ترامب يسعى للسيطرة على المعادن الحيوية.. لماذا أصبحت المعادن محور السياسة الخارجية الأمريكية؟
بوابة اقتصاد فلسطين
يركز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية على تأمين الثروات المعدنية الاستراتيجية خارج بلاده، حيث يرى في إنهاء الحرب في أوكرانيا فرصة لتعزيز مصادر أمريكا من المعادن الأرضية النادرة، التي تهيمن الصين على إنتاجها ومعالجتها عالميًا، خاصة بعد أن فرضت قيودًا على تصديرها للولايات المتحدة. وتأتي هذه التحركات في إطار توجه أوسع للحد من الاعتماد الأمريكي على واردات المعادن الحيوية، التي تعدّ أساسية في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية.
المعادن الحيوية: قلب الصراع الاقتصادي
المعادن الحيوية هي عناصر ضرورية للاقتصاد والأمن القومي الأمريكي، إذ تدخل في إنتاج الهواتف الذكية، والبطاريات، وأنظمة توجيه الصواريخ، وغيرها من التطبيقات الاستراتيجية. وتضم قائمة هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية 50 معدنًا حيويًا، من بينها العناصر الأرضية النادرة، التي تُعد فئة فرعية ذات أهمية خاصة، نظرًا لاستخداماتها المتقدمة.
لماذا أصبحت المعادن محور السياسة الخارجية الأمريكية؟
لطالما اعتمدت الولايات المتحدة على استيراد نسبة تتراوح بين 50% إلى 100% من احتياجاتها من المعادن الحيوية، وفقًا لتقرير المسح الجيولوجي الأمريكي. ومع تصاعد الهيمنة الصينية على سوق المعادن، اتخذ ترامب نهجًا يعتمد على الضغط السياسي والاقتصادي لتأمين موارد بديلة.
وتشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الصين ليست فقط أكبر منتج عالمي للمعادن الأرضية النادرة، بل تهيمن على 90% من عمليات معالجتها عالميًا. ورغم أن الولايات المتحدة تنتج 10% من هذه المعادن، إلا أنها لا تمتلك القدرة على معالجتها محليًا، مما يجبرها على إرسال المواد الخام إلى الصين لإتمام عمليات التكرير.
الصين تهيمن على احتياطيات المعادن النادرة عالميًا
وفقًا للتقديرات الحديثة، تحتل الصين المرتبة الأولى عالميًا في احتياطيات المعادن الأرضية النادرة، حيث تملك 44 مليون طن، تليها البرازيل (21 مليون طن)، والهند (6.9 مليون طن)، وأستراليا (5.7 مليون طن)، وروسيا (3.8 مليون طن)، وفيتنام (3.5 مليون طن)، بينما تمتلك الولايات المتحدة 1.9 مليون طن فقط.
ترامب يسعى لعقد صفقة مع أوكرانيا لتعويض نقص الموارد
مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، يسعى ترامب إلى توقيع اتفاق مع كييف لتطوير واستغلال رواسب المعادن الحيوية في أوكرانيا، والتي تشمل الليثيوم، الكوبالت، ومعادن أخرى نادرة تُستخدم في تقنيات الطاقة النظيفة والصناعات الدفاعية.
وتحدث ترامب عن صفقة بقيمة 500 مليار دولار، يرى أنها يمكن أن تكون تعويضًا عن المساعدات الأمريكية المقدمة لأوكرانيا طوال فترة الحرب. وتعتبر أوكرانيا واحدة من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، حيث صرّحت سفيتلانا جرينشوك، نائبة وزير حماية البيئة والموارد الطبيعية الأوكراني، في عام 2022 أن 5% من جميع المعادن الحيوية في العالم موجودة داخل الأراضي الأوكرانية.
الاستراتيجية تتجاوز أوكرانيا: جرينلاند وكندا على قائمة ترامب
لم تقتصر خطط ترامب على أوكرانيا، بل امتدت إلى جرينلاند وكندا، حيث تحدث علنًا عن أهمية السيطرة على المعادن في تلك المناطق. ووفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، فإن اهتمام ترامب بالمعادن دفعه للحديث عن ضم كندا وجعلها الولاية الأمريكية رقم 51، في إشارة إلى النهج التوسعي الذي يتبناه الرئيس الأمريكي تجاه الموارد الطبيعية في الدول المجاورة.
تعثر الصفقة وتجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا
في خطوة مفاجئة، أدت المواجهة الحادة بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الجمعة الماضي إلى إفشال توقيع الاتفاقية، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى إيقاف المساعدات العسكرية لأوكرانيا مؤقتًا. لكن في تحوّل لاحق، أعلن زيلينسكي أمس أن بلاده مستعدة للتوقيع والتفاوض بشأن السلام، ما يفتح الباب أمام استئناف المفاوضات حول الصفقة.
التساؤلات مستمرة حول إمكانية تنفيذ الصفقة
رغم إعلان ترامب عن استعداد أوكرانيا للصفقة، تظل هناك شكوك حول القيمة النهائية للاتفاقية وإمكانية الوصول إلى المعادن النادرة، حيث أن معظم الثروة المعدنية الأوكرانية تقع في أراضٍ تسيطر عليها روسيا حاليًا. كما أن إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب ستكون تحديًا كبيرًا، وقد تؤثر على الجدوى الاقتصادية للاستثمار في قطاع التعدين هناك.
يضع ترامب المعادن الحيوية في قلب استراتيجيته الاقتصادية والجيوسياسية، حيث يسعى إلى كسر الاعتماد الأمريكي على الصين من خلال مصادر بديلة، سواء في أوكرانيا، جرينلاند، أو كندا. وبينما تسود حالة من الغموض حول مستقبل الصفقة الأوكرانية، فإن التحركات الأمريكية تؤكد أن المعادن الحيوية ستظل محورًا رئيسيًا في المنافسة الاقتصادية والسياسية بين القوى العظمى خلال السنوات القادمة.
وكالات