حوار .. دور الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الأخضر
بوابة اقتصاد فلسطين
مع تفاقم التحديات البيئية والضغوط المتزايدة على الموارد الطبيعية، بات الذكاء الاصطناعي أداة محورية في مواجهة الأزمات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة. فمن خلال تحليل البيانات البيئية الضخمة، يسهم الذكاء الاصطناعي في مراقبة التغيرات المناخية، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية، وتحسين إدارة الموارد مثل الطاقة والمياه، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في بناء مستقبل أكثر استدامة.
يوضح عبد الرحمن الخطيب، أخصائي تقنيات الذكاء الاصطناعي، أن هذه التقنية قادرة على تحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات أجهزة الاستشعار لرصد التغيرات المناخية والجيولوجية، ما يمكّن من التنبؤ بالكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات والزلازل قبل حدوثها. كما يمكن لهذه الأنظمة تقديم تقييم دقيق لتأثير الكوارث بعد وقوعها، مما يساعد في تحسين استراتيجيات الإغاثة وإعادة البناء.
فيما يتعلق بالحد من الانبعاثات الكربونية، يشير الخطيب إلى أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا مهمًا في تحسين إدارة الطاقة من خلال تحليل أنماط الاستهلاك وضبط توزيعها بذكاء، ما يقلل الهدر ويزيد الكفاءة. كذلك، تُستخدم أنظمة الاستشعار المتصلة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة نسب التلوث والانبعاثات الصناعية في الوقت الفعلي، مما يتيح للمؤسسات اتخاذ إجراءات فورية للحد من تأثيراتها البيئية. وفي قطاع النقل، تساهم أنظمة المرور الذكية في تقليل الاختناقات المرورية، مما يؤدي إلى خفض استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات.
أما في مجال حماية التنوع البيولوجي، فإن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لمراقبة الأنواع المهددة بالانقراض عبر الطائرات المسيّرة المزودة بكاميرات حرارية، مما يساعد العلماء على تتبع تحركاتها ودراسة سلوكها. كما تعتمد بعض التطبيقات على تحليل الأصوات البيئية في الغابات للتعرف على تأثير التغيرات المناخية على الحياة البرية. ويضيف الخطيب أن هذه التقنيات تُستخدم أيضًا في كشف الأنشطة غير القانونية مثل الصيد الجائر وقطع الأشجار، حيث يتم تحليل صور الأقمار الصناعية للكشف عن أي تغييرات غير طبيعية في الغطاء النباتي.
وفيما يخص إدارة الموارد المائية، يرى الخطيب أن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا فعالة لمواجهة الاستهلاك غير المستدام للمياه. ففي قطاع الزراعة، تُستخدم أنظمة الري الذكية التي تعتمد على مستشعرات تحدد مستويات رطوبة التربة واحتياجات المحاصيل، ما يساعد على تقليل استهلاك المياه دون التأثير على الإنتاج الزراعي. كما تُطبّق هذه التقنيات في شبكات توزيع المياه في المدن، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشاف أي تسريبات غير مرئية ومعالجتها قبل تفاقم المشكلة، مما يقلل الفاقد ويحسّن كفاءة الاستخدام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه التقنيات تحليل جودة المياه في الوقت الفعلي، مما يسهم في الحفاظ على صحة الإنسان والبيئة.
ورغم الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي، فإن هناك تحديات تعيق تطبيقه الواسع في المجال البيئي. يشير الخطيب إلى أن نقص البيانات البيئية الدقيقة يعد من أبرز هذه التحديات، حيث تعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على بيانات ضخمة ومحدثة باستمرار، وهو ما لا يتوفر دائمًا في بعض المناطق. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر التكلفة العالية للبنية التحتية الرقمية عائقًا أمام الدول النامية، حيث تتطلب هذه التقنيات استثمارات كبيرة. كما أن الوعي المحدود بإمكانيات الذكاء الاصطناعي في المجال البيئي يؤخر تبني هذه الحلول على نطاق واسع.
أما عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في حماية البيئة، فيتوقع الخطيب أن يشهد العقد القادم تطورًا كبيرًا في هذا المجال، حيث ستصبح هذه التقنيات أكثر دقة وكفاءة، مما سيتيح للعلماء وصناع القرار وضع خطط أكثر استدامة لمكافحة تغير المناخ. كما ستزداد الاستثمارات في المدن الذكية، حيث سيتم توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين البنية التحتية البيئية وتطوير حلول مستدامة تقلل من التأثير البيئي للنشاطات البشرية.
ويختتم الخطيب حديثه بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تحليلية، بل هو عنصر حيوي في بناء مستقبل أكثر استدامة، يتيح لنا فهم البيئة بشكل أعمق واتخاذ قرارات أكثر وعيًا للحفاظ على مواردنا الطبيعية للأجيال القادمة.
حسناء الرنتيسي- افاق البيئة والتنمية