الموازنة والعزوف عن التمويل تدفعان الزراعة للهاوية
حين نتحدث عن القطاع الزراعي فإننا نتحدث عن قطاع بلغ فيه الإهمال قمته، بدليل أن حصته في الموازنة العامة هي الحصة الأدنى بين القطاعات الأخرى، فلم تصل مخصصات الزراعة إلى 1% من الموازنة العامة.
الجزء الثاني:
الجزء الأول: كيف تراجع القطاع الزراعي من 1993 للعام الحالي؟
تبعا للتقرير المالي السنوي للعام 2014، فقد بلغت الموازنة الفعلية لوزارة الزراعة الفلسطينية (اجمالي النفقات) حوالي 95 مليون شيقل، منها 13 مليون شيقل نفقات تطويرية.
حتى هذا الرقم يصرف بمعظمه كرواتب، فهناك ما يقارب 6 مليون شيقل رواتب وأجور، من أصل ما يقارب 8 مليون شيقل اجمالي نفقات خلال شهر كانون أول 2014. في حين أن رواتب "الأمن والنظام العام" تصل إلى 275 مليون شيقل من أصل 337 مليون شيقل اجمالي نفقات. مع الاشارة الى أن المزارعين مهددون في أراضيهم ولا أمن لهم من هجمات المستوطنين مثلا، فهناك اعتداءات مستمرة على المزارعين دون توفر "الأمن" أو الحماية لهم في ظل موازنة أمن ضخمة كهذه.
وقد بلغت نسبة نفقات وزارة الزراعة 0.68% من اجمال نفقات موازنة 2014.
اما في موازنة 2015 ، فقد ارتفعت موازنة وزارة الزراعة الى 108,976 ألف شيقل وهو ما نسبته 0.76% من إجمالي النفقات العامة، أي أنها لم تصل 1% حتى بعد ارتفاعها.
عزوف عن التمويل
الى جانب ضعف حصة القطاع الزراعي من الموازنة هناك معوقات أخرى أمام الاستثمار في القطاع الزراعي تندرج تحت اطار ضعف التمويل، حيث يقدر الطلب على القروض الزراعية بحوالي 200 مليون دولار بينما المتاح منها لا يتعدى 30% فقط حسب علي غياظة الوكيل المساعد للشؤون الاقتصادية في وزارة الزراعة.
كما أن عدم السيطرة المناطق (جـ) والتي تشكل 61% من مساحة الأراضي الفلسطينية يؤثر على الاستثمار في هذا القطاع، حيث تتركز الأراضي الزراعية في هذه المناطق، والتي يضع الاحتلال القيود على استغلالها.
ويتسم القطاع الزراعي في فلسطين بنسبة المخاطرة المرتفعة الناجمة عن الاحتلال والكوارث الطبيعية. ولعل هذا سبب من اسباب عزوف البنوك عن تمويل القطاع الزراعي، إضافة لغياب أي مؤسسة للإقراض الزراعي.
ويضيف غياظة، بالرغم من وجود قانون تشجيع الاستثمار وقانون درء المخاطر والتأمينات الزراعية إلا أن هناك حاجة للمزيد من التشريعات الجاذبة للاستثمار.
وتعاني البنية التحتية الزراعية أيضا من ضعف كبير من حيث الطرق وشبكات المياه والكهرباء، ما يؤدي لعزوف المستثمرين عن الاستثمار في هذا القطاع.
أسباب التراجع
هناك أسباب أخرى لتراجع دور القطاع الزراعي الانتاجي وهي كما يرى غياظة تتمثل في الصعود لبعض القطاعات الأخرى على حساب القطاع الزراعي كالسياحة والصناعة، والتشوهات الناجمة عن الاحتلال سواء من حيث الاعتداءات على المزارعين، ومصادرة الأراضي أو تجريفها وحرق الأشجار أو خلعها والاعتداء على الصيادين وتحديد مساحة الصيد البحري في قطاع غزة وإغراق الأسواق بالبضائع الاسرائيلية إضافة إلى تهجير البدو وما اضافه جدار الفصل العنصري من معيق، والطرق الالتفافية التي تمنع وصول المزارعين إلى أراضيهم.
اضافة الى التحكم في دخول مستلزمات الانتاج الزراعي للأراضي الفلسطينية من قبل الاحتلال ومنع العديد منها بحجج واهية وبالتالي ارتفاع أسعار تلك المستلزمات.
كما أن للتغير المناخي والجفاف دور في ذلك. كما ان عزوف الشباب عن العمل بالزراعة والبحث عن فرص عمل أخرى إما لأسباب اجتماعية أو لضعف التمويل له دور كبير في هذا التراجع.
ويأتي بعد ذلك عامل تراجع المساحة الزراعية بفعل التمدد العمراني من قبل المواطنين ومصادرة مساحات زراعية واسعة من قبل الاحتلال، كذلك عامل عدم السيطرة على المعابر مما يعيق حرية الحركة للبضائع والأفراد.
مقترحات وحلول
أهم خطوات انعاش القطاع الزراعة تبدأ من الموازنة، ثم زيادة مساحة الأراضي المستصلحة للزراعة وعدم التعدي على الأراضي الزراعية. والعمل على زيادة وفرة المياه المخصصة للزراعة حيث أن إسرائيل تسيطر على ما نسبته 85% من مصادر المياه وأنه رفع القيود من طرف الاحتلال عن الوصول إلى حصتنا من المياه والتي إن تحققت سوف توفر 110 آلاف فرصة عمل وتزيد نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الاجمالي إلى 10% أو أكثر. والعمل على إنشاء شركة تسويق وطنية تتولى موضوع تسويق المنتجات الزراعية ولاسيما تصديرها للخارج، هذا ما اقترحه غياظة.
وأضاف أن هناك ضرورة لاتاحة المجال أمام المستثمرين من فئة الشباب والعاطلين عن العمل والأسرى المحررين لاستئجار أراضي حكومية صالحة للزراعة أو أراضي أوقاف. واعتماد قانون مؤسسة الاقراض الزراعي كي يتم العمل على اخراج مؤسسة الاقراض الزراعي إلى حيز الوجود. ورفع كافة أشكال الضريبة عن الدخل المتأتي من العمل في القطاع الزراعي. وفتح أسواق خارجية أمام السلع الزراعية الفلسطينية وخصوصاً في دول الاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها.
وعلى جانب الاحتلال يجب الضغط عليه لرفع القيود عن إدخال مستلزمات الانتاج النباتي والحيواني والبيطري من حيث الكمية والنوعية. وعقد اتفاقيات تجارية ثنائية مع الدول الأجنبية لتسهيل التصدير إليها. والعمل على دخول السلع الزراعية الفلسطينية للأسواق العربية معفاة من الرسوم.