نقص الأدوية في مرافق الصحة: أزمة مالية أم استراتيجية
منذ أكثر من شهر ومراكز الصحة الحكومية تعاني من نقص في الأدوية، اذ وصل عدد الأصناف المفقودة إلى 70 صنف، معظمها من أدوية الأمراض المستعصية والخطيرة كالسرطان والضغط والتصلب اللويحي.
تتكرر أزمة وزارة الصحة سنويا بسبب تأخر الحكومة عن دفع مستحقات موردي الأدوية، لكن هذه المرة نطاق الأزمة أوسع وتفاصيلها معقدة، فاتحاد الموردين لم يتقدم للعطاء المطروح من الصحة أساسا ويصر على عدم أخذ أي عطاء توريد قبل تسديد ديونه كاملة او حتى جزء منها.
حياة المواطن على المحك
اكثر من 350 مريض هيموفيليا يعانون جراء نقص 13 صنف من الادوية. في حين يعاني مرضى الاضطرابات النفسية هم الآخرين الأمرّين جراء نقص 16 صنف، ما يؤثر على صحتهم بشكل مباشر وكبير.
التصلب اللويحي هو ايضا مرض خطير تشهد ادويته انقطاعات متكررة من المراكز الصحية وفي هذه الازمة انقطع تماما.
يقول المدير التنفيذي لاتحاد موردي الأدوية السيد مهند حبش "المشكلة الحقيقية في أدوية الأمراض المستعصية والتي تعد مدرجة في قائمة الحفاظ على الحياة، وأغلب النقص الموجود حاليا منها، واذا لم يتم التعامل معه قريبا سيشهد القطاع الصحي كارثة".
ويتابع: على وزارة المالية ان تدفع مستحقاتنا في أسرع وقت لنستطيع توريد الأدوية.
أزمة متكررة وديون متراكمة
بلغت الديون المتراكمة على وزارة الصحة للموردين 350 مليون دولار، ورغم أن وزارة الصحة تتجاوز ميزانيتها الـ10% أي 1.75 مليار شيكل من الموازنة العامة للحكومة إلا أنه لا يتم تسديد الديون أولا بأول وهذا ما يؤدي إلى تكرار ذات المشكلة سنويا.
ويؤكد حبش أن الحكومة تتعامل مع الموضوع بطريقة ردة الفعل وليس باستراتيجية وخطة ولو تم وضع استراتيجية لقطاع الأدوية لما كنا وصلنا إلى هنا. ويشير إلى أنه ولأول مرة من 20عام لم تشارك الشركات في العطاءات المطروحة من الصحة، وهذا لسبب واحد، وهو عدم قدرتنا على التوريد بسبب تراكم الديون.
وتابع: وفي الاتفاقات الموقعة بيننا كان يجب على الحكومة أن تدفع خلال 120 يوما وهذا لا يحدث وامتدت هذه الفترة إلى 400 يوم في الأعوام السابقة ووصلت في الآونة الأخيرة إلى الدفع خلال 700 يوم وهذه مدة طويلة وفوق طاقتنا.
من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة أسامة النجار: "وزارة المالية مسؤولة عن صرف الميزانية الخاصة بالصحة، لكن ما يتم صرفه هو جزء منها وذلك بحسب توفر الأموال لدى المالية، وهذا ما يسبب الأزمة في كل عام.
ويتابع: اتحاد الموردين يقول إنه لن يدخل العطاء إلا اذا تم تحويل اموال لحسابه، والمتضرر في نهاية المطاف من هذا القرار هو المواطن البسيط، الذي يحملنا المسؤولية لعدم توفير الادوية، وهذا حقه، لكن في الحقيقة المسؤولية لا تقع على عاتق الصحة وحدها .
شركات الأدوية عاجزة.
يقول رئيس اتحاد موردي الأدوية هيثم مسروجي: الشركات المستوردة تدفع الضريبة عند استيراد الأدوية وتعود هذه الضريبة للسلطة خلال شهر واحد فقط، في المقابل نحن نطالب بمستحقاتنا منهم وهم لا يتجاوبون معنا رغم أن تكلفة الأدوية المستوردة من قبلنا لوزارة الصحة لا تتجاوز الـ100 مليون دولار سنويا وهذا المبلغ بالمقارنة مع دوره ووظيفته لا يجوز أن يكون عبئا على أحد.
ويضيف مسروجي "نحن نقترض من البنوك وأصبحنا على حافة الهاوية و ليس لدينا القدرة على الاستيراد، إذ وصل الدين للبنوك إلى 3 أضعاف رأس مال شركات الأدوية، وهذا خطير. ويوجه مسروجي سؤال للحكومة "هل الدواء وصحة المواطن أولوية للحكومة؟".
النجار من جانبه يعلق: "البلد كلها ترقيع والقصة أن وزارة الصحة تطلب من المالية ميزانيتها، لسد احتياجاتها، والمبلغ الذي تستطيع توفيره المالية تدفعه لنا، ولو أن وزارة المالية تملك ما يكفي لكانت أعطتنا القيمة المطلوبة، وما كان هناك ديون، لكن حسب ما بعطونا بندفع".
الحل ليس قريب!
"يبدو أن صحة المواطن ليست من أولوية الحكومة وهذا يبدو جليا عند عودتنا بالنظر إلى الوراء، عندما حصلت أزمة الوقود وارتفعت مديونية الحكومة لشركات الوقود، في ذلك الوقت لم تستمر الأزمة أكثر من يومين وهذا لشيئ غريب بالمقارنة مع أزمتنا الحالية المستمرة من أيام طويلة" يضيف حبش.
ويفيد اسامة النجار أن الازمة قد تستمر لثلاثة أسابيع قادمة ورغم ذلك وخلال هذه الفترة سيتم توريد بعض أنواع الأدوية المهمة .
(نور الدين مرزوق- السفير الاقتصادي)