الرئيسية » سياسي »
 
02 آذار 2025

الاستثمارات على طريق السلام: إمبراطورية الأعمال التي يبنيها جاريد كوشنر في الشرق الأوسط

بوابة اقتصاد فلسطين

لطالما كان جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره البارز، لاعبًا رئيسيًا في السياسة والاقتصاد على حد سواء. واليوم، بعد مغادرته البيت الأبيض، يواصل كوشنر توظيف شبكة علاقاته الواسعة في بناء إمبراطورية استثمارية تمتد جذورها في الشرق الأوسط، مستفيدًا من موجة التطبيع الإقليمي ودعم صناديق الثروة السيادية الخليجية.

يدير كوشنر صندوق "أفينيتي بارتنرز" الاستثماري، الذي تبلغ أصوله 4.6 مليار دولار، ويستثمر بشكل مكثف في المنطقة، مع دعم مالي كبير من المملكة العربية السعودية. وقد أصبح بالفعل أكبر مساهم في شركة فينيكس، كبرى شركات التأمين في إسرائيل، بعد استحواذه على 9.9% من أسهمها، كما استثمر في مجموعة شلومو، ما يشير إلى أن هذه ليست سوى البداية.

الاستثمارات الإسرائيلية: بداية موطئ قدم في الاقتصاد المحلي

بدأت علاقة كوشنر مع إسرائيل عبر محاولة مبكرة للاستحواذ على 25% من وكالات التأمين التابعة لشركة فينيكس. وعلى الرغم من أن هذه المحاولة لم تكتمل، إلا أنه سرعان ما عاد ليستحوذ على 4.95% من أسهم فينيكس في يوليو 2024، ثم ضاعف حصته ليصل إلى 9.9% في صفقة بقيمة تقدر بـ 940 مليون شيكل (حوالي 250 مليون دولار).

كما سبق أن استحوذ صندوق "أفينيتي بارتنرز" في 2023 على 15% من أسهم مجموعة شلومو القابضة مقابل 110 ملايين دولار، وهو استثمار كان يُنظر إليه على أنه خطوة استراتيجية نحو توسيع أعمال المجموعة في قطاعي السيارات والخدمات المالية داخل الأسواق العربية.

التحولات من العقارات إلى الاستثمار العالمي

لم يكن التحول إلى عالم الاستثمار مفاجئًا لكوشنر، فقد بدأ رحلته في المجال العقاري عندما كان طالبًا في جامعة هارفارد، حيث أتم أول صفقة كبيرة بشراء شقق سكنية بقيمة 9 ملايين دولار، ثم بيعها بسعر مضاعف بعد تطوير المنطقة.

في عام 2005، تولى إدارة شركة "كوشنر بروبرتيز" بعد سجن والده بتهم التهرب الضريبي والتلاعب بالشهود، ووسع نطاق أعمالها إلى مشاريع عقارية ضخمة، أبرزها برج ترامب باي ستريت في نيوجيرسي، الذي بلغت قيمته 225 مليون دولار.

لكن التحول الأكبر جاء بعد خروجه من البيت الأبيض، حيث أسس صندوقه الاستثماري في 2021، ونجح في جذب استثمارات خليجية ضخمة، أبرزها 2 مليار دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إلى جانب 1.5 مليار دولار من صناديق قطرية وإماراتية.

التوسع في الخليج وأوروبا: بين الاستثمار والجيوسياسة

لا تقتصر استثمارات كوشنر على إسرائيل، إذ يستهدف مشاريع استراتيجية في دول الخليج، مستفيدًا من دوره السابق في التوسط في اتفاقيات إبراهيم. كما حصل على تصريح من الحكومة الألبانية لتطوير منتجع فاخر على جزيرة سيزان في البحر الأبيض المتوسط، وهي خطة تتجاوز الاستثمار العقاري، إذ يسعى كوشنر لإنفاق أكثر من مليار دولار على بناء فنادق ومنازل فاخرة في المنطقة.

العلاقات الخليجية: رافعة استثمارية أم بوابة نفوذ؟

تشير التقارير إلى أن علاقات كوشنر الوثيقة مع دول الخليج، خصوصًا السعودية وقطر، منحته ميزة استثنائية في جذب رؤوس الأموال. فبحسب "فاينانشيال تايمز"، فإن الاستثمارات الضخمة التي حصل عليها صندوقه رغم قلة خبرته الاستثمارية، وضعت "أفينيتي بارتنرز" في موقع يسمح له بجني أرباح هائلة من رسوم إدارة الأموال، التي تصل إلى 1.25% سنويًا من إجمالي الأصول المدارة.

إضافةً إلى ذلك، كشفت تقارير دولية أن الدوحة قدمت دعمًا ماليًا لإنقاذ استثمارات عائلة كوشنر العقارية في مانهاتن، عندما كانت تعاني من أزمة ديون ضخمة بقيمة 1.2 مليار دولار، وهو ما أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين كوشنر وقطر، خصوصًا أن هذا الاستثمار جاء قبل رفع الحصار الخليجي عن الدوحة عام 2021، وهو ملف كان لكوشنر دور مباشر في تسويته.

رهانات التطبيع: تعزيز الاستثمار أم خدمة الطموحات السياسية؟

لا يخفي كوشنر رهانه الكبير على التطبيع الإقليمي، حيث صرّح في أكثر من مناسبة أن "دائرة السلام" التي بدأها خلال عمله في البيت الأبيض يجب أن تتوسع لتشمل دولًا مثل السعودية، باكستان، وإندونيسيا. كما شدد في تصريحات صحفية على أن "خلق كتلة اقتصادية متكاملة تمتد من ميناء حيفا إلى مسقط" هو أحد أهدافه الأساسية، في إشارة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين إسرائيل ودول الخليج.

ما التالي؟

بينما يواصل كوشنر بناء شبكته الاستثمارية، تشير التقديرات إلى أن استثماراته في إسرائيل والخليج ليست سوى البداية. ومع تصاعد الحديث عن اتفاق تطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية، يُرجَّح أن يواصل "أفينيتي بارتنرز" التوسع في المنطقة، مستفيدًا من زخم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.

في النهاية، يظل السؤال الأهم: هل يسعى كوشنر بالفعل إلى تعزيز التكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط، أم أن استثماراته مجرد امتداد لنفوذه السياسي السابق؟ الأكيد هو أن الرجل الذي كان يُنظر إليه كوسيط للسلام، بات اليوم أحد أبرز الفاعلين في مشهد الأعمال بالمنطقة، وسط تداخل معقد بين السياسة والاقتصاد.

غلوبس

كلمات مفتاحية::