4 وسائل لإنجاح مقاطعة البضائع الإسرائيلية
أنس أبو عرقوب- العربي الجديد
تبلغ قيمة ما يستورده الفلسطينيون من البضائع الإسرائيلية، أربعة مليارات دولار سنوياً، نصفها تُدفع لشراء مشتقات النفط والكهرباء، وتشكل المواد الغذائية التي تنتجها شركات إسرائيلية 40% من إجمالي المبلغ المتبقي، الذي يصل إلى ملياري دولار سنوياً.
مطلع العام الجاري، اختار الفلسطينيون، فرض مقاطعة على المنتجات الغذائية الإسرائيلية، لإلحاق الأذى بإسرائيل في هذا القطاع، ما يعزز اقتصادهم، لا سيما أنهم يملكون البديل، ففي السنوات الأخيرة تطورت في الضفة الغربية الصناعات الغذائية وتم إنشاء العشرات من المصانع الغذائية العصرية، التي تحولت منتجاتها إلى منافس شرس للمنتجات الغذائية المستوردة من إسرائيل، وإذا كان استيراد المواد الغذائية من إسرائيل قبل أقل من عشرة أعوام، يشكل ما نسبته 60% من استهلاك الفلسطينيين فقد بلغت هذه النسبة الآن أقل من 30.
مقاطعة الصناعات الغذائية الإسرائيلية
يؤكد مراقبون أن الشركات الإسرائيلية التي تضمنتها القائمة التي أعلن الفلسطينيون عن مقاطعتها، كانت مهددة بخسائر فادحة، لولا تراجعهم عن تلك الخطوة التي لجأوا اليها ردا على وقف إسرائيل تحويل عائدات الضرائب التي تجبيها من التجار الفلسطينيين في الموانئ الإسرائيلية، إذ إن قطاع الصناعات الغذائية، يعد القطاع الوحيد في إسرائيل الذي يعتبر السوق الفلسطيني، أكبر أسواقه الخارجية، كما تعتبر الصناعات الغذائية في إسرائيل في جوهرها صناعة محلية، بالإضافة إلى أن عملية التصدير لأسواق بعيدة، أمر صعب جداً خصوصاً المنتجات التي تصنع من مشتقات الحليب.
وبحسب وثائق حصلت عليها "العربي الجديد" من ناشطين في مجال المقاطعة، فإن كل واحدة من الشركات الإسرائيلية الست، التي أعلنت اللجنة الوطنية العليا لمواجهة العقوبات الإسرائيلية عنها، تصدر ما قيمته خمسين مليون دولار للفلسطينيين سنويا، ويترواح إجمالي صادرات الشركات الكبرى مثل تنوفا أو شترواس نحو مئة مليون دولار، وتبلغ نسبة ما يتم تصديره للضفة وغزة من منتجات، من بين إجمالي إنتاج بعض الشركات المستهدفة بالمقاطعة ما بين 25% الى 30% من إجمالي إنتاجها.
لكن لم يكتب النجاح لفرض المقاطعة على الشركات الإسرائيلية، بسبب تراجع الفلسطينيين عن تلك الخطوة، بعد أن حولت إسرائيل أموال عائدات الضرائب تحت ضغط دولي، بحسب خبراء اقتصاديين فلسطينيين.
ويرتبط نجاح أي خطة لمقاطعة إسرائيل، بحسب هؤلاء الخبراء، بالتنسيق مع قطاع غزة التي يصل حجم سوقها، نحو ثلثي ما يستورده الفلسطينيون من إسرائيل من مواد غذائية من أصل 800 مليون دولار سنوياً.
تجاوز أسباب الفشل
يثور تساؤل، حول كيفية إنجاح دعوات المقاطعة التي صدرت خلال الأسبوعين الأخيرين بعد إشعال إسرائيل الأوضاع في القدس والضفة الغربية، وقتل العديد من الفلسطينيين.
يمكن القول إن الأمر مرهون بتجاوز أسباب فشل حملات المقاطعة السابقة، التي اقتصرت جهودها على تنظيم حملات إعلامية طالبت الجمهور وصغار التجار بمقاطعة البضائع الإسرائيلية فيما ظل وكلاء الشركات الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية وقطاع غزة خارج نطاق هذه الجهود، لأسباب كثيرة، أهمها النفوذ السياسي الواسع لأولئك التجار.
وعلى الرغم من أن اتفاقية باريس الاقتصادية، تكبل السلطة الوطنية الفلسطينية، يمكن تجاوز الأمر، إذ نجحت الفصائل الفلسطينية، خلال الانتفاضة الاولى، بفرض المقاطعة على شركات التبغ الإسرائيلية و"تنوفا" كبرى شركات المواد الغذائية الإسرائيلية، ويومها كانت بدائل الفلسطينيين محدودة جداً، وسر النجاح آنذاك، كان توجيه الجهود نحو وكلاء توزيع الشركات الإسرائيلية، بالضفة وغزة، وبالإمكان استيعاب هؤلاء في الصناعة الفلسطينية، لو طُبقت المقاطعة، التي تعد خطوة في صالح المصانع الفلسطينية.
رغم تجريم القانون الفلسطيني، التعامل مع منتجات المستوطنات الواقعة خارج نطاق الخط الأخضر، إلا أن التقرير الأخير الذي صدر عن وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية قبل نحو أسبوع يظهر وجود تجار يهربون بضائع تم إنتاجها في المناطق الصناعية في المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتبلغ قيمة هذه البضائع، عشرات الملايين من الدولارات، وأفاد التقرير الرسمي أنه تم إتلاف بضائع مستوطنات بقيمة 60 مليون شيكل خلال السنوات الخمس الماضية أي ما نسبته 12 مليونا في كل عام.
ويكشف تحليل المعطيات الفلسطينية الرسمية، حول تهريب بضائع المستوطنات إلى الضفة الغربية، عن وجود تجار لا يزالون يهربون هذه البضائع إلى الأسواق الفلسطينية، لكن لا توجد أرقام حول حجم تلك البضائع في الأسواق، علماً أن الجهود الفلسطينية الرسمية في هذا الإطار لا تصل إلى القدس الشرقية التي يصل عدد سكانها إلى 250 ألف نسمة بالإضافة إلى المناطق المصنفة (ج)، بحسب اتفاق أوسلو (تقع تحت السيطرة الكاملة للحكومة الإسرائيلية، وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية، يعيش فيها نحو 189 ألف نسمة)، وهذا يعني أن المعطيات الفلسطينية بهذا الخصوص تقتصر فقط على المناطق (أ) و (ب)، ما يشي بأن إجراءات السلطة الفلسطينية لفرض مقاطعة بضائع المستوطنات ستظل قاصرة ما لم يلجأ الفلسطينيون، إلى العمل الشعبي المنظم، وتتعاون الفصائل، لإنجاح مقاطعة بضائع المستوطنات في المناطق (ج).
12 مليون شيكل
تدفع معطيات وزارة الاقتصاد الفلسطينية، إلى التساؤل: هل ثمة تقدم في إتلاف منتجات المستوطنات؟ بالرجوع إلى تاريخ الحملة الوطنية لمكافحة منتجات المستوطنات التي انطلقت في عام 2010 وحتى 2013، فإن المعطيات الرسمية الصادرة من وزارة الاقتصاد تفيد بأنه تم إتلاف ما قيمته 37.5 مليون شيكل من تلك المنتجات، أي أن بضائع إسرائيلية، بقيمة 12 مليون شيكل، تدخل سنويا إلى أسواق الضفة الغربية، وبالمقارنة مع آخر تقرير لوزارة الاقتصاد، يمكن توثيق عدم وجود تغيير جوهري في حجم البضائع التي أتلفت والتي تقدر بنحو 12 مليون شيكل سنويا.
يؤكد استمرار دخول منتجات المستوطنات، ومحاولات التهريب الدائمة منذ سنوات، وجود مستفيدين من الموضوع، ولا يتجاوز هامش المخاطرة لدى المهربين سوى في مصادرة البضائع المضبوطة، مع حبس لا يتجاوز يومين ودفع غرامة زهيدة، كما يحدث في أغلب الحالات.
يمكن القول إن نجاح حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية أو بضائع المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، لن يكتب لها النجاح على نحو يلحق خسائر جدية بالاقتصاد الإسرائيلي، من دون الاتفاق على برنامج عمل محدد تلتزم بتنفيذه حركتا فتح وحماس وبقية الفصائل والفعاليات الشعبية والمنظمات النقابية، ويتم تطبقيه بالتزامن في قطاع غزة والضفة الغربية سواء في مناطق (أ)، أو (ب)، أو (ج)، وتوجيه الجهود بالدرجة الأولى نحو وكلاء الشركات الإسرائيلية الكبرى من الفلسطينيين.