19% انكماش و60% بطالة: هكذا نزفت الضفة الغربية بعد الحرب
حنين أبو عمر – بوابة اقتصاد فلسطين
منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تواجه الضفة الغربية أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تفاقمت بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر وتداعياته المدمّرة على مختلف القطاعات. فقد شهد اقتصاد الضفة انكماشًا حادًا، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 19% خلال عام 2024، بحسب تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني و "سلطة النقد الفلسطينية". هذا التراجع جاء نتيجة تفاقم الأوضاع الأمنية وتوقف آلاف العمال الفلسطينيين عن العمل في الداخل المحتل، ما أدى إلى خسائر يومية بملايين الشواقل كانت تدخل السوق المحلي.
وقد تباينت آثار الأزمة من محافظة لأخرى، إلا أن الضرر الأكبر سُجل في محافظتي جنين وطولكرم، اللتين تعرضتا لبنى تحتية مدمرة نتيجة الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، ما صعّب استعادة النشاط الاقتصادي وأصاب الحركة التجارية بالشلل. تأتي هذه الاجتياحات ضمن سياسة إسرائيلية تهدف للقضاء على جماعات المقاومة المحلية مثل "كتيبة مخيم طولكرم" و"كتيبة مخيم جنين"، التي تشكلت لحماية هذه المناطق من الاعتداءات المستمرة. بالمقابل، تأثرت محافظات مثل رام الله والخليل بدرجة أقل، وإن ظلت تداعيات الأزمة تلقي بظلالها على المشهد العام في الضفة الغربية.
في جنين، بلغت نسبة البطالة 60%، وهي نسبة غير مسبوقة. ووفقًا للغرفة التجارية الصناعية الزراعية في المدينة، فقدت جنين ما بين 25 إلى 30 مليون شيكل يوميًا، كانت تدخل السوق من عمال الداخل وأهالي مناطق الـ48 الذين اعتادوا التسوق في المدينة. هذا التراجع الحاد في الحركة التجارية انعكس سلبًا على النشاط الاقتصادي، خاصة وأن جنين كانت تستقبل يوميًا نحو 3000 مركبة عبر حاجز "الجلمة"، ما كان ينعش الأسواق المحلية.
ورغم الانهيار العام، برز القطاع الزراعي كطوق نجاة للعديد من العائلات، إذ ازداد اهتمام المواطنين بالزراعة وتسويق المنتجات محليًا وداخل الخط الأخضر، ما وفّر مصدر دخل بديل وسط الأزمة، في دلالة على قدرة المجتمع على التكيّف رغم التحديات الكبيرة.
أما طولكرم، فقد عانت من أوضاع أكثر مأساوية، إذ أجبر العدوان الإسرائيلي نحو 85% من سكان المخيم على النزوح، فيما دُمّر 300 مبنى بشكل كامل، وتضرر نحو 2000 منزل جزئيًا، ما تسبب في شلل تام للحياة الاقتصادية والمعيشية. كما طالت الأضرار شبكات المياه والصرف الصحي، وزادت معاناة السكان في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية، رغم محاولات إيصال المساعدات. وأدت الاجتياحات إلى إغلاق العديد من المحال التجارية، إما بسبب تدهور الأوضاع الأمنية أو عجز المواطنين عن الوصول إليها.
وعلى خلاف محافظات الشمال، تمتعت رام الله والخليل بمرونة نسبية في مواجهة الأزمة، رغم الإغلاقات والبوابات العسكرية. ففي الخليل، حافظت بعض القطاعات الصناعية والتجارية على نشاطها، مع محاولات التجار توجيه إنتاجهم نحو السوق المحلي. أما في رام الله، فتميّزت الأسواق بمرونة جيدة نسبيًا، إذ لم تشهد المدينة اجتياحات إسرائيلية واسعة النطاق، ما سمح باستمرار النشاط الاقتصادي بشكل مقبول.
في المقابل، يعاني قطاع النقل من أزمة حادة نتيجة الإغلاقات الإسرائيلية للحواجز التجارية. فقد انخفض عدد الشاحنات المسموح لها بالمرور عبر معبر الكرامة إلى 15 شاحنة يوميًا فقط، وفقًا للنقابة الوطنية لعمال النقل في فلسطين. وأدى هذا الإغلاق إلى تكدّس البضائع وارتفاع تكاليف النقل، ما أثر سلبًا على التجار وأصحاب الشاحنات. كما ارتفعت معدلات البطالة في قطاع النقل إلى 40%، مما زاد من حدة الأزمة.
ومع اقتراب العيد، يواجه المواطنون صعوبة في توفير احتياجاتهم الأساسية بسبب تراجع القوة الشرائية بنسبة 33%، الأمر الذي يثير مخاوف التجار ويمنعهم من شراء البضائع. وخصوصًا بعد إخلال إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، عبّر المواطنون والتجار عن قناعتهم بأن العيد هذا العام لن يكون كما ينبغي. يقول علاء، تاجر ملابس: "نعتبر أن الحرب بدأت من جديد على غزة، الشوارع في الضفة حزينة ولا تبدو ملامح العيد واضحة على وجوه الناس. لقد غامرت واشتريت كمية كبيرة من البضائع، لا أعتقد أنني سأستطيع بيعها، لكنني متفائل وأنتظر انتهاء الحرب، ولا بأس ببعض الخسارة الآن".
ومن خلال مقابلات مع عدد من التجار والمواطنين وأصحاب المصالح، برزت مجموعة من الحلول التي يمكن أن تساهم في التعافي الاقتصادي للضفة الغربية. ركز التجار على ضرورة دعم الإنتاج المحلي من خلال تقديم حوافز للزراعة والصناعة، وإيجاد آليات تسويقية جديدة تسمح بوصول المنتجات الفلسطينية إلى الأسواق الخارجية، خاصة عبر تعزيز التصدير إلى الدول العربية المجاورة. كما شدد كثيرون على أهمية إنشاء منصات إلكترونية للبيع والتسويق، لتجاوز القيود المفروضة على الحركة والتجارة.
وفي جانب آخر، شدد أصحاب المصالح على ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة عبر استثمارات محلية ودولية، بما يسهم في استعادة النشاط التجاري وتخفيض تكاليف النقل والإنتاج. كما أشار المواطنون إلى أهمية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم قروض ميسّرة وتحفيز ريادة الأعمال، مما سيساهم في خلق فرص عمل جديدة ويساعد على تنشيط الاقتصاد المحلي. علاوة على ذلك، طالب الجميع بضغط سياسي ودبلوماسي مستمر لرفع القيود الإسرائيلية على حركة الأفراد والبضائع، مؤكدين أن أي تعافٍ اقتصادي حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون إزالة العقبات المفروضة على الفلسطينيين في جميع مناحي حياتهم، السياسية والاقتصادية.
الأرقام والإحصائيات
انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أكثر من 19% خلال عام 2024
نسبة البطالة في جنين: 60%
الخسائر اليومية في جنين: بين 25 إلى 30 مليون شيكل
عدد المركبات القادمة يوميًا إلى جنين عبر حاجز الجلمة: نحو 3000 مركبة
نسبة السكان الذين نزحوا من مخيم طولكرم: 85%
عدد المباني المدمرة بالكامل: 300 مبنى
عدد المنازل المتضررة جزئيًا: 2000 منزل
عدد الشاحنات المسموح بمرورها عبر معبر الكرامة: 15 شاحنة يوميًا
معدل البطالة في قطاع النقل: 40%
تراجع القوة الشرائية: بنسبة 33%