ضريبة على المزارعين.. مفلس بدور في الدفاتر العُتُق\r
قرر المزارع عبد اللطيف الأخرس اهداء الحكومة مزرعته من الأبقار والتي يملكها منذ سنوات، وهي مصدر رزقه الوحيد وعائلته المكونة من ستة أفراد، بعد مطالبته بدفع ضريبة الدخل وبأثر رجعي.
الأخرس من سيلة الظهر جنوب غرب مدينة جنين، استشاط غضبا عند سماعه المبلغ الذي تطالبه به الحكومة كضريبة دخل عن مزرعة ابقار، والمقدر بـ 195 ألف شيقل، منذ عام 2008 حتى الآن. "الحكومة ضحكت علينا" يقول الأخرس وهو يتفقد أبقاره: "لقد ضحكت علينا الحكومة، جعلتنا نفتح ملفات ضريبية وقالت لنا سنعطيكم استردادا ضريبيا عن فواتير المقاصة، لكنها طالبتنا بضريبة الدخل وتناست واجبها بالاسترداد الضريبي للمزارع". ويضيف: "قمت بفتح ملف ضريبي عام 2011، على أساس الاستفادة نحن والحكومة على حد سواء، فنحن نعطيها فواتير المقاصة مقابل استرداد ضريبي، والاعفاء من ضريبة الدخل".
المطلوب 12% من قيمة الأرباح ويتابع الأخرس: "لقد وقعنا في الفخ، فعوضا عن عدم اعطاء الحكومة لنا، تريد الأخذ منا، ما مقداره 12% من الأرباح، وقد قدرت لي ربحا من كل رأس من البقر 30 شيقلا يوميا، وأنا فعليا لا أربح هذا المبلغ، لذلك اريد اهداء الحكومة أبقاري وهي عليها دفع نصف المبلغ المطلوب مني لها".
ويعترض الأخرس وباقي المزارعين عن دفع ضريبة الدخل، منوها الى ان القطاع الزراعي في البلدان الاخرى مدعوم ويتم الاسترداد الضريبي اما في فلسطين فلا شيء يقدم للمزارع. ويوضح انه منذ اصدار قانون ضريبة الدخل الزراعي، والحكومة تعد بالغائه، وقد جمدته عدة مرات، ووعدت المزارعين في أكثر من لقاء معهم.
ويبدي الأخرس استغرابه من عودة الحكومة رغم كل الوعودات للمطالبة بدفع ضريبة الدخل الزراعي، وبأثر رجعي. القطاع الزراعي.. انتكاسات كثيرة ويتعرض القطاع الزراعي، على مدار العام لانتكاسات كثيرة أغلبها بسبب الأحوال الجوية القاسية، ويضطر المزارع لمواجهتها وحده، فمن حالة الغبار الى شدة الحر الى الصقيع والرياح والسيول، اضافة الى صعوبة التسويق وغلاء مدخلات الانتاج الزراعي.
يشير الأخرس الى انهم "لا يتلقون أي دعم أو تعويض حقيقي من الحكومة عند تعرض القطاع الزراعي لأي انتكاسة، ويكتفون بالتقاط الصور".
وفي حال اراد الأخرس تقديم استئناف قضائي على المبلغ المقدر دفعه كضريبة دخل، فانه سيكلفه مبلغا كبيرا من المال على كل سنة، لا يقدر على تأمينه، ولذلك توجه الى الجمعيات الزراعية لمساعدته في توفير محام لمتابعة الأمر. إحالة مزارعين إلى المحاكم وحولت الحكومة حاليا بعض المزارعين الى المحاكم والنيابة العامة، لدفع المستحقات الضريبية عليهم، وبأثر رجعي، بعد أن وعدتهم أكثر من مرة بالاعفاء الضريبي. يقول المدير التنفيذي لاتحاد جمعيات المزارعين عباس ملحم: "لقد جمد قانون ضريبة الدخل أكثر من مرة، ولعدة أعوام، والجميع يدعم توجه اعفاء القطاع الزراعي من ضريبة الدخل، بسبب ما يتعرض له".
ويضيف ان "المزارع هو المرابط على الثغور، وهو الذي يحمي الأرض، ويصون الأمن الغذائي الفلسطيني ولذلك يتوجب على الحكومة مساندته". تهديد للأمن الغذائي واعتصم المزارعون قبل اسبوعين أمام مجلس الوزراء اثناء جلسته الاسبوعية، للاعتراض على قرار الحكومة الأخير، بتراجعها عن اعفاء المزراعين من ضريبة الدخل، وايصال صوت المزارع للجهات المسؤولة.
يوضح ملحم ان "المزارع الفلسطيني بحاجة الى الاعفاء الضريبي دونا عن غيره من القطاعات الأخرى لتشجيعه على الزراعة والمحافظة على الأرض المهددة بالمصادرة، وللحفاظ على الأمن الغذائي، اضافة الى الظروف التي يمر بها المزارع والتي تستوجب الوقوف الى جانبه ومساندته ودعمه". ويطالب ملحم بدفع الاسترداد الضريبي للمزارعين، حتى يتمكن المزارع من البقاء والصمود.
هكذا ستخسر الخزينة العامة 126 مليون دولار
ويشير ملحم الى ان الحكومة عندما ترفع التجميد على ضريبة الدخل، فان المزارعين يعزفون عن فتح ملفات ضريبية لهم، كما انهم لن يسلموها فواتير المقاصة، وهذا يؤدي إلى هدر ما قيمته 126 مليون دولار جباية ضريبة القيمة المضافة.
ويؤكد ان الغاء ضريبة الدخل على المزارع الفلسطيني، فيه مصلحة متبادلة ما بين الحكومة والمزارع لأنه في حال الغاء ضريبة الدخل، سيفتح المزارع ملفا ضريبيا، ويقدم كل فواتير المقاصة للحكومة، ما يعزز جباية الضريبة ويقلل هدر الأموال من ضريبة القيمة المضافة.
ويرى ملحم ان قانون ضريبة الدخل يدمر المزارع، ويهدد الأمن الغذائي، ويزيد من تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاسرائيل.
ويوضح انه في حال تم الغاء ضريبة الدخل، فإن المزارع سيتشجع لاعطاء الحكومة جميع فواتيره الضريبية وبالتالي يختفي التهرب الضريبي ويصبح لدى الحكومة حساب شامل لكل القطاع الزراعي. وحسب ملحم فإن ضريبة الدخل على القطاع الزراعي لا تتجاوز 10 ملايين دولار.
لا قانون حول إعفاء المزارعين من ضريبة الدخل
يقول مدير عام ضريبة الدخل، حمزة زلوم: "رغم الوعودات المتكررة باعفاء المزارعين من ضريبة الدخل، الا انه لم يصدر أي قانون حتى الآن يثبت ذلك، ونحن نتعامل بموجب القانون، لذلك طالبنا المزارعين بدفع ما عليهم".
ويضيف: "لقد تحملت تأجيل مطالبة المزارعين بدفع ما عليهم من ضريبة الدخل، على أمل اصدار قانون بالإعفاء، ولذلك تم تجميد المطالبات، لكن نحن في الضريبة لا نملك حق الاعفاء الضريبي أو التجميد".
وعد بالإعفاء.. ولكن!
وكان رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله وعد مزارعي محافظة طوباس خلال اجتماع معهم بداية العام، بالاعفاء الضريبي.
وانتظر زلوم على المزارعين اكثر من خمس سنوات على أمل اصدار قانون بالاعفاء الضريبي للمزارع، كما وعدهم المسؤولون السابقين، لكن عندما لم تطبق الوعودات اصبح يتوجب عليهم جمع الضريبة.
ويشير زلوم إلى انه لا يستطيع تحمل المسؤولية أمام الجهات الرقابية أكثر من ذلك.
وقرر زلوم كحل وسط "ان يمسك العصا من النصف"، فالمزارع عندما يريد خدمة ما، تقوم الضريبة بأخذ جزء بسيط مما تراكم عليه من ضريبة الدخل.
ويؤكد زلوم ان تحصيلات ضريبة الدخل من المزارعين ليست تحصيلات كبيرة، فالقطاع الزراعي يعاني الويلات. ويشير الى ان ايرادات القطاع الزراعي لا تصل الى المليون شيقل سنويا.
إعفاء ضريبي مقابل سلامة فواتير المقاصة
وينوه زلوم الى انه حاليا تم ربط الاعفاء من ضريبة الدخل بأن تكون أمور المزارع سليمة قانونيا مع ضريبة القيمة المضافة، بمعنى اعفائه من ضريبة الدخل مقابل حصول الحكومة على فواتير المقاصة.
ووضع زلوم اتفاقية بالتعاون مع وزارة الزراعة وضريبة القيمة المضافة لرفعها لمجلس الوزراء خلال هذا الأسبوع، لإنصاف المزارع، ومن المرجح حسب زلوم ان يكون هناك تباين في الاعفاء بين القطاع الزراعي النباتي والقطاع الزراعي الحيواني.
ويوضح زلوم ان المبالغ التي تطلبها الضريبة من المزارعين هي أرقام تقديرية ادارية وقابلة للاعتراض والاستئناف.
وتُقَدر ضريبة الدخل على القطاع الزراعي حسب قانون ضريبة الدخل على القطاع الزراعي لعام 2008، بفطنة وذكاء مخمن الضريبة.
هذه هي الأرقام عن ضريبة الدخل
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي مؤيد عفانة انه بالنسبة لضريبة الدخل على المزارعين، تبعا لبيانات وزارة المالية المتاحة والمحدثة لا يوجد معلومات رقمية حولها، ولكن مجمل الايراد المقدّر من ضريبة الدخل في فلسطين في العام 2015 هو (698.25) مليون شيقل، من اجمالي صافي الايرادات المقدر بـ (10658)مليون شيقل، أي بنسبة 6.4%.
ويرى المحلل الاقتصادي والمحاضر في قسم الاقتصاد بجامعة النجاح، بكر اشتية، انه في حال الغاء ضريبة الدخل سيعود بالفائدة على ضريبة القيمة المضافة.
وفي قانون ضريبة الدخل لعام 2004، كان القطاع الزراعي معفيا من ضريبة الدخل، سواء كانوا افرادا أو شركات عادية، وفي عام 2011 بدأ موضوع الاسترداد الضريبي، لتشجيع المزارعين على تسليم فواتير المقاصة للحكومة، وبدأ حينها المزارعون بتسليم فواتير المقاصة من أجل الحصول على الاستردادات. ويتوقع اشتية ان الحكومة كانت تريد من هذه الخطوة الكشف عن دخول المزارعين الحقيقية، تمهيدا لعملية شملهم بضريبة الدخل.
دعوة لمأسسة الملف الضريبي
ويوضح إشتية انه بهذه الخطوة انعدمت الثقة بين المزارع والحكومة، وكان من المفترض ان يقوم المزارع بتسليم فاتورة المقاصة للحكومة، مقابل الاسترداد الضريبي ودفع ضريبة القيمة المضافة.
وينتقد اشتية عدم مأسسة الملف الضريبي "فكل مسؤول يعمل بالرؤيا التي يؤمن بها، وهذه الرؤيا تتغير مع تغير المسؤول ويقع المزارع ضحية".
ويرى اشتية انه يجب اعادة بناء الثقة بين الطرفين، مشيرا الى ان القطاع الزراعي هو آخر قطاع يمكن التفكير فيه لدفع ضريبة الدخل، وانه يجب اعادة الاسترداد الضريبي على المقاصة بشكل كامل، وأخذ ضريبة الدخل من ضريبة القيمة المضافة، وتشجيع المزارع على تسليم فواتير المقاصة. ويضيف "أقر قانون الاسترداد الضريبي عام 2009، وتم تفعيله عام 2011 بشكل انتقائي وفردي". ويرى اشتية ان الحكومة لجأت حاليا الى المطالبة بدفع قيمة ضريبة الدخل وبأثر رجعي لما تعانيه من عجز في الموازنة "التاجر الخسران يفتح ملفاته القديمة".
ويضيف اشتية ان "الحكومة تفتقد القدرة على صياغة آليات ضريبية تمكن من تعديل الثقة بينها وبين المكلف، وتقدير الدخول بشكل صحيح، وان هناك نقصا في عدد الموظفين المؤهلين لتقدير الدخول المكلفة". وقال "يجب ألا تتم عملية التقدير من موظفين وهم خلف المكاتب".
وعند تقدير حجم الدخل الزراعي، يقول اشتية انه يجب الأخذ بعين الاعتبار حجم الحياز الزراعي، وفواتير المشتريات.
ميساء بشارات- حياة وسوق