أحمد القواسمي.. يقلب موازين صناعة الذهب في فلسطين
ازدهرت صناعة الذهب في فلسطين مؤخرا لتغطي حوالي 90% من حاجة السوق بعد أن كانت تغطي 10% فقط. وتصنع الخليل من خلال 56 مصنعا حوالي 60% من الذهب الفلسطيني. ومن أكبر هذه المصانع وأقدمها مصنع القواسمي.
بوابة اقتصاد فلسطين| حسناء الرنتيسي، في قلب مصنع القواسمي للذهب يجلس ذلك الرجل المتزن على كرسيه في قلب الطابق الأرضي، ليستقبل زواره وزبائنه، ويدير مصنعا استطاع بسنوات قليلة أن يحتل مكانه على عرش مصانع الذهب في فلسطين.
يرسم شعره الأبيض ملامح عمره التي تخفيها حيويته ورزانته، تلك الانامل جسدت ذوقا وفنا في صياغة المجوهرات لتنقل الريشة فيما بعد لأنامل أخرى تضخ مزيدا من الدماء الشابة في مصنعه الكبير.
اختيار مدروس
لم يختر أحمد القواسمي، صاحب مصنع الذهب في الخليل ذلك التخصص بعشوائية، فبعد انهائه مرحلة الثانوية العامة اشتعل تفكيره للبحث عن صنعة تضعه في وقت قياسي على سلم النجاح والقيادة.
وأخيرا وجد أن صياغة الذهب هي التخصص الذي يروق له، خرج القواسمي من مدينته متوجها لإيطاليا عام 1984 ليدرس صياغة الذهب، فاختار إيطاليا ذات المعاهد الكثيرة والمصانع المتخصصة في صناعة الذهب.
علم وعمل بالتوازي
قضى القواسمي خمس سنوات ما بين التعليم والعمل، دمج بينهما بفن ليخرج بشهادة وخبرة معا تمكنانه من استثمار غربته واختصار السنوات التي يمكن أن يحتاجها ليكوّن مستقبله ويضع أعمدة حلمه.
بينما كان يدرس في معهد متخصص بصياغة الذهب مارس العمل المجاني في بداية مشواره المهني في مدينة فلورنس الإيطالية، ليقوم بعدها بفتح شركة بشراكة أصحاب معرفة بالسوق الايطالي، كان عمره في ذلك الوقت ما يقارب الخمسة والعشرين عاما فقط.
الشركة الصغيرة التي كبرت على يديه وشركائه وجب عليها الرحيل لأرض الوطن، وهنا عمل القواسمة على فض شراكته بائعا كل شيء ليشتري المعدات والأجهزة التي تلزمه في شركته التي كان ينوي إقامتها في مدينة الخليل.
الحلم بات حقيقة
عام 1994 تمكن القواسمي من إقامة مصنعه على أرض مدينة الخليل، ليبدأ بعدها مشوار طويل من الجد والتعب لإكمال محطات حلمه.
نظرا لعدم وجود المتخصصين في مجال صياغة الذهب في فلسطين، تضاعف الجهد المطلوب لتأسيس طاقم قادر على إدارة المصنع، وهنا بدأ القواسمي بتدريب الموظفين واحدا تلو الآخر، حتى تمكن من تدريب مجموعة قادرة على تدريب بقية الموظفين الذين أصبح عددهم الآن 33 موظفا.
الموظف أولا
يضع القواسمي موظفيه في سلم اهتماماته، يقول "كانت صناعة الذهب قديما تقتصر على الأب والابن، وكان يفضل صاحب المصنع أن يكون انتاجه قليلا على أن يحضر المزيد من الموظفين نظرا لدقة المهنة ولعدم وجود الأمن، لكن حاليا هناك انفتاح على توظيف الشباب بحسب خبراتهم ورغبتهم في التعلم".
ويبدي القواسمي اهتماما كبيرا بموظفيه، تظهر ملامحه حين تستقبلك صور الموظفين الشامخة على احدى جدران المصنع في مكان استراتيجي فيه، يقول "بالعادة يضع اصحاب المصانع والشركات صورهم، لكني أفضل وضع صور موظفي مصنعي ولا اضع صورتي لاني اعرف ان نجاحي يكون بهم".
خط تنقية وحيد من نوعه
مصنع القواسمي أصبح من أوائل مصانع الذهب في فلسطين، فيه من التميز ما يمكن اعتباره الأول فلسطينيا، رغم انه يرفض هذا الوسم متواضعا. حيث يوجد به خط تنقية معدن الذهب، وهو الخط الوحيد في فلسطين، فمن عدة أشهر ليس إلا كانت المصانع الفلسطينية ترسل الذهب لاسرائيل ليتم تنقيته، لكن بوجود الخط الجديد في مصنع القواسمي تم الاستغناء عن إسرائيل، وأصبح بامكان كافة المصانع تنقية ذهبها فيه، ما وفر عليها التكاليف والوقت والخطورة في نقل الذهب.
يفخر القواسمي بأن من بين من دربهم من أصبحوا أصحاب مصانع في فلسطين، يقول "هناك 5 مصانع أصحابها هم من تلاميذي وأفخر بهم". كما أن من بين موظفيه من يعمل معه منذ 17 عاما وأكثر، ويعتبر هؤلاء ساعده الأيمن في مصنعه.
أبواب المهنة مفتوحة
أما رواتب موظفيه فهي ما بين 2500 شيقل- 6000 شيقل، ومن هنا ينصح القواسمي الشباب لطرق أبواب هذه المهنة، داعيا هؤلاء للتوجه مباشرة للتدريب في المصانع الفلسطينية واكتساب الخبرة دون الذهاب للدراسة في الخارج لاختصار التكاليف والوقت اللازمين، مشيرا إلى أن التواصل مستمر ما بين مصنعه والمصانع الإيطالية التي تقدم دعمها لمصنعه وللمصانع التي تواجه مصاعب أو عقبات في عملها.
وأوضح القواسمي أن هناك عملا جار على استحداث تخصص صياغة المجوهرات في جامعة بوليتكنك فلسطين، لتعليم صياغة الذهب، ناصحا الشباب باستغلال حاجة السوق لهذا التخصص نظرا لقلة الكوادر فيه، ونظرا لحاجة السوق الفلسطيني لصياغة الذهب.
قلب الموازين..
يفخر أحد موظفي القواسمي بمديره قائلا "هذا الإنسان أحيا روح صناعة الذهب في منطقتنا، فقد كان إنتاج الذهب قبل قيام مصنعه في فلسطين 10%، والاستيراد 90%، إلا أن قدومه لفلسطين وخبرته التي غذا بها المنطقة دفعت لانقلاب الموازين ليصبح التصنيع المحلي 90% والمستورد 10% فقط".
القواسمي عاد وأكد جودة ونقاء الذهب الفلسطيني، داعيا للثقة والاطمئنان تجاه ما هو مطروح في السوق من الذهب الفلسطيني المصنع بأيد ماهرة وبأحدث الآلات وبإشراف وتدريب أمهر الخبراء من الخارج.