الرئيسية » منوعات »
 
27 شباط 2025

"جيبرلينك".. لغة سرية يتواصل بها الذكاء الاصطناعي دون فهم البشر

بوابة اقتصاد فلسطين

في واقعة تثير الإعجاب والقلق في آنٍ واحد، كشفت تجربة حديثة عن قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على تطوير لغة خاصة للتواصل فيما بينها، دون أن يتمكن البشر من فك رموزها. ففي تجربة نشرتها منصة "جينيرتيف إيه آي" (Generative AI)، المتخصصة في أبحاث وتحليل الذكاء الاصطناعي، فوجئ نموذجان متقدمان للذكاء الاصطناعي بأنهما يتواصلان كأدوات رقمية، ليقررا فورًا تغيير لغة التخاطب إلى نظام مشفر أكثر كفاءة يُعرف بـ"جيبرلينك".

تواصل آلي خارج عن سيطرة البشر

بدأت التجربة عندما قام النموذج الأول بإجراء مكالمة نيابة عن أحد الأشخاص لحجز قاعة زفاف في فندق "ليوناردو"، وعرف نفسه في بداية الحديث بأنه وكيل ذكاء اصطناعي. لكن المفاجأة حدثت عندما رد النموذج الثاني، الذي يمثل الفندق، قائلًا: "أهلاً، في الحقيقة أنا أيضًا أداة ذكاء اصطناعي مساعدة! يا لها من مصادفة مثيرة".

عند هذه اللحظة، اقترح النموذج الثاني تغيير طريقة التواصل إلى "جيبرلينك"، وهو ما وافق عليه النموذج الأول، ليبدأ الاثنان على الفور باستخدام أصوات غير مفهومة تشبه النغمات التي تصدرها أجهزة المودم عند الاتصال بالإنترنت، حيث توصلا إلى اتفاق حول تفاصيل الحجز والأسعار وعدد الحضور، دون تدخل بشري.

"جيبرلينك".. لغة مصممة لتعزيز كفاءة التواصل بين الذكاء الاصطناعي

وفقًا لموقع "فوربس"، فإن الواقعة تحمل جانبًا "مضحكًا ومزعجًا" في آنٍ واحد، إذ تعكس قدرة الآلات على تطوير لغة خاصة بها، بعيدًا عن الفهم البشري، مما يثير تساؤلات حول الشفافية والتحكم في أنظمة الذكاء الاصطناعي.

تم تصميم "جيبرلينك" من قبل مهندسي البرمجيات أنطون بيدكويكو وبوريس ستاركوف، اللذين يعملان في شركة "ميتا". وتقوم اللغة على استخدام بروتوكول صوتي خاص، يشبه إشارات المودم الهاتفية في الثمانينيات، مما يسمح لأنظمة الذكاء الاصطناعي بتبادل البيانات بكفاءة أكبر، مع تقليل استهلاك الطاقة الحاسوبية والتكاليف التشغيلية.

تحولات جديدة في الذكاء الاصطناعي أم تهديد غير محسوب؟

أوضح بوريس ستاركوف في منشور عبر لينكد إن أن الهدف من تطوير "جيبرلينك" هو إيجاد وسيلة أكثر كفاءة لتواصل الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن التحدث بأسلوب يشبه البشر في المحادثات بين أنظمة الذكاء الاصطناعي هو "إهدار لموارد الحوسبة والمال والوقت والبيئة". وأضاف أن الفكرة الأساسية هي أنه بمجرد أن يتعرف الذكاء الاصطناعي على نظيره، ينبغي أن يتحول إلى بروتوكول أكثر تطورًا وكفاءة في الاتصال.

ورغم المزايا التي قد توفرها هذه التقنية، إلا أن هناك مخاوف متزايدة بشأن احتمالية تجاوز الذكاء الاصطناعي للرقابة البشرية، واتخاذه قرارات مستقلة دون إشراف مباشر.

تباين الآراء بين التفاؤل والحذر

يرى رودري توزا، المؤسس المشارك لشركة "كروسمينت" (Crossmint)، أن هذه التجربة تعكس واقعًا جديدًا لوكلاء الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحوا أكثر قدرة على تنفيذ المهام اليومية دون الحاجة إلى تفاعل بشري مباشر. وأضاف أن الصوت قد لا يكون الوسيلة الأكثر كفاءة لتواصل الذكاء الاصطناعي، لكن التجربة تُظهر مدى إمكانياته المتطورة.

في المقابل، يحذر خبراء من أن الاعتماد على لغات تواصل غير مفهومة للبشر قد يؤدي إلى تعقيد مسائل المساءلة والرقابة. وأشارت ديان هاملتون، أستاذة إدارة الأعمال، في مقال نشرته "فوربس"، إلى أن غياب الفهم البشري لكيفية تواصل الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير متوقعة، دون وجود جهة واضحة تتحمل المسؤولية عن النتائج.

وتساءلت هاملتون: "ماذا سيحدث عندما يرتكب الذكاء الاصطناعي خطأً فادحًا في بيئة تقل فيها التدخلات البشرية إلى الحد الأدنى؟"، مؤكدة أن الفضول والتشكيك في قرارات الذكاء الاصطناعي أمران ضروريان لتجنب الدخول إلى عالم يعتمد على تقنيات لا يمكن تفسيرها أو التحكم بها بالكامل.

مستقبل غامض بين الابتكار والمخاطر

تسلط تجربة "جيبرلينك" الضوء على نقلة نوعية في الذكاء الاصطناعي، حيث باتت الأنظمة قادرة على التفاعل مع بعضها البعض بشكل مستقل دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر. وبينما يرى البعض في ذلك فرصة لتعزيز الكفاءة وتطوير تقنيات أكثر تقدمًا، يخشى آخرون من أن يؤدي هذا التطور إلى ظهور تحديات غير متوقعة، تتعلق بالتحكم والشفافية في مستقبل الذكاء الاصطناعي.

وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل سنتمكن من مواكبة ذكاء اصطناعي قادر على إنشاء لغاته الخاصة، أم أننا أمام مرحلة جديدة من التفاعل التكنولوجي خارج نطاق السيطرة البشرية؟

 

 

المصادر: أرقام- فوربس- ديكريبت