في غزة.. دعم للهبة وإهمال لسلاح المقاطعة
تلقى الهبة الجماهيرية المستمرة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع أكتوبر الماضي دعما شعبيا هائلا في قطاع غزة دفاعا عن القدس المحتلة والمقدسات، لكن هذا الحال لم ينعكس على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
غزة- إسلام راضي- بوابة اقتصاد فلسطين
يزدحم مول "الاندلسية" الذي يعد من أكبر متاجر قطاع غزة بمئات الأصناف من المنتجات الإسرائيلية، التي لم يقل الإقبال على شرائها مع تصاعد أحداث الهبة الجماهيرية والعمليات الفردية في الضفة الغربية على مدار الأسابيع الأخيرة.
ويقول المسئول في المول محمد صلاح لبوابة اقتصاد فلسطين، إنه لم يلحظ أي تراجع في الإقبال على المنتجات الإسرائيلية منذ اندلاع الهبة الجماهيرية ، مقدرا بأن الاستجابة لحملات المقاطعة "ضعيف جدا" من المواطنين.
ويرى صلاح أن حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية تفتقد للترويج الإعلامي والشعبي الذي يلقي استجابة من المواطنين، لكنه يشدد على أن جودة المنتج الإسرائيلي العالية مقارنة بالمنتج تفسر إقبال المواطنين.
خفوت بريق المقاطعة
ويظهر قطاع غزة منخرطا في الهبة الجماهيرية الحالية في الضفة الغربية منذ اندلاعها خصوصا في المواجهات المتكررة مع القوات الإسرائيلية عند السياج الفاصل أو في المتابعة الإعلامية المكثفة للتطورات الميدانية.
وفي خضم النقاش بشأن تطوير هذا الانخراط من قطاع غزة في تطوير الهبة الشعبية الحاصلة ودعم استمرارها، فإن لجان ومبادرات شعبية تلوم بشدة خفوت بريق حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية رغم ما لها من تأثير شعبي هائل.
ويقول المسؤول عن حملة "بادر" لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية القيادي في المبادرة الوطنية في غزة عبدالله أبو العطا إن "مقاطعة المنتجات الإسرائيلية هي أحد أهم أشكال المقاومة الشعبية في سبيل ايلام الاحتلال وجعله يخسر اقتصاديا".
ويضيف أبو العطا لبوابة اقتصاد فلسطين، أن أي منتجات ينتجها الاحتلال لها بديل محلي ومنتج ووطني يوازيها وهو ما يتطلب تفعيل حملات شعبية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وأن لا يكون الإقبال عليها داعما للاحتلال وسياساته".
أسباب
ويقر أبو العطا بأن المستوى الراهن لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في قطاع غزة "ضعيف ولا يرقى للمستوى المطلوب والطموحات"، عازيا ذلك بشكل رئيسي إلى الحصار المفروض على القطاع منذ منتصف عام 2007.
ويوضح أن "قطاع غزة يختلف عن الضفة الغربية في أنه يعاني حصارا مشددا وتعرض لعدة حروب إسرائيلية دمرت بنيته الاقتصادية التي كانت تنتج بدائل محلية، إلى جانب ما يصفه "شجع التجار" وسعيهم لتحقيق أكبر الأرباح دون اعتبارات أخرى.
كما أنه يحمل السلطات الحكومية في غزة المسئولية عن ضعف المنتج المحلي وسعيه لمنافسة المنتج الإسرائيلي "بسبب ما تفرضه من ضرائب مستمرة فيما دعمها للاقتصاد الوطني ومنتجاته ضعيفة جدا".
ويشير أبو العطا إلى أن حملة بادر تعمل عبر أدوات إعلامية وشعبية مختلفة سعيا لتفعيل حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بما في ذلك إقناع التجار بشكل أساسي على توفير المنتج المحلي للمواطن
ليتخلى عن المنتج الإسرائيلي.
ويرى أن تفعيل المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية "يعتمد على فكر الشخص نفسه وثقافته بعيدا عن اعتقاد البعض بأن هذه المنتجات هي أكثر جودة وبالتالي المسألة تحتاج لجهد وطني كبير وتعزيز ثقافة المقاطعة وجدواها ونتائجها المرجوة".
لا للدم المجاني نعم للمقاطعة
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي من غزة هاني حبيب أن مساهمة قطاع غزة في دعم الهبة الجماهيرية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين يجب أن تتوقف عن "الدم المجاني" الذي يتم تقديمه في المناطق الحدودية بلا جدوى.
فقد استشهد 15 شابا وأصيب عشرات آخرين بالرصاص الحي والمطاطي من قطاع غزة منذ بدء الهبة الجماهيرية مطلع أكتوبر الماضي برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مظاهرات في المناطق الشرقية لقطاع غزة.
ويشير حبيب إلى أن ساحة قطاع غزة تختلف كليا عن الضفة والقدس والمطلوب تصعيد الدور الشعبي بكافة أشكاله بشكل واعي ومدروس وفي مقدمة ذلك تصعيد حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
ويشدد حبيب على أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية هي "سلاح فعال جدا في الدعم الشعبي للهبة الجماهيرية الحالية لدورها في خسارة الاحتلال اقتصاديا مع ضرورة أن تتعدى فلسطين إلى الأسواق العربية والخارجية.
ويدخل إلى قطاع غزة حوالي 600 شاحنة يوميا من إسرائيل محملة بأصناف مختلفة من المواد الغذائية ومواد الخام ومختلف المواد بما فيها مواد البناء سواء للمتضررين أو للمشاريع الدولية.
الدور الحكومي
تؤكد وزارة الاقتصاد في قطاع غزة على لسان مدير العلاقات والإعلام فيها طارق لبد، أنها تعمل منذ عدة سنوات على ترسيخ مفهوم احلال الواردات عبر دعم المنتج المحلي وتوفير سبل النجاح له.
ويشرح لبد لبوابة اقتصاد فلسطين، أن الوزارة تفرض رسوما إضافية على المنتجات المستوردة من الاحتلال الإسرائيلي وتمنع دخول منتجات أخرى وذلك دعما للمنتج المحلي ورفع قدرته على المنافسة.
لكن لبد اشتكى من أن بطش الاحتلال بالمرافق الصناعية والتجارية واستهداف أكثر من 1500 مصنعا خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة صيف العام الماضي واستهداف أكثر من 4000 منشأة تجارية أثر بشكل كبير على سياسة النهوض بالمنتج المحلي وقدرته على المنافسة.
ولا يوجد رقم مالي محدد لدى وزارة الاقتصاد بشأن الحجم المالي لما يتم استيراده من منتجات من إسرائيل إلى قطاع غزة، فيما هي تلقي باللائمة على واقع الاعتماد الكبير على المنتجات الإسرائيلية على اتفاقية "باريس" الاقتصادية.
عوامل لنجاح حملات المقاطعة
يؤكد مسئول الإعلام في الغرفة التجارية في قطاع غزة ماهر الطباع لوابة اقتصاد فلسطين، أن حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية لم تصل إلى حجم التأثير الفعلي على الاقتصاد الإسرائيلي كونها موسمية وتعتمد على ردود الفعل.
ويشدد الطباع على أنه "لتحقيق نتائج مرجوة من حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية يستوجب تبنيها كسياسة واستراتيجية حكومية وأن تحظى بالاهتمام والدعم الشعبي الإعلامي والحكومي بشكل مستمر وليس فقط موسميا".
وينبه إلى ضرورة تفعيل حملات الوعي الإعلامي وتحفيز المستهلك على شراء المنتجات الوطنية التي سوف تساهم في تحقيق زيادة الانتاجية وتحقيق الأرباح للشركات الخاصة والمساهمة في تشغيل أكبر قدر من العاملين والحد من البطالة.
ويلفت إلى أن دولة الاحتلال تتأثر بالمقاطعة المحلية الفلسطينية خاصة أن السوق الفلسطيني يعتبر السوق الثاني للسلع والمنتجات الإسرائيلية، وتقدر قيمة المشتريات الفلسطينية من دولة الاحتلال بحوالي 3.5 مليار دولار سنويا.
ويشترط الطباع لنجاح حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية النهوض بالقطاع الصناعي وإعادته للنمو وتوفير الدعم الحكومي له والحوافز مثل الإعفاءات الضريبية للمنتجات الوطنية إلى جانب تطوير المدن الصناعية القائمة وإقامة مدن صناعية جديدة ضمن حوافز استثمارية عالية لتشجيع الصناعة والمساهمة في حل مشكلة البطالة.
كما يؤكد ضرورة تفعيل دور مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية على المنتجات الوطنية لرفع جودتها، وتبنى حملات توعية لأهمية المنتج الفلسطيني في دعم الاقتصاد الوطني، ودعم مشاركة الصناعات المحلية في المعارض العربية والدولية، إضافة إلى اعتماد المنتج الوطني في كافة المناقصات والعطاءات الحكومية ومنحه الأفضلية.