الرهن العقاري فلسطينيا: تجربة تنمو بحذر
لا يزال الرهن العقاري حديث عهد في فلسطين إلا أن له صدى واسع في الأوساط الاستثمارية الفلسطينية، وبدأت تظهر ملامحه بقوة في الآونة الأخيرة. فقد أبصرت أولى شركات الرهن العقاري النور منذ نهاية التسعينيات، وهي "مؤسسة فلسطين لتمويل الرهن العقاري" وتحديدا في عام 1997 بمبادرة من السلطة الوطنية ومساهمين من القطاع الخاص الفلسطيني. وتلتها شركات أخرى أخذت بإطلاق مشروعات وبرامج لتمويل الرهن العقاري مؤخرا.
رام الله- خاص بوابة اقتصاد فلسطين| الرهن العقاري هو قرض يُمَكّن المقترض سواءً كان فرداً أو مؤسسة من اقتراض نقود ليشتري منزلاً أو أي عقار آخر، وتكون ملكيته ( أي المقترض) لهذا العقار ضماناً للقرض، أي أنه في حال عجزه عن سداد القرض فإن من حق المُقرض اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتملكه لهذا العقار، وبصورة أخرى فإن العقار يبقى مرهوناً حتى يتم سداد القرض، ولذلك سمي الرهن العقاري.
تشجيع الاستثمار
يقول محمد بواطنة، رئيس قسم التحليل المالي في هيئة سوق رأس المال الفلسطيني، إن قطاع الرهن العقاري مجال واعد في سوق الاقتصاد الفلسطيني نظرا لارتباط الرهن العقاري بقطاعات أخرى مثل قطاع الإنشاءات ومواد البناء، بالإضافة إلى مساهمته في زيادة نسبة تشغيل الأيدي العاملة في المشروعات العقارية المختلفة. وبالنسبة لأسعار العقارات ورغم ارتفاعها فقد ازداد الطلب عليها أيضا، مما يدل على أن المشروعات العقارية تلاقي إقبالا متزايدا في الفترة الأخيرة، وخاصة مشروعات الإسكان.
أما فيما يتعلق بوجود قانون ينظم عملية الرهون العقارية في فلسطين يقول بواطنة إن الهيئة وبالتعاون مع البنك الدولي بدأت منذ 2009 دراسة مشروع قانون باسم الرهن العقاري يضمن حقوق والتزامات أطراف عملية التمويل العقاري، مشيرا إلى أن مشروع القانون الذي لا زال قيد المراجعة هو تطوير لقانون "وضع الأموال غير المنقولة والتأمين للدّين" رقم 46 لعام 1953.
خطوة مشجعة ولكن
في ظل التفاؤل الذي قد تجلبه مثل تلك المشروعات والبرامج للمواطن بتحقيق حلم امتلاك مسكن العمر، فإن الصعوبات التي تعترض طريق الرهن العقاري في فلسطين تتمثل في نقاط عدة وعلى رأسها العقبات المتعلقة بظروف الاحتلال الإسرائيلي وتبعاته من مصادرة للأراضي، وتقسيم للمناطق على أساس اتفاق إعلان المبادئ المعروف بـِ"اتفاق أوسلو"، والذي يقسم أراضي سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني إلى مناطق (أ، ب، ج). إضافة إلى مشكلة تسجيل الأراضي حيث إن القروض تمنح للأراضي المسجلة في دائرة تسجيل الأراضي (الطابو)، فضلا عن عدم اكتمال البيئة القانونية، أي عدم وجود قانون خاص بالرهن العقاري، وهناك مواد في القوانين الفلسطينية المعمول بها حاليا تشكل أرضية، ولكنها ليست الأرضية الكاملة من أجل الانطلاق في هذا القطاع بشكل عام.
نظرة فاحصة
يقول د. مفيد الظاهر المحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية إن من أهم إيجابيات الرهون العقارية هي أنها تتيح للشخص تملّك بيت، وعندما يمتلك بيت فإن ذلك يدفعه للعطاء والتمسّك بأرضه، والرهن العقاري أساسه تسهيل عملية شراء البيت وهو قائم على هذا الهدف، وقروض الرهن العقاري طويلة الأجل وهذا أمر إيجابي أيضا. إلا أن هناك مشكلات متعلقة بهذا الأمر مثل عدم تسجيل بعض الأراضي في دائرة ( الطابو) وهذا الأمر ينعكس سلبا على عملية الرهن لأن البنوك لا تمنح قروضا إلا للعقارات المسجلة لدى الدائرة. كما أن هناك بعض الأشخاص المقترضين غير قادرين على سداد القروض أساسا خاصة أن القروض طويلة الأجل وهذا يعني ارتفاع نسبة الفائدة على القروض. إلا أنه من الممكن تطبيق الحصول على القرض بضمان مؤسسات الرهن، وفي دول مثل الأردن يطبق نظام الحصول على قرض بضمان مؤسسة الرهن العقاري نفسها وهذا أمر جيد عموما.
وتعقيبا على الحديث عن دفع عجلة الاقتصاد يقول الظاهر إن الرهون العقارية تمثل قروضا استهلاكية بالدرجة الأولى وليست قروضا لأهداف استثمارية، وأن المشروعات المصاحبة للرهن العقاري مثل المشروعات الإنشائية وتشغيل الأيدي العاملة، تعد تنمية اقتصادية مؤقتة أي أنها غير مستدامة نظرا لتعلق الأمر بمشاريع عمرانية مؤقتة.
ما زالت تجربة الرهن العقاري جديدة على ساحة الاقتصاد الفلسطيني، لكن المؤشرات الأولية تدل على نموها باطراد، وأنها رغم المعيقات وبعض السلبيات ستؤثر بشكل أو آخر في فتح آفاق جديدة أمام المستثمرين.