الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
23 كانون الأول 2015

قراءة في كتاب: عصابات الاقتصاد... الفساد، العنف، وفقر الشعوب

اسم الكتاب: عصابات الاقتصاد... الفساد، العنف، وفقر الشعوب"
عدد الصفحات: 244 من القطع المتوسط
اسم الناشر: برنستون برس، الولايات المتحدة
سنة الإصدار: 2008
 
يُخضِع المؤلفان ريموند فيشمان وادوارد ماغويل المساعدات الدولية للنقد من خلال ربطها بالأيدي المسؤولة عن فساد الحكومات والغموض حول الشخصيات العالمية الرأسمالية المهيمنة، محاوليّن تفسير الاقتصاد للولوج إلى داخل تلك العصابات، مقترحين حلولاً من شأنها أن تصنع الاختلاف في العالم المتخم بالفقراء، ومنها تحسين الطرق التي  يتعامل بها البنك الدولي ومنظمات أخرى من حيث توزيع الدعم. ومن زاوية أخرى ينظر المؤلفان إلى كيفية استخدام الاقتصاد لأدوات جديدة لفهم أفضل والقتال مرة أخرى ضد الفساد والعنف وذلك بعد الكارثة الاقتصادية عام 2008.

يتساءل المؤلفان: "بعد سنوات من الاستقلال من نير الاستعمار، ومليارات من نقود الدعم الدولي، لماذا تستمر العديد من الدول النامية في فقرها المدقع؟؟ يجيب الكتاب عن تلك الأسئلة من خلال مقالات صغيرة شاملة تأخذنا إلى عالم الفساد العالمي.
تضمنت فصول الكتاب العناوين التالية:  القتال من أجل التنمية الاقتصادية. فجوة التهريب. طبيعة الطبيعة. فهم  ثقافة الفساد. لا ماء لا سلام. الموت بواسطة ألاف التخفيضات الصغيرة. طريق العودة من الحرب. تعلم محاربة عصابات الاقتصاد، التصرف بشكل أفضل هذه المرة.
 
الفساد المنظم
 
يشير الكتاب في مقدمته: "دمار الاقتصاد الاستراتيجي في مختلف أرجاء العالم تم عبر الفساد المنظم، وليس آخراً أعمال المساعدات التنموية العالمية حيث هدرت ترليونات من الدولارات على طرق من السراب لم تنشأ أو محطات توليد كهرباء لم تضئ بيتا واحداً...
يريد المؤلفان أن يرسخا الفهم للخراب الناجم عن الفساد والعنف من عصابات الاقتصاد في العالم، والتي وضعت أثارا على التنمية الاقتصادية من خلال مشاريع إغاثية أكثر حدة، استهدفت كثيراً من شعوب الدول النامية ممن يعيش تحت حكم قطًاع طرق، ومع أنهما أي المؤلفان لا يملكان كل الإجابات عن أسباب الفساد والعنف في العقود الماضية، إلا أنهما كشفا الغطاء عن حقائق مدهشة وحلول مفاجئة.

يقول الباحثان اللذان يعملان في مؤسسات أكاديمية في مجال التنمية الاقتصادية، أنهما ومن خلال هذا الكتاب قد استطاعا الخروج من برجهم العاجي للنظر عن قرب في قلب العالم الحقيقي، فقاما بتقصي الحقائق اقتصادياً من قرى كينيا النائية إلى البورصة الاندونيسية للبحث عن زوايا جديدة عن أسباب الفقر العالمي، وقد وجدا قصصَ عنف وفساد في أماكن غير متوقعة مثل تهريب الدجاج الصيني، وتذاكر المواقف الدبلوماسية في منهاتن، نيويورك، ومطاردة الساحرات في تنزانيا.
 
مقتطفات من الكتاب
 
وفق البنك الدولي  فمليار نسمة يعيشون بأقل من دولار في اليوم، بينما نصف العالم أي 3 مليارات  يعيشون بأقل من 2 دولار. إذن، كيف ينجو الناس بهذا الفقر المدقع؟ الجواب: هم لا ينجون، حيث يحصِد طاعون الجوع مئات ملايين الأرواح،  والعناية الصحية معدومة أو نادرة، في تشاد، نيجر سيراليون مثلاً معدل القراءة والكتابة لدى البالغين يصل فقط إلى 30%، وللأطفال الفرصة للموت قبل بلوغهم.

يطرح الكتاب وجهات نظرة مؤيدة لأهمية الدعم الدولي في تحسين حياة الدول النامية والفقيرة والحد من الفقر مستندا إلى كتاب "فخ الفقر" لجيفري ساكس الذي يشغل منصب مدير مركز الأرض في جامعة كولومبيا. لكن ينتقد الكثيرون نظرية ساكس ويجدونها اقرب إلى النظرية منها إلى التطبيق، ومنهم بيل ايسترلي البروفسور في جامعة نيويورك والذي يعاكس نظرية ساكس ويؤكد بالأدلة أن مليارات من الدولارات الأمريكية تم هدرها عن طريق البنك الدولي وداعمين آخرين.

ويستند ايسترلي إلى الحقائق التي تدلل أن هذا الدعم والذي وجّه لتحسين البنية التحتية (بناء الطرق السريعة، محطات تحلية المياه والسدود الكهرومائية) قد نفّذ في دول لم يكن مواطنوها قد حضروا جيدا للإشراف على صيانة ومتابعة هذا التحضر بعد. فقبل إرسال الأموال يدعو ايسترلي إلى أن تكون تلك الدول  تملك حاكمية جيدة ومجتمع مدني  فاعل كالإعلام والجمعيات المجتمعية لتكون رقيبا على الحكومة وتسائلها وتمنع عصابات الاقتصاد من الوصول للسلطة، وتتأكد من أن الأموال تصرف لمصلحة عموم الشعب وليس لصالح الزمرة الحاكمة.
ويعتبر ذات الخبير أن كثيرا من الدول النامية هي بعيدة عن هذا الطموح المثالي وحتى ينصلح حالها، فالتمويل يجب أن يكون لأصحاب المشاريع الصغيرة ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي،  هذه التدخلات للمشاريع الصغيرة ستكون تحت الرقابة من قبل الممولين والمجتمع، ومن خلالها يتم التغلغل إلى قلب المجتمعات الفاسدة ما سيقلل من فسادها، وفي تلك الحالة سيشعر الناس براحة أكبر، ويستثمرون في مستقبلهم والتنمية الاقتصادية ستأتي تباعاً.

الدجاجة والبيضة هي مسألة الفساد والعنف أم الفقر، أيهما يأتي أولا؟ الأحجية التي من الصعب حلها، فلا نستطيع أن نلوح بيدنا إلى الفقر العالمي، ولكن نستطيع ذلك بتسليط الضوء على مشكلة في بلد ما وحلّها. تشاد واحدة من أفقر دول أفريقيا، والتي عانت من صراعات سياسية وعنف مدني وسرقة متكررة من الحكومات وتدهور في الاقتصاد، ولكن ماذا أتى قبل: الحرب أم الانهيار الاقتصادي، أم أنهما يحدثا في الوقت نفسه، ولذلك من الصعب تحديد من من المسؤول عن الأخر، أو ربما العنف نجم عن شيء أخر، ربما بعدٌ سياسي أم ديني أم اثني،  أمور كثيرة تحدث في وقت واحد تجعل من البحث عن السبب أمراً بالغ التعقيد.

"الرشاوي مسألة أخرى وجزءٌ أساسي في الفساد، كيف يمكن قياسها؟" يطرح المؤلفان هذا السؤال من خلال نماذج لعدة دول نامية كمؤشر كبير على الفساد، وحتى في أمريكا، وبالنظر إلى المستقبل، فهناك خطر بأن الاقتصاد العالمي سيكون أسوا من قبل، ومن الأسباب العديدة للتخوف: حقيقة أن تفاقم التدهور سيولد فسادا وعنفا اكبر.
"نحن الاقتصاديون لن نشهر سلاحنا في وجه عصابات الاقتصاد، ولكننا سنزود القارئ بمعلومات مثيرة ستشكل سلاحا حقيقيا ضدهم إذا أُحسن استخدامها". يؤكد المؤلفان لقراء هذا الكتاب.

 

مواضيع ذات صلة