تقرير: الاقتصاد الفلسطيني يتآكل وتزايد الفقر والبطالة
كشف تقرير صادر عن البنك الدولي أن تنافسية الاقتصاد الفلسطيني ما زالت تتآكل تدريجياً منذ إبرام اتفاقات أوسلو، ولا سيّما في قطاعيْ الصناعة والزراعة.
قال التقرير إنه على الرغم من أن المعونات التي تُقدّمها الجهات المانحة قد عملت على زيادة الخدمات التي تُموِّلها الحكومة الفلسطينية، وعلى مؤازرة النّموّ الذي يُحرّكه ويقوده الاستهلاك خلال الفترة من 2007 – 2011، إلا أنّ هذا النموذج من النمو قد أثبت أنّه يفتقر إلى الاستدامة.
نصيب الفرد يتقلص
ويتابع التقرير بأن الدّعم الذي يقدّمه المانحون تراجع بشدة خلال السنوات الأخيرة؛ ومن الطبيعي القول بأنّ المعونات لا تستطيع أن تَسُدَّ النّقص في استثمارات القطاع الخاص، التي لا تفي بالغرض. لذلك فقد بدأ النمو بالتّباطؤ منذ عام 2012، فتقلّص الاقتصاد الفلسطيني في عام 2014 بعد أن وضعت الحربُ أوزارها في قطاع غزة. وفي أوائل عام 2015، كان مستوى النّاتجُ المحليّ الإجماليّ لا يزال أدنى من المستوى الذي بلغه قبل عام. فنظراً للنمو السكاني، ما زال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي آخذاً في التّقلّص منذ عام 2012.
فقر وبطالة
وأشار التقرير إلى أن مستوى البطالة ظلّ مرتفعاً، ولا سيّما في أوساط الشباب في قطاع غزة، حيث تجاوزت نسبة البطالة بينهم الـ 60 في المئة، وحيث تعيش نسبة 25 في المئة من الفلسطينيين، في الوقت الحاضر، تحت خط الفقر.
وبالرغم من الجهود المتواصلة للسلطة الفلسطينية في عملية الاصلاح، الا ان هذه الجهود لم تمنع ظهور فجوة مالية في ميزانية السلطة للعام 2015 في ظل ضعف النمو الاقتصادي، وانخفاض المعونات من المانحين، والتّعليق المؤقّت من جانب الحكومة الإسرائيلية لعملية تحويل الإيرادات التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية. ويُحتَمَلُ أن تؤدِّي استمرارية هذا الوضع إلى اضطرابات سياسية واجتماعية. وباختصار، فإنّ الوضعَ الرّاهن يفتقر إلى الاستدامة، وقد يؤدي الى اندلاع المزيد من الصّراع والاضطرابات الاجتماعية.
المستوى سيبقى متدنٍ
وقال التقرير: "إن مستوى أداء الاقتصاد الفلسطيني سوف يبقى أدنى من طاقاته الكامنة إلى أن يتمّ إبرام اتفاق سلام. يُشكِّلُ انعدام الاستقرار السِّياسي خطراً كبيراً على المستثمرين من القطاع الخاص، ويُعتَبَرُ سبباً رئيساً يُفسِّر أسباب بقاء مستويات الاستثمار من جانب القطاع الخاص متدنيةً جداً لعديد السنوات. وإذا ما استمرّ الوضع الرّاهن على ما هو عليه حاليّاً، فإنّ الاستثمارَ من قبل القطاع الخاص لن ينتعشَ، وإنّ هذا القطاع، الذي ينبغي أن يكون المحرِّك الرئيس للنّموّ المستدام، سوف يستمرّ في الأداء بمستويات أدنى بكثير من طاقاته الكامنة".
وتابع: "كذلك فإنّ الانقسام الفلسطيني الداخلي، بين الضفة الغربية وقطاع غزة، يخلق صعوبات لمستثمري القطاع الخاص الذين يضطرُّون للتّعامل مع إطارين تنظيميّين، ونظامين منفصلين للضرائب في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة. بَيْدَ أنّ الافتقار إلى الأُفق السِّياسي، يجب أن لا يؤدِّي بالطرفين إلى تقبل الوضع الحالي. فَثَمّةَ الكثيرُ من الإجراءات التي يُمكن اتّخاذها، حتّى قبل التّوصل إلى صفقة سلام نهائي، والتي من شأنها أن تعمل على تحسين مستوى التنمية الاجتماعية - الاقتصادية للفلسطينيين. فهذه الإجراءات ضروريّةٌ، لا للتّنمية الاقتصادية فحسب، بل لعملية السّلام أيضاً، نظراً لأنّ التجربة الدولية قد اثبتت ان التّنمية الاقتصادية تُفضي إلى السّلام".
الحلول
وجاء في التقرير إنه من الممكن للاقتصاد الفلسطيني تجاوز التّوقعات المفترضة، حتّى من دون إبرام صفقة سلام نهائية، إذا ما جرى تنفيذ الاتفاقات النّافذة، ورفع القيود المفروضة. فعلى سبيل المثال، فإنّ اتفاقية أوسلو تنبّأت بحدوث انتقال تدريجيّ للمنطقة المصنّفة 'ج' إلى السيطرة الفلسطينية، ولكن ذلك لم يحدث بعد.
وتُبيِّنُ تقديرات البنك الدولي بأنّ إتاحة الإمكانية للاستفادة من المنطقة المصنّفة 'ج' (ما عدا المناطق الخاضعة لمفاوضات الوضع النهائي) من شأنها أن تزيد حجم الناتج القومي الفلسطيني بالثلث تقريباً، وتُخفِّضَ العجز لدى السلطة الفلسطينية بمستوى النّصف. وبالمثل، فإنّ تحويل الحكومة الإسرائيلية الإيرادات التي تجمعها بالنّيابة عن السلطة الفلسطينية بصورة منتظمة، والتّعاون الوثيق بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بهدف تقليص عمليات التّسرب الضريبي إلى الحدِّ الأدنى تعتبرُ عوامل حاسمةً لضمان القدرة على التّنبّؤ المالي.
إصلاحات
أشار التقرير الى انه "َتعيّنُ على السُّلطة الفلسطينية الاستمرار في الإصلاحات التي تُدخلها على إيراداتها ونفقاتها بهدف تحسين الاستدامة المالية، وتقديم خدمات ذات جودة عالية حتّى في ظلّ السِّيناريو السّياسيّ الراهن. فقد حقّقت السلطة الفلسطينية تقدّماً طيّباً جدّاً على صعيد خفض العجز المالي، وقد أطلقت في الآونة الآخيرة بعض المبادرات الإصلاحية في هذا المجال.
هذه الاصلاحات من شأنها ان تضع الوضع المالي للسلطة على أساس مستدام، وأيضاً أن تُنشئ حيّزاً كافياً في المالية العامة لزيادة المستوى الحالي المنخفض جداً للاستثمار في البنى التّحية العامة، ولتعزيز عملية تقديم الخدمات. ويجب أن يأتي خفضُ فاتورة الأجور على رأس سُلَّم أولويات السُّلطة، الأمرُ الذي يُمكن أن يؤدِّي إلى تحقيق وفورات ضخمة تبلغ في حدِّها الأقصى 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن ثمّة مُتّسَعٌ جوهري كذلك لتحقيق وفورات في الكلفة.
وفي سياق توصياته، أوصى تقرير المراقبة الاقتصادية، المانحين زيادةَ المعونات التي يقدّمونها إلى السلطة الفلسطينية، إلى أن تنطلق استثمارات القطاع الخاص الفلسطيني؛ وذلك نظراً لأنّ الفجوة التّمويلية في موازنة السلطة الفلسطينية لا يُمكِن سدّها من خلال الإصلاحات وحدها.
إعمار غزة
وجاء في نهاية التقرير"إن البُطء في صرف المعونات، والقيود المفروضة على الواردات تؤخِّر عملية إعادة إعمار قطاع غزة، ويجب التّعجيل في التّعامل مع كلتا المسألتين. فمن ما مجموعه (3.5) مليار دولار أمريكي، وهو مجموع المبالغ التي تمّ التّعهّد بالمساهمة بها في مؤتمر القاهرة لإعمار غزة، جرى صرف ما مجموعة (1.23) مليار دولار أمريكي حتى الآن، ما يجعل نسبة الصرف تبلغ مستوى 35 في المئة.
للإطلاع: تقرير المراقبة الاقتصادية المقدم إلى لجنة الارتباط الخاصة التابعة للبنك الدولي