صافي الاقراض ... نزيف الموازنة العامة المستمر
تبعا لبيانات وزارة المالية الفلسطينية الخاصة بموازنة العام 2015، والمحدّثة لغاية نهاية شهر تشرين اول / اكتوبر الماضي، بلغت قيمة صافي الاقراض (1,002.4) شيكل، أي اكثر من مليار شيكل، وذلك في ظل عجز الموازنة العامة وازمة مالية مزمنة تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية، برزت معالمها في عدة مؤشرات منها الارتفاع الكبير في الديّن العام،وتراكم المتأخرات، الامر الذي ادى الى عدم ايفاء وزارة المالية بالتزاماتها المختلفة.
وصافي الاقراض Net Lending هو المصطلح المتداول منذ استحداث حساب الخزينة الموحد في عام 2002 للدلالة على المبالغ المخصومة من إيرادات المقاصة من قبل اسرائيل لتسوية ديون مستحقة للشركات الإسرائيلية المزودة للكهرباء والمياه للبلديات ولشركات وجهات التوزيع الفلسطينية، وغيرها من البنود الاخرى، بعضها معلوم الملامح والاخر مبهم.
ومنذ بدء العمل بهذا المصطلح "صافي الاقراض"، اضحى عبئاً ثقيلا على الموازنة العامة ومعضلة عصيّة على الحل الجذري، فالأصل هو أن لا يكون هناك بند كهذا في الموازنة العامة، وتعود هذه المشكلة إلى تخلّف الهيئات المحلية وشركات توزيع الكهرباء ومصالح المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة عن دفع فواتير الكهرباء والمياه لصالح الجهات الموردة بشكل أساس.
ومن خلال التحليل التاريخي لـ( صافي الاقراض ) منذ البدء برصده بشكل دقيق فقد استهلك في الاعوام من 2003 ولغاية 2014، مبلغ (3,584.4) مليار دولار، أي ما يكافئ (13,620.72) مليار شيكل، وبلغ معدل نسبة صافي الاقراض من اجمالي نفقات الموازنة العامة (11.31%) على مدار الاثنتي عشر عاما الماضية.
وعلى الرغم من كون صافي الاقراض يستنزف الموازنة العامة منذ سنواتٍ طوال، الا ان النزيف ما زال متدفقا، وشهد في الاعوام الاخيرة ارتفاعا حادا بعد نجاح نسبي للحكومة في تقنينه عام 2011، وعلى الرغم من تحوّل معظم البلديات وشركات توزيع الكهرباء الى نظام الدفع المسبق، واجراءات الحكومة ووزارة المالية للسيطرة على "صافي الاقراض" الى ان النتائج الفعلية على الارض تشير الى عكس ذلك.
ففي العام 2014، قدّرت وزارة المالية صافي الاقراض بمبلغ (600) مليون شيكل، ولكن على ارض الواقع تم انفاق (1,020) مليون شيكل، أي بزيادة عن المخطط نسبتها (170.38%)، وعلى الرغم من رسائل وتوصيات الفريق الاهلي لشفافية الموازنة العامة حول خطورة صافي الاقراض واستنزافه لموارد الموازنة العامة، وضرورة تقنينه والسيطرة عليه، الا ان وزارة المالية الفلسطينية قدّرت صافي الاقراض في موازنة العام 2015 بمبلغ (800) مليون شيكل، وبنسبة زيادة قدرها (33.3%) عن المقدّر في موازنة العام 2014، ولكن على ارض الواقع كان النزيف اغزر واكثر تكلفة!! حيث بلغ صافي الاقراض الفعلي لغاية 31/10/2015، (1,002.4) مليون شيكل!! في عشرة اشهر من عمر موازنة العام 2015، وبمعدل شهري بلغ (100.25) مليون شيكل، وتبعا لهذا المعدل فان صافي الاقراض سيربو في نهاية العام 2015 عن مليار ومئتي مليون شيكل!!
في ضوء ما تقدّم نلاحظ ان صافي الاقراض له تأثير مباشر على الموازنة العامة، وفي الاعوام الاخيرة يتزايد بشكل مضطرد، وتحيط به حالة غموض كبيرة، وهو مصدر لاستنزاف الموازنة العامة دون تفاصيل للمواطن، وفي كل عام من الاعوام الاخيرة تكون قيمته الفعلية اكبر من المخصص وبشكل غير طبيعي ودال احصائيا... لذا توجد ضرورة لمعرفة اين تذهب هذه الملايين والتي فاقت في الشهور العشرة الأولى من العام 2015 المليار شيكل، وذلك لضمان شفافية الموازنة العامة، وكذلك لضرورة الحد من هذا النزيف في قلب الموازنة خاصة في ظل العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة في فلسطين، حيث بلغت متأخرات النفقات في العشر الاشهر المنقضية من موازنة العام 2015 (2,255) مليون شيكل، وبلغ اجمالي الدين العام في نهاية تشرين اول / اكتوبر الماضي (9,731.3) مليون شيكل!! تبعا لبيانات وزارة المالية الفلسطينية.
كما توجد ضرورة ملحّة لجملة اجراءات حكومية لوقف هذا النزيف منها الزام البلديات وشركات التوزيع بدفع مستحقاتها، وتنظيم قطاع الكهرباء بما يضمن العدالة وحقوق كل من المواطن والشركات والبلديات والحكومة على حدٍ سواء، اضافة الى معالجة القضايا العالقة في هذا الملف الهام، والافصاح عن ذلك للمواطنين تحقيق لمبادئ الشفافية في ادارة المال العام.