البلاط الشامي في نابلس إرث تاريخي ومخاوف من الإندثار
كل قطعة بلاط لوحة فنية بذاتها، تلمح بألوانها وزخارفها المتقنة رونق الماضي وجمالا يُصنع يدويا قطعة بقطعة، بأيد ماهرة فالمصنع الوحيد في فلسطين وربما في الشرق الأوسط للبلاط الملون.
بكر عتيلي- بوابة اقتصاد فلسطين
أسس المصنع في نابلس عام 1939 حيث كان آنذاك يصنع البلاط الملون في أكثر من مدينة فلسطينية منها يافا وحيفا وعكا. لكنه الآن بات وحيدا بعد أن انكمشت هذه الصناعة اليدوية وازداد إقبال الناس على البلاط الجاهز الأقل ثمنا.
إرث الأجداد وتاريخ عريق
"ورثت هذه الصنعة عن والدي الذي ورثها عن جده وعمرها قرابة 130 عاما في بلادنا" يقول جلال أصلان الذي ما زال يحافظ على إرث أبائه في صناعة البلاط التقليدية اليدوية في مشغله وسط نابلس.
ورغم أن البلاط الملون الذي يعرف "بالبلاط الشامي" يعتقد أنه جاء من الشام إلا أن مصادر تقول أنها صناعة فرنسية، وهذا ما يرجحه أصلان "أصل البلاط الملون صناعة فرنسية قدم مع الاستعمار الفرنسي لبلاد الشام".
وفي المشغل يعمل صُناع منذ أكثر من ستين عام، إضافة لصناع جدد من الشباب الذين تعلموا الصنعة ليستطيع المشغل الاستمرار.
ويشير أصلان إلى أن مصنعه هو الوحيد لصناعة البلاط التقليدية في منطقة الشرق الأوسط ، وهي صناعة يدوية كما كانت منذ مئة عام وكا تطور هو استخدام مكابس تعمل بالكهرباء بدل الكبس اليدوي.
"ميزة هذا البلاط أنه معمر حيث أجرينا فحص على عينات منه وقدر نظام الفحص عمر البلاطة الافتراضي بـ 500 عام ويمكن ملاحظة ذلك من خلال زيارة المنازل في البلدة القديمة في نابلس والقدس" يضيف أصلان.
انتاجية محدودة
وتمر صناعة البلاط التقليدي الملون بمراحل عديدة حيث يبدأ العامل برسم النقش بالألوان ما يشبه عمل الرسام، ثم يقوم بملئ القالب بمواد صلبة من الإسمنت والحجر المطحون ومن ثم كبسها بواسطة مكبس كهربائي لتخرج لوحة فنية فائقة الجمال.
ورغم أن ما يعرف ببلاط أصلان الفلسطيني ينتج أكثر من 500 شكل من البلاط الملون لكن إنتاجيته محدودة بحيث لا تتجاوز 30 مترا مربعا من البلاط يوميا.
يقول أصلان: "الرسومات تاريخية وقديمة والنقش الجديد عمره قرابة 100 عام، ولدينا القدرة على عمل الأشكال والألوان حسب الطلب ولكن عمل الشكل الواحد الجديد يكلف كثير من المال والجهد".
ويرى أصلان أن محدودية الانتاج تأتي تبعا لاحتياج السوق ويقول "هناك معلومة أن هذه الصناعة انقرضت وليست موجودة وزبائننا هم فقط المعنيين بهذا التراث الذين يستطيعون الوصول الينا".
ويضيف أصلان: "القدرة الانتاجية للمشغل قرابة 30 مترا من البلاط الملون ولدينا القدرة على تطويرها ولكن نحن ننتج حسب حاجة السوق".
ويسوق مشغل أصلان منتجه الفريد في الضفة الغربية للمنازل ولترميم المواقع والقصور الأثرية ويقوم أيضا بالتصدير إلى الأردن والإمارات والداخل الفلسطيني.
ويبلغ متوسط سعر المتر المربع الواحد من البلاط الملون 140 شيقل فيما تبلغ تكلفته قرابة 90 شيقل بين مواد خام وأجرة عمالة، ويعيل المشغل بحسب أصلان من 15 الى 20 عائلة نابلسية.
مخاوف من الاندثار
وعبر أصلان عن خوفه الشديد من اندثار هذه الصناعة التقليدية وخاصة أن آفاق تطورها محدودة ، موضحا أن " أفق تطوير هذه الصناعة محدود لمحدودية الطلب على البلاط التقليدي، بالاضافة الى أن هذه الصناعة التقليدية في حال تم تطويرها تصبح غير تقليدية كما هو في فرنسا بحيث أصبحت الصناعة بواسطة الحاسوب وليس يدويا مما أفقدها رونقها وجودتها".
وتابع: كل ما نفعله هو محاولة الاستمرارية بهذه الصناعة التاريخية رغم قلة مردودها في الوقت الحالي.
وحول المشاكل التي يواجهها أصلان قال: "نواجه مشكلة في التصدير لعدم قدرتنا على الحصول على شهادة المنشأ من قبل وزارة الاقتصاد بسبب عدم اعطاءنا رخصة حرف وصناعات من بلدية نابلس وذلك لوجود المصنع داخل الحدود البلدية وحصلنا على رخصة مشغل".
ويتابع: طلبت منا وزارة الاقتصاد تجديد عقد الايجار وهذا شيء مستحيل لأن الورثة لا يمكن الوصول اليهم بسهولة فمنهم من مات ومنهم من هو خارج فلسطين ولم تقبل الوزارة ترخيص المصنع استنادا الى الوثائق الموجودة حاليا.
ويؤكد أصلان رفضه لعرض اسرائيلي بنقل المصنع الى مدينة يافا المحتلة عام 1948 قائلا: تلقيت عروضا كثيرة من قبل رجال أعمال اسرائيليين لنقل المصنع الى يافا ولكني أرفض ذلك لأنني أعتبر أن بلدي أولى بهذا المصنع. وكل ما أحتاجه هو دعمي من خلال تسهيل اصدار شهادة المنشأ للقدرة على التصدير للخارج.