غزة مدمرة والضفة تختنق اقتصاديًا: خسائر تقترب من 50 مليار دولار ومستقبل مجهول
أدى النزاع في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، حيث قُتل أكثر من 47,000 شخص، من بينهم 13,000 طفل و7,200 امرأة، فيما أصيب أكثر من 111,000 شخص. كما تسبب النزاع في نزوح أكثر من مليوني فلسطيني، أي ما يعادل سكان القطاع بالكامل تقريبًا، مما أدى إلى أزمة إنسانية عميقة. وفي الضفة الغربية، تزايدت معدلات العنف والقيود على الحركة والتجارة، مما أثر بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة للسلطة الفلسطينية، حيث شهد الاقتصاد انكماشًا حادًا، وارتفعت معدلات البطالة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المعيشية للسكان.
يستند هذا التقرير إلى تقييم مشترك أجرته مجموعة البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، حيث يهدف إلى تقديم تحليل شامل حول تأثير النزاع على السكان، البنية التحتية، الأصول المادية، الاقتصاد، والخدمات الأساسية، إضافةً إلى تقدير الاحتياجات اللازمة لعملية التعافي وإعادة الإعمار. كما يتناول التقرير التحديات التي تواجه هذه العملية، ويوضح الخطوات والتوصيات الضرورية لضمان نجاحها.
تسبب النزاع في دمار واسع طال مختلف القطاعات الحيوية في غزة. وفقًا للتقييم، بلغت إجمالي الأضرار المادية في القطاع نحو 29.9 مليار دولار، في حين وصلت الخسائر الاقتصادية والاجتماعية إلى 19.1 مليار دولار، مما جعل إجمالي التأثير المالي للنزاع يصل إلى 49 مليار دولار. قطاع الإسكان كان الأكثر تضررًا، حيث تكبد خسائر تقدر بـ 15.8 مليار دولار، وهو ما يمثل 53% من إجمالي الأضرار. كما تكبد قطاع التجارة والصناعة خسائر بقيمة 5.9 مليار دولار، فيما بلغت الأضرار في قطاع النقل 2.5 مليار دولار، وفي قطاع المياه والصرف الصحي 1.5 مليار دولار. أما قطاع الصحة فقد تكبد خسائر بقيمة 1.3 مليار دولار، بينما تضرر قطاع التعليم بمقدار 874 مليون دولار.
على صعيد الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، تكبد قطاع الصحة خسائر تقدر بـ 6.3 مليار دولار نتيجة لانهيار الخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج، فيما سجل قطاع التعليم خسائر بقيمة 3.2 مليار دولار بسبب تعطّل النظام التعليمي بشكل كامل. كما أدت الأزمة إلى خسائر بقيمة 2.2 مليار دولار في قطاع التجارة والصناعة نتيجة إغلاق المصانع والمتاجر، بينما خسر قطاع الحماية الاجتماعية 1.4 مليار دولار بسبب توقف شبكات الأمان الاجتماعي. أما قطاع الزراعة والأمن الغذائي، فقد تكبد خسائر بقيمة 1.3 مليار دولار بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالحقول الزراعية ومخزون الغذاء.
أسفر النزاع عن موجة نزوح جماعي داخل قطاع غزة، حيث نزح 1.9 مليون فلسطيني داخليًا، وشهدت 90% من أراضي القطاع أوامر إخلاء متكررة، فيما فقد 1.2 مليون فلسطيني منازلهم بالكامل، وهو ما يعادل 60% من سكان القطاع. يعيش معظم النازحين في ملاجئ مؤقتة مكتظة، تعاني من نقص حاد في الغذاء والمياه والخدمات الصحية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
الأزمة الصحية والتغذوية ازدادت سوءًا، حيث يعاني 91% من سكان غزة (1.84 مليون شخص) من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 1.95 مليون بحلول أبريل 2025. كما أن 96% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا والنساء لا يحصلون على الحد الأدنى من التنوع الغذائي المطلوب. أما على صعيد المياه، فإن 40% من السكان لا يحصلون على الحد الأدنى الموصى به من المياه الصالحة للشرب، والذي يبلغ 6 لترات للفرد يوميًا، في حين يضطر البعض إلى العيش على 500 مل يوميًا فقط. الخدمات الصحية شهدت انهيارًا شبه كامل، حيث أصبحت 64% من المرافق الصحية غير قادرة على العمل، وتم تسجيل 1.8 مليون حالة من الأمراض المعدية نتيجة الاكتظاظ وسوء الأوضاع الصحية. كما سجلت غزة ظهور حالات شلل الأطفال بعد 25 عامًا من اختفائه، إضافة إلى انتشار أمراض سوء التغذية بين الأطفال. كما يحتاج أكثر من مليون طفل إلى دعم نفسي واجتماعي، فيما تعرض أكثر من 1,000 طفل لعمليات بتر بسبب الإصابات الناتجة عن النزاع.
لم تكن الضفة الغربية بمنأى عن تداعيات النزاع، حيث شهدت تصاعدًا كبيرًا في العنف والقيود المفروضة على التنقل، مما أثر سلبًا على الحياة اليومية للسكان. وقد أدى ذلك إلى مقتل 828 فلسطينيًا، بينهم 179 طفلًا، في ظل عمليات الاقتحام العسكري والمواجهات المستمرة. كما انكمش الاقتصاد في الضفة الغربية بنسبة 16% نتيجة القيود المفروضة على التجارة والتنقل، وهو ما أدى إلى فقدان أكثر من 40,000 وظيفة في قطاعي التجارة والصناعة. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت الإيرادات المالية للسلطة الفلسطينية بنسبة 50% بسبب القيود الإسرائيلية على التحويلات الضريبية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية.
تقدر الاحتياجات المالية لإعادة الإعمار والتعافي بحوالي 53.2 مليار دولار، منها 20 مليار دولار مطلوبة خلال السنوات الثلاث الأولى. أكثر القطاعات احتياجًا للتمويل تشمل الإسكان، حيث يتطلب 15.2 مليار دولار، والتجارة والصناعة بقيمة 6.9 مليار دولار، والصحة بنفس المبلغ، إضافة إلى قطاعي الحماية الاجتماعية والزراعة، حيث يحتاج كل منهما إلى 4.2 مليار دولار، بينما يحتاج قطاع التعليم إلى 3.8 مليار دولار.
هناك العديد من التحديات التي قد تعرقل جهود إعادة الإعمار، أبرزها استمرار القيود على دخول مواد البناء والمساعدات الإنسانية، مما يعيق بدء عمليات إعادة الإعمار، إضافة إلى نقص التمويل الدولي وعدم استدامة التعهدات المالية، حيث لا تزال الفجوة التمويلية كبيرة. كما يشكل عدم الاستقرار الأمني والسياسي عقبة رئيسية أمام جذب الاستثمارات وإعادة تشغيل الاقتصاد. علاوة على ذلك، فإن حجم الدمار الواسع في البنية التحتية يستلزم جهودًا كبيرة لإعادة تأهيل القطاعات الحيوية.
يوصي التقرير بضرورة استعادة الخدمات الأساسية في أسرع وقت ممكن، بما في ذلك إعادة تشغيل المستشفيات والمدارس وتوفير خدمات المياه والكهرباء. كما يؤكد على ضرورة إزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة لتسهيل بدء عمليات إعادة الإعمار. في الجانب الاقتصادي، يجب إطلاق برامج "العمل مقابل المال" لخلق فرص عمل للمتضررين، مع تشجيع استثمارات القطاع الخاص ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما يشدد التقرير على أهمية تعزيز وصول المساعدات الإنسانية، من خلال زيادة عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة يوميًا وضمان تدفق مستدام للإمدادات الغذائية والطبية.
يؤكد التقرير على أن إعادة الإعمار والتعافي في غزة والضفة الغربية يشكلان تحديًا هائلًا، لكنه ضروري لضمان مستقبل مستدام للفلسطينيين. يتطلب النجاح تنسيقًا وثيقًا بين المؤسسات الفلسطينية، المجتمع الدولي، والقطاع الخاص، مع ضمان وصول التمويل بشكل مستدام ورفع القيود المفروضة على التجارة والتنقل. في ظل التحديات الحالية، يبقى دعم المجتمع الدولي حاسمًا لتمكين الفلسطينيين من تجاوز آثار النزاع والانتقال نحو مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
المصدر: التقرير المشترك للبنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة حول تقييم الأضرار والاحتياجات السريعة المؤقتة في غزة والضفة الغربية (2025).
التقرير كاملا باللغة الانجليزية: التقرير كاملا