الدولار في غزة طالع نازل بسبب تلاعب التجار وغياب الرقابة
بلا حسيب ولا رقيب تبدو سوق صرف العملات في قطاع غزة كساحة يتلاعب بها الكثير من التجار ممن يحددون أسعار العملات وفقا لمصالحهم من دون أي التزام بسعر البورصة الرسمي.
إسلام راضي- بوابة اقتصاد فلسطين- غزة
يشتكى مواطنون بشكل مستمر في غزة من أن التذبذب الدائم في أسعار العملات خصوصا الدولار الأمريكي مقابل الشيقل الإسرائيلي يفضي لانتشار ظاهرة "السوق السوداء" لبيع وشراء العملات دون وجود لسعر ثابت يوفر الحماية لهم ويمنع المضاربة.
ويحدث أن يجد المواطنون فرقا في سعر صرف الدولار من منطقة لأخرى ومن تاجر لآخر بنحو 3 إلى 5 شيقل في صرف كل 100 دولار في نفس لحظة البيع والشراء، الأمر الذي يكبدهم خسائر في معاملاتهم سواء كان ذلك بالرواتب أو بالمدخرات الشخصية أو بالمعاملات التجارية.
كما أن أسعار صرف العملات خصوصا الدولار تبقي موسمية لا ثابت لها وتتقلب بين الصعود والانخفاض على مدار الساعة وليس فقط اليوم، إلى جانب أنها قد تشهد اختلافا ملحوظا لمجرد صرف الرواتب أو حلول مناسبة عامة.
مهنة رائجة
وتعد مهنة صرف العملات من بين المهن الرائجة في قطاع غزة إذ تجذب مئات التجار الذين يتوزعون في الأسواق والساحات العامة على مدار ساعات النهار وهم يحملون مبالغ من المال بعملات مختلفة من أجل البيع والشراء.
كما أن شركات ومحلات الصرافة تعد منتشرة بكثرة في قطاع غزة وعادة ما تحظى بتصميم وديكور مميزين، ربما يظهر انجذاب التجار للمهنة وللاستثمار فيها.
وينفى التجار الذين يجدون أنفسهم دائما في موقع الاتهام من المواطنين، مسئوليتهم عن التلاعب الذي يحصل في أسعار صرف العملات ويلقون باللائمة على البنوك وغياب دور سلطة النقد.
ويقر الصراف المتجول في غزة علاء اللوح لبوابة اقتصاد فلسطين بأن أسعار صرف العملات خصوصا الدولار تشهد تلاعبا كبيرا وعادة ما تستند لسعر السوق السوداء وليس البورصة.
ويقول اللوح الذي يعمل في المهنة منذ 10 أعوام "أحيانا نلتزم بسعر البورصة لكن أكثر الوقت نبيع ونشتري بأسعار السوق السوداء لأن ما يحكم صرف العملات في غزة هو حجم العرض والطلب في السوق".
ويضيف "عندما يكون حجم العرض أكبر من حجم الطلب فهذا يؤدي إلى انخفاض سعر الصرف للعملات والعكس صحيح لكن بالإجمال لا يوجد أمر ثابت وهناك تجار كبار يتحكمون بمسار انخفاض وارتفاع الأسعار".
ويعتبر اللوح أن البنوك الرئيسية في قطاع غزة أكثر من يتحمل التلاعب الدائم بأسعار صرف العملات كونها "تحتكر" عملة الشيقل الإسرائيلي وهو ما يكبد المواطنون خسائر متفاوتة.
غياب الشاشة الرسمية
يلاحظ أن البنوك تضع يوميا لوحة تعريفية بأسعار صرف العملات وفق سعر البورصة الرسمي، فيما لا يضع هذه اللوحة باقي التجار في محلات الصرافة الخاصة بهم فضلاً عن عدم الالتزام بها.ويقر زياد حرزالله صاحب مكتب صرافة في منطقة الرمال الرئيسية وسط غزة، أنه لا يعود لأسعار الشاشة الرسمية في تلبية طلبات بيع وشراء العملات بل يحتكم فقط لأسعار السوق الذي يتقلب بحسب العرض والطلب.
ويشير حرزالله لبوابة اقتصاد فلسطين إلى أنه يحدث يوميا أن يكون سعر الصرف خصوصا للدولار أكثر من الشاشة الرسمية وأحيانا أخرى قد بكون أقل منها لكن ذلك لا يثير اعتراض المواطنين الذين اعتادوا على ذلك.
ويعتبر أن في هذا التقلب المستمر لأسعار صرف العملات في قطاع غزة مصلحة لكبار التجار والبنوك ويضر بالمواطنين ويكبدهم في كثير من الحالات الخسائر خصوصا عند صرف الرواتب وحاجتهم لشراء العملات للوفاء بالتزاماتهم المختلفة.
ويلوم تجار في صرف العملات على سلطة النقد في تفاقم واقع تقلب الأسعار في غزة وما يصفونه بالتقصير بتوفير رقابة قانونية وحكومية عن الظاهرة التي يستفيد منها كبار التجار وبعض البنوك في تحقيق أرباح مشتركة.
لكن مصدر في جمعية البنوك في غزة رفض الإفصاح عن اسمه، نفى الاتهامات الموجهة إلى البنوك بهذا الخصوص، مؤكدا أنه ليس هناك ابتزاز للمواطنين لأن أسعار صرف العملات في البنوك موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك رقابة من سلطة النّقد الفلسطينيّة على ذلك.
وعزا المصدر سبب اختلاف سعر صرف الدولار مقابل الشيقل بين البنوك والسوق الخارجية إلى تكدس الدولار النقدي في غزة مما يرهق البنوك نظراً إلى وجود تلك المبالغ الضخمة من الأموال غير المستغلة.
تأثير اقتصادي سلبي
يعتبر المحلل الاقتصادي في صحيفة "الأيام" المحلية في غزة حامد جاد، أن أزمة صرف العملات في القطاع سببها في المقام الأول الاحتكار وتفضيل التجار البيع والشراء في السوق السوداء لتحقيق مكاسب أكبر.
ويقول جاد لبوابة اقتصاد فلسطين إن " تجار العملات في غزة لا يلتزمون بما تعرضه الشاشة الرسمية من أسعار ويلجئون لأسعار السوق السوداء التي يحددها كبار التجار بما يخدم مصالحهم وهو ما يؤثر سلبا على المواطنين وعلى الحركة التجارية بشكل عام".
وفي السياق ذاته يقول مسئول الإعلام في الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع إن مواطني غزة يعانون على مدار سنوات الحصار والانقسام من تبعات أزمة السيولة النقدية وتقلب أسعار صرف العملات بشكل يومي.
ويضيف الطباع بأن التجار ورجال الأعمال في غزة يتأثرون سلبا بارتفاع وانخفاض أسعار العملات الأجنبية خاصة الدولار لعدم وجود عملة فلسطينية للتداول في ظل التلاعب المستمر في سعر الصرف وافتقاد السوق المحلي الدائم لعملة الشيقل بشكل كافي.
ويعتبر الطباع أن "هناك تقصير كبير من قبل سلطة النقد في مراقبة سوق العملات في غزة وهي تفتقد لدور فاعل ينظم العملية ويفرض سعر موحد للصرف بعيدا عن احتكار وتلاعب التجار كما عليها أن تصدر أوامرها للبنوك بضخ عملة الشيقل في السوق وما لديها من عملات وعدم حجبها".
وتراجعت قدرة سلطة عن التحكم بالواقع المصرفي في قطاع غزة منذ بدء الانقسام الداخلي منتصف عام 2007.
وهي سبق أن دعت مرارا أمام الآثار الاقتصادية المترتبة على واقع التلاعب بأسعار صرف العملات، التجار إلى الالتزام بسعر البورصة بعيدا عن أي تلاعب وحذرت المخالفين لكن من دون إجراءات على الأرض في سبيل ذلك.
كما أن سلطة النقد أكدت في أكثر من مناسبة أن الحصار الإسرائيلي على غزة والقيود على حركة المبادلات بين القطاع والضفة الغربية تلقي بظلالها على فروق سعر صرف الدولار بينهما لتصبح نسبة التمايز كبيرة، لأن المصرف المركزي الإسرائيلي يحدد آليات الصرف والسعر.