا في الاستهلاك والاستثمار، فما بالكم بالمصارف؟".

ووفقا لبيانات مصرفية تبلغ قيمة القروض الاستهلاكية التي منحتها المصارف العاملة في فلسطين لزبائنها قرابة مليار دولار، من أصل 5 مليارات دولار مجموع التسهيلات الائتمانية الممنوحة للحكومة الفلسطينية وشركات القطاع الخاص والأفراد العاديين العام الجاري.

ويتوقع عبد الكريم أن النمو في الاقتصاد الفلسطيني لعام 2015 سيكون قريبا من (الصفر) عند ظهور البيانات الفعلية "وبذلك يكون معدل النمو في الناتج المحلي يقل عن معدل النمو الطبيعي في عدد السكان للعام الرابع، ما يعكس أن الاقتصاد الفلسطيني لن يكون قادرا على إنتاج وظائف جديدة".

تجاهل الهبة!

وحسب المحللين، تجاهلت "سلطة النقد الفلسطينية" في توقعاتها الاقتصادية المواجهة الحالية التي يخوضها الفلسطينيون مع الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري، والتي أسفرت عن استشهاد 150 فلسطينيا وإصابة آلاف آخرين وتدهور المؤشرات الاقتصادية.

وتتوقع سلطة النقد أن يسجل معدل دخل الفرد في فلسطين نموا بنسبة 1 % خلال العام المقبل وصولا إلى 1774 دولارا في السنة. ويسجل معدل دخل الفرد تفاوتا كبيرا بين الضفة الغربية التي يصل فيها إلى 2200 دولار سنوياً، مقابل 1350 دولارا في قطاع غزة.

وينظر محللون إلى معدل دخل الفرد السنوي، على أنه من أهم المؤشرات على مدى الانكشاف الذي وصل إليه الاقتصاد الفلسطيني الذي تتعمق تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي.

وتقول النقابات العمالية الفلسطينية إن "100 ألف عامل في السوق الفلسطيني يتلقون أجورا شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور الذي حددته الحكومة البالغ 1450 شيقلا (374 دولارا).

ومن المفارقة في الواقع الفلسطيني أن جهاز الإحصاء (حكومي) يحدد أن معدل كل عائلة مكونة من 4 أفراد يقل دخلها الشهري عن 2300 شيقل تصنف على أنها فقيرة، بينما حددت الحكومة في وقت سابق الحد الأدنى للأجور بـ 1450 شيقلا في الشهر.

ويرى عضو مرصد السياسات الاقتصادية والاجتماعية (مجتمع مدني)، فراس جابر، أن أرقام الفقر تضخمت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، نتيجة للحروب المتتالية على قطاع غزة، وفقدان آلاف العائلات لمصادر رزقها، بالإضافة إلى التضخم الذي شهدته الضفة الغربية منذ المسح الأخير لمستويات الفقر وحتى الآن.

مؤشرات أخرى

وتشير تقديرات سلطة النقد بحدوث تراجع ضئيل بمعدل التضخم إلى 1.5% عام 2015، مقارنة مع 1.7% في العام 2014، وبحدوث نمو في الصادرات بنسبة 6.6% والواردات بنسبة 8.3%، خلال العام المقبل.

وقالت إن "توقعاتها تبقى عرضة لحالة الاستقرار الاقتصادي والسياسي، خاصة أن الاقتصاد الفلسطيني يعمل في ظل بيئة عالية المخاطر".

المالية العامة

وترك تآكل المساعدات المالية الدولية للخزينة الفلسطينية تحديات هائلة أمام صانع القرار، حول آليات مواجهة الواقع الجديد في ظل الزيادة المستمرة في النفقات. وتقول الحكومة الفلسطينية إن "مجموع ما تلقته من منح دولية لم يتجاوز خلال عام 2015 مبلغ 700 مليون دولار علما أن معدل الرقم خلال السنوات الماضية كان 1.1 مليار دولار".

ويرى عميد معهد الإدارة والاقتصاد في جامعة القدس، محمود الجعفري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن السنوات الأخيرة شهدت إعادة توجيه لإيرادات السلطة الفلسطينية من أموال المانحين إلى العائدات الضريبية التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة.

ويستذكر الجعفري أن أموال المانحين شكلت 53 % من إجمالي إيرادات الحكومة الفلسطينية قبل 8 سنوات، ثم انخفضت إلى ما دون 25% الآن، مقابل زيادة في حصة أموال المقاصة، "ما يعني تعمق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وزيادة الاستيراد من أجل تعظيم إيرادات المقاصة على حساب الإنتاج المحلي والقطاع الخاص".

ويقول المحللون إن واقع الاقتصاد الفلسطيني يبعث على القلق في وقت يغيب فيه تفكير استراتيجي رسمي للخروج من هذا المأزق بمعزل عن تطورات الشأن السياسي.

(العربي الجديد، محمد رجوب)

مواضيع ذات صلة