الرئيسية » المكتبة الاقتصادية »
 
02 آذار 2025

كيف تزدهر الشركات العائلية لأجيال؟ كتاب جديد يكشف أسرار النجاح والاستدامة

بوابة اقتصاد فلسطين

تتحمل الشركات العائلية مسؤولية 90% من النشاط التجاري العالمي، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من الاقتصاد العالمي. من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل سامسونج، إلى تكتل تاتا الهندي، وصولًا إلى استراتيجية وارن بافيت في إدارة بيركشاير هاثاواي، تبرز الشركات العائلية كنموذجٍ فريد للصمود والنجاح عبر الأجيال، متجاوزة الأزمات الاقتصادية والاضطرابات الجيوسياسية.

هذا ما يكشفه كتاب "المشروع الدائم" للكاتبين إيفان لانسبيرج وديفين ديسينتس، الصادر حديثًا عن شركة الاستشارات الدولية LGA، والذي يتناول الاستراتيجيات التي ساعدت الشركات العائلية على تحقيق الاستمرارية والازدهار لعقود طويلة.

كيف تنجو الشركات العائلية من الأزمات؟

في عام 2010، تعرضت هايتي لكارثة طبيعية مدمرة عندما ضربها زلزال أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، تلاه إعصار زاد من حجم الكارثة. وسط هذا الدمار، تمكن فندق لو بلازا، وهو مشروع عائلي يعود تأسيسه إلى عام 1955، من الصمود بل وتحويله إلى مركز إيواء للمتضررين وفرق الإغاثة الدولية.

ما سر نجاته؟ يكشف الكتاب أن نجاح الفندق لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة إستراتيجية استباقية، حيث حرصت العائلة المالكة على تجهيز المبنى بعدة مصادر للطاقة، ومخزون كافٍ من الغذاء والمياه، ما سمح له بالتعامل مع الأزمات بمرونة عالية، في حين انهارت فنادق أخرى لم تكن مستعدة لمثل هذه الكوارث.

يقول لانسبيرج:
"إن أحد أهم الدروس التي نتعلمها من الشركات العائلية هو ضرورة الاستثمار في المرونة، وليس فقط في النمو. في عالمٍ مليء بعدم الاستقرار، لا يكفي أن تسعى الشركات إلى تحقيق الأرباح، بل يجب أن تكون مستعدة لمواجهة الأزمات غير المتوقعة."

الشركات العائلية تسيطر على الاقتصاد العالمي

على الرغم من أن الشركات العائلية لا تهيمن على قائمة "فورتشن 500"، فإنها تظل مسؤولة عن 90% من إجمالي النشاط التجاري العالمي. كما أن أغلب الثروات في العالم تُدار عبر شركات عائلية، ومعظم النمو الاقتصادي المستقبلي سيأتي من البلدان النامية التي تعتمد بشكل كبير على هذه الشركات.

يؤكد الكتاب أن الشركات العائلية في دول مثل الهند، كولومبيا، السعودية، وفنزويلا واجهت عقودًا من التحديات والاضطرابات السياسية والاقتصادية، لكنها استطاعت التأقلم بفضل قدرتها على إعادة تشكيل نماذجها التشغيلية والتكيف مع التغيرات المستمرة.

التنوع والتكافل: أسرار نجاح الشركات العائلية الكبرى

يستعرض الكتاب عدة نماذج لشركات عائلية عالمية نجحت في الحفاظ على استمراريتها لعقود، وأحيانًا لقرون، من خلال التنوع في الاستثمار، وتعزيز الروابط العائلية، والتكافل بين العائلة والأعمال.

١. تاتا الهندية: نموذج التنوع

تُعد مجموعة تاتا الهندية مثالًا على التوسع الذكي، حيث لا تقتصر أعمالها على قطاع واحد، بل تشمل الصلب، السيارات، التكنولوجيا، والاتصالات. هذا التنوع جعلها قادرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية، إذ إن انخفاض أداء أحد القطاعات يُعوّضه نجاح قطاع آخر.

يقول ديسينتس:
"عندما تبني تاتا مدنًا لموظفيها، فهي لا تفكر فقط في العمل، بل تصمم بيئة متعددة الثقافات والأديان، مما يساعدها على جذب أفضل المواهب من مختلف أنحاء العالم."

٢. سامسونج: التكافل مع الحكومة

تمثل سامسونج مثالًا على الشركات التي استفادت من علاقاتها القوية بالحكومة، حيث حصلت على تمويلات حكومية، قروض تفضيلية، وحماية من المنافسة الخارجية، مما ساعدها على التحول من شركة محلية إلى عملاق تكنولوجي يساهم بأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية.

لكن، يشير الكتاب إلى أن هذا التكافل قد يؤدي إلى تحديات، كما حدث عندما واجه رئيس سامسونج لي جاي يونج فضيحة فساد كبرى تورط فيها مع رئيسة كوريا الجنوبية السابقة.

متى يتخلى المؤسسون عن السيطرة؟ درس من وارن بافيت

إحدى أكبر المعضلات التي تواجه الشركات العائلية هي مسألة توريث القيادة. هل يجب أن تنتقل الإدارة إلى أحد أفراد العائلة، أم من الأفضل تعيين مدير محترف من خارج العائلة؟

في هذا السياق، يقدم الكتاب نموذج وارن بافيت، الذي قرر تعيين جريج آبل كخليفة له في منصب الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي، بينما اكتفى بتعيين ابنه هوارد بافيت في منصب رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي. كما أعلن أن غالبية ثروته، المقدرة بـ 140 مليار دولار، ستذهب إلى مؤسسة خيرية يديرها أبناؤه، وليس كإرث مالي لهم.

يقول لانسبيرج:
"المؤسسون غالبًا ما يواجهون صعوبة في منح الثقة لشخص من خارج العائلة، لكن الشركات الأكثر نجاحًا هي التي تدرك أن القيادة يجب أن تعتمد على الكفاءة، وليس على النسب العائلي فقط."

المرونة: مفتاح النجاة في عالم مليء بالتقلبات

يؤكد المؤلفان أن الشركات العائلية التي تزدهر لأجيال هي تلك التي تستثمر في المرونة والاستعداد للأزمات، بدلًا من التركيز فقط على التوسع والنمو السريع.

على سبيل المثال، تكشف الدراسات أن الشركات العاملة في الأسواق الناشئة تطور أنظمة دفاعية أقوى، لأن بيئة العمل غير المستقرة تجبرها على الاستعداد لمواجهة أي أزمة.

يضيف لانسبيرج:
"تمامًا كما يطور الأشخاص الذين يعيشون في أماكن نائية جهازًا مناعيًا أقوى بسبب تعرضهم المستمر للبيئات القاسية، فإن الشركات التي تعمل في بيئات اقتصادية وسياسية مضطربة تصبح أكثر مرونة، وأكثر قدرة على التكيف مع التحديات."

في نهاية المطاف، يكشف "المشروع الدائم" أن الشركات العائلية ليست مجرد أعمال تجارية، بل هي كيانات ديناميكية تتطلب مزيجًا من التخطيط، التنوع، والتكيف مع المتغيرات لضمان بقائها وازدهارها لأجيال قادمة.

غلوبس

 

مواضيع ذات صلة