الرئيسية » دولي »
 
28 آب 2015

الرياح لن تصمد أمام مصادر الطاقة البديلة الأخرى

حين قاس العلماء الألمان الحد الأقصى للطاقة الممكن استخلاصها من مراوح الرياح، أدركوا انها ستخسر السباق في المستقبل أمام مصادر الطاقة البديلة الأخرى.

\

يبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهي مرواح حقول انتاج الطاقة من الرياح، وخصوصًا حينما تكون المسافات بين المراوح قريبة، لأن بعضها يؤثر سلبًا في إنتاجية البعض الآخر. وبعد أن قاس الخبراء قبل سنوات قدرات إنتاج هذه الحقول بنحو 7 واط/متر مربع، توصل خبراء معهد ماكس بلانك الألماني المعروف إلى أن انتاجية هذه الحقول لايزيد في الواقع عن 1 واط/متر مربع.

لا يمكن رفع هذه الإنتاجية في ظل التقنيات السائدة الآن، ومن غير المحتمل أن ترتفع إلى مستوى سد حاجة السوق من الطاقة، ما لم تحدث معجزة تقنية ما تضع أنف طاقة الرياح في مقدمة سباق المسافات الطويلة أمام الطاقة الشمسية وخلايا الوقود والزيت العضوي وغيرها من مصادر الطاقة البديلة.

ويقول خبراء معهد ماكس بلانك إن الرياح في العالم لن تتوقف عن الهبوب، وإن ألمانيا تبني المزيد والمزيد من محطات (حقول) المراوح الهوائية منذ 20 سنة، إلا أن قدرة هذا النوع من الطاقة محدودة، بحسب طريقة حسابية جديدة اعتمدوها. وتحدث العلماء من مدينة ينا (شرق) عن حد أقصى "طبيعي" لإنتاج الطاقة البديلة، لا يزيد عن واط واحد لكل متر مربع، ولا يؤهل هذا النوع من التقنية لسد حاجات البشر مستقبلًا.

معادلة عكسية

قال اكسل كلايدون، الذي ترأس فريق العمل من معهد ماكس بلانك: "هناك نوع من حالة اشباع في إنتاج الطاقة من الرياح، إذ أن إنتاج الطاقة يبدأ بالارتفاع كلما زاد عدد المراوح في الحقل، لكنه يبدأ بالانخفاض عند زيادة عدد المراوح عن حد معين، وهذا يعني أن توسيع الحقول بعدد أكبر من المراوح لن يرفع الإنتاجية العامة وإنما يخفضها، لأن إنتاجية كل مروحة تتأثر سلبًا بانتاج المروحة الأخرى، وهكذا نصل إلى مرحلة انخفاض إنتاجية كل مروحة على حدة".

تنفخ هذه الحقيقة ريحًا معاكسة في أشرعة الطاقة البديلة من الرياح التي تتصدر مصادر الطاقة في ألمانيا. وشكلت الطاقة المنتجة من الرياح في ألمانيا نحو 9% من مجموع الطاقة المنتجة في عام 2014. وتخطط شركة سيمنز الألمانية المعروفة لزيادة إنتاجها من الكمراوح، ومحاولة كسر الرقم القياسي لحجم المراوح السائد في العالم.

توصل اكسل كلايدون وزملاؤه إلى أن انتاج حقل المراوح من الكهرباء لا يزيد عن واط واحد لكل متر مربع، وهذه نتيجة تختلف عن نتائج دراسات أخرى قدرت الحد الأقصى للإنتاج بنحو 7 واط لكل متر مربع.

ويعزو كلايدون هذا الفرق إلى اعتماد فريق عمله طريقة قياس إنناجية الحقل ككل وليس طريقة قياس إنتاجية المروحة الواحدة كما فعل الباحثون من المعاهد الأخرى، إذ اتضح أن انتاجية الحقل تنخفض كلما زاد عدد المراوح وزاد معه عدد المؤثرات الأخرى التي تقلل الإنتاجية.

مراوح تعرقل أخرى

يضيف كلايدون: "من الواضح أن شفرات المراوح تصد الهواء عن المراوح التي تقع خلفها في مواجهة الرياح، وهذا أول العوامل الطبيعية التي تؤثر سلبًا، وينبغي حساب قور الرياح من فوق إلى أسفل، وهنا عمل العلماء على محاكاة العملية على الكومبيوتر على مساحة 100 ألف كيلومتر مربع من مساحة ولاية كنساس الاميركية الغنية بالرياح".

وتوصل العلماء إلى أن حقل المراوح يستفيد فقط من 26% من قوة الرياح في الأعالي، في حين يتسبب زحام المراوح في هدر 40% من قوة هبوب الرياح الطبيعية.

نشرت دراسة معهد ماكس بلانك في المجلة العلمية الاميركية "بروسيدنغ" وشارك فيها علماء من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. وبحسب مصادر كلايدون، هذه الحال تنطبق أيضًا على حقول مراوح الهواء على الشواطىء، وتلك المقامة في عرض البحر أيضًا، رغم أن قوة هبوب الرياح ووقت هبوبها هنا أكبر. وتم تطبيق طريقة الحساب على أراضي ألمانيا، وعلى شواطئها، وكانت النتيجة مماثلة للدراسة الأخرى.

المساحات السكانية

القضية الأخرى التي تحدد مستقبل الطاقة من الرياح هي قضية المساحة التي تحتلها قياسًا بالمساحات السكانية. فهذه المساحات محدودة، وسبق للحكومة الألمانية أن حددت المساحات المحتملة والمناسبة لاقامة حقول مراوح الهواء بنحو 49500 كم مربع في العام 2013، وهذا يشكل نحو 14% من المساحات المتوفرة في ألمانيا. هذا يعني ضعف إمكانية زيادة عدد المساحات واستخدام حقول أصغر، ولا يعد بمستقبل لا يتعارض مع القوانين التي تحدد مساحات السكن والمساحات الزراعية.

المشكلة الأخرى هي انتفاضة انصار البيئة انفسهم، وجمعيات الرفق بالحيوان، بالضد من بناء المزيد من مراوح الهواء، وخصوصًا الكبيرة منها. وإذ ترى بلديات المدن أن حقول المراوح تفسد جمال الطبيعة، يرى أنصار البيئة أن الضجيج الذي تطلقه المراوح يضر بالبشر والحيوان والبيئة البحرية والبرية. وتقف جمعيات الرفق بالحيوان ضد بناء المراوح الصغيرة بسبب تعرض آلاف الطيور للموت سنويًا بين ريشاتها.

نكسة ممكنة

تعاملت الصحافة الألمانية مع التقرير كنبوءة اقتصادية سيئة، لأن قطاع إنتاج الطاقة من الرياح وقطاع إنتاج وتطوير مراوح الهواء في ألمانيا قطعا شوطًا كبيرًا في العشرين سنة الأخيرة. إذ تتصدر ألمانيا أوربا في مجال انتاج الطاقة من الرياح رغم أن الدول الاسكندنافية هي صاحبة الأرقام القياسية في أكبر حقول المرواح واكبر هذه المراوح.

ويجري في ألمانيا انتاج 44% من طاقة الهواء المنتجة سنويًا على المستوى الأوروبي. وتقول دائرة البيئة الاتحادية إن ألمانيا تصدرت أوروبا في بناء المحطات الجديدة حيث شيدت 44% من هذه المحطات في العام 2014 على الأراضي الألمانية.

وهناك في ألمانيا اليوم أكثر من 25 ألف محطة لإنتاج الطاقة من الريح يشكل انتاجها 9% من إجمالي الطاقة المنتجة. وبلغ إنتاج هذه المحطات مجتمعة في العام السابق نحو 50 تيراواط ساعة، ويشغل قطاع إنتاج الطاقة البديلة من الريح نحو 138 ألف مهندس وموظف وعامل، وأصبح بالتالي من أكبر أرباب العمل في ألمانيا.

(ماجد الخطيب، إيلاف)

مواضيع ذات صلة