حماد الحرازين: رجل أعمال فلسطيني يسخّر نجاحه لدعم التعليم والصحة في وطنه
لم يكن نجاح حماد حسن الحرازين مجرد رحلة اقتصادية متميزة في الخليج العربي، بل كان امتدادًا لمسيرة عطاء وتضامن مع فلسطين، تجسدت في مشاريع تنموية مستدامة، تهدف إلى تعزيز قطاعي التعليم والصحة، وتحقيق تنمية مجتمعية حقيقية.
ولد الحرازين عام 1940 في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حيث نشأ وأكمل دراسته الثانوية، ثم حصل على درجة البكالوريوس في التجارة من مصر في الستينيات. بدأ مسيرته العملية في قطر، ثم انتقل إلى الإمارات، حيث عمل مع الحكومة في أبو ظبي، قبل أن يتجه إلى العمل الحر في السبعينيات، محققًا نجاحًا كبيرًا في تأسيس إحدى أضخم شركات التجارة العامة في الإمارات، والتي تعمل في مجالات النفط، الغاز، البتروكيماويات، والحفر.
على الرغم من نجاحه في عالم الأعمال، ظل الحرازين وفيًا لوطنه، حيث بدأ منذ التسعينيات بتنفيذ مشاريع خيرية وتنموية في فلسطين، تركزت بشكل أساسي في مجالي الصحة والتعليم. من أبرز مشاريعه في قطاع غزة مركز صحي صبحة الحرازين، ومدرسة أحلام الحرازين، ومبنى جامعة الأقصى (الحرازين)، ومبنى تأهيل الأسرى المجاور لجامعة الأقصى، وعيادة القبة في الشجاعية، وعيادة الولادة المركزية في منطقة الشجاعية، والتي تم التبرع بها لجمعية زكاة غزة.
لم تتوقف مبادراته عند الصحة والتعليم، بل كان من أوائل من ساهموا في حفلات الزواج الجماعي بغزة، حيث دعم 25 عريسًا وعروسًا، متكفلًا بتكاليف الزواج، وتأمين الأثاث، وصرف مبالغ نقدية لكل عريس. كما كان له دور بارز في تنظيم إفطارات جماعية رمضانية، وتقديم مساعدات مالية للأسر المستورة.
في عام 1999، زار الحرازين قطاع غزة برفقة مستثمرين أجانب، بهدف إقامة مشروع اقتصادي كبير يوفر مئات فرص العمل، إلا أن الحصار الإسرائيلي والعراقيل الأمنية أجهضت حلمه. لكنه لم يستسلم، إذ يعمل حاليًا على اصطحاب وفد جديد من المستثمرين الأجانب إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بالتزامن مع افتتاح المشاريع التي يقوم بتمويلها حاليًا في كلا المنطقتين.
من بين أبرز مشاريعه التنموية، يعمل الحرازين على إنشاء "أكاديمية فلسطين للطلبة المبدعين"، وهي مدرسة داخلية نموذجية في ترمسعيا بالقرب من رام الله، تستهدف الطلبة المبدعين من مختلف المحافظات الفلسطينية، لتنمية مهاراتهم العلمية والإبداعية منذ المرحلة الإعدادية وحتى الثانوية. تبرع الحرازين بتكاليف المبنى الرئيسي للمشروع، الذي قرر إطلاق اسم "الشهيد ياسر عرفات" عليه.
يقام هذا المشروع تحت إشراف المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"، بمشاركة مجلس أمناء برئاسة الدكتور محمد اشتية. وستكون المدرسة مجهزة بأحدث المرافق، لتقديم تعليم متقدم يتماشى مع المعايير الدولية، إلى جانب توفير برامج إضافية للطلبة تشمل لغات أجنبية إضافية، وتدريبات متخصصة في مجالات متعددة.
مواصلةً لمسيرته في دعم فلسطين، وقع الحرازين عدة اتفاقيات تنموية جديدة في قطاعي الصحة والتعليم، خلال حفل أقيم في بلدية رام الله، بحضور محافظ رام الله والبيرة، الدكتورة ليلى غنام، وبرعاية من الرئيس الفلسطيني.
وأكد الحرازين خلال كلمته في الحفل، أن ظروفه الصعبة لم تمنعه من استكمال تعليمه ومسيرته العملية، بل جعلته أكثر إصرارًا على النجاح، ليعود إلى وطنه بمشاريع تسهم في تنميته. وشملت الاتفاقيات إنشاء عيادتين طبيتين حديثتين في جنين ورام الله، ضمن خطة لإنشاء شبكة عيادات في مختلف المحافظات الفلسطينية، مجهزة بأحدث التقنيات الطبية.
كما تضمنت الاتفاقيات إنشاء كليتين جامعيتين، هما:
وفي مجال التعليم المدرسي، بادر الحرازين إلى إنشاء ست مدارس نموذجية في مختلف المحافظات الفلسطينية، وهي:
إضافة إلى ذلك، تم إنشاء عيادتين صحيتين تحملان اسم والدته، صبحة الحرازين، في دير عمار برام الله وقباطية.
أكد وزير التربية والتعليم العالي، أ.د. أمجد برهم، أن مساهمات الحرازين تتجاوز بناء المدارس والمرافق الصحية، فهي تتجسد في رؤية تنموية مستدامة تهدف إلى تطوير الموارد البشرية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الحرازين يدرك أن بناء الإنسان هو المفتاح الحقيقي لتحقيق التقدم.
من جهتها، شددت محافظ رام الله والبيرة، د. ليلى غنام، على أن هذه المشاريع ليست الأولى التي يتبرع بها الحرازين لفلسطين، بل إنه داعم دائم منذ سنوات، مؤكدةً أن إنشاء عيادات طبية حديثة في جنين ورام الله يمثل خطوة نحو تحسين النظام الصحي الفلسطيني.
أما مدير عام بلدية رام الله، أحمد أبو لبن، فقد أشاد بمبادرات الحرازين، معتبرًا أن دعمه المستمر لمشاريع التعليم، الصحة، والثقافة يعكس إيمانًا عميقًا بأهمية الاستثمار في الأجيال القادمة.
على مدار العقود الماضية، أثبت حماد الحرازين أنه ليس مجرد رجل أعمال فلسطيني ناجح في الخارج، بل هو ابن غزة الوفي، الذي لم ينسَ وطنه رغم المسافات. فمشاريعه التنموية المستمرة في التعليم والصحة والبنية التحتية تؤكد أنه يرى في الاستثمار في الإنسان الفلسطيني السبيل الأمثل لبناء مستقبل أفضل لفلسطين.
ليست هذه السطور مدحًا أو إشادة مجانية، بل هي توثيق لمسيرة رجل لم يعتبر النجاح مجرد تراكم للثروة، بل مسؤولية تجاه وطنه وشعبه. ومن الواضح أن الحرازين يطبق فلسفة رجال الأعمال الكبار عالميًا، الذين يؤمنون بأن نجاحهم يجب أن ينعكس إيجابيًا على مجتمعاتهم، وهو ما جسده في فلسطين، بمشاريع تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتهدف إلى تغيير الواقع نحو مستقبل أكثر إشراقًا.