الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
13 شباط 2025

ورقة تقدير موقف- الأثمان المتوقَّعة في الاقتصاد الإسرائيليّ نتيجة الحرب على غزّة

بقلم: د. إمطانس شحادة
سياسي وأكاديمي فلسطيني

مقدّمة

بعــد مــرور أكثــر مــن عــام علــى هجــوم حركــة حمــاس علــى بلــداتِ مــا يســمّى غــلاف غــزّة، وبدايــة حــرب الإبــادة علــى غــزّة وتوسُّــعها إلــى حــرب علــى لبنــان، بــات واضحًــا أنّ الكلفــة الاقتصاديّــة والماليّــة لهــذه الحــرب ســتكون مرتفعــة جــدًّا، ومختلفــة عــن ســابقاتها مــن حــروب علــى غــزّة منــذ العــام 2009 أو حــرب لبنــان الثانيــة عــام .2006

للحرب الحاليّة خصوصيّات جعلت الإسقاطات والأثمان الاقتصاديّة مرتفعة. من ضمن ذلك:

  دخلــت إســرائيل الحــرب وهــي في  وضــع اقتصــاديّ غيــر مســتقرّ، وذلــك نتيجــة التصــدُّع السياســيّ الحاصــل في  المجتمــع الإســرائيليّ في  العــام المنصــرم، والتراجــع فـي الاقتصــاد العالمــيّ، وارتفــاع الأســعار والتضخُّــم المالــيّ العالمــيّ، وارتفــاع الفائــدة البنكيّــة؛ لكــن لــم يتحــوّل ذلــك إلــى أزمــة اقتصاديّــة جِدّيّــة.

  حصــل تراجُــع ـفـي عــدّة مؤشّــرات اقتصاديّــة خــال العــام 2023، وتراجــع في  مكانــة الاقتصــاد الإســرائيليّ الدوليّــة، وتهديــد بتراجــع التدريــج الائتمانـيّ لإســرائيل.

  بدايــة الحــرب كانــت، لأوّل مــرّة منــذ العــام 1948، عبْــر هجــوم عســكريّ داخــل بلــدات إســرائيليّة في  جنــوب البــاد. الحــرب طالــت الجبهــة الداخليّــة، وأحدثــت دمــارًا عظيمًــا في  البنــى التحتيّــة والمســاكن في  تلــك البلــدات.

  تعطّلــت الحركــة الاقتصاديّــة تعطُّــاً شــبه كامــل في  المناطــق الجنوبيّــة لفتــرة دامــت أ كثــر مــن شــهر. كذلــك تراجعــت حركــة الاقتصــاد في  المركــز الاقتصــاديّ في  إســرائيل لعــدّة أســابيع؛ ومــن ثَــمّ توقَّــفَ نشــاط الاقتصــاد في  بلــدات الشــمال نتيجــة فتــح حــزب الله جبهــة الإســناد، وبعدهــا توقّــف علــى نحــوٍ كامــل نتيجــة تحــوُّل جبهــة الإســناد إلى هجــوم إســرائيليّ واســع علــى لبنــان في  أيلــول المنصــرم (2024) أدّى إلى تعطيــل الحركــة المدنيّــة والاقتصاديّــة في بلــدات الشــمال.

  لأوّل مــرّة تقــوم إســرائيل بإجـلاء أعــداد كبيــرة مــن الســكّان اليهــود مــن منازلهــم ـفـي البلــدات الحدوديّــة في  الجنــوب والشــمال -قرابــة 150 ألــف مواطن-ونقلهــم إلى مرا كــز إيــواء في  مناطــق أخــرى، علــى حســاب ميزانيّــة الحكومــة.

كانــت هــذه المــرّة الأولـى، منــذ العــام 1973، التــي يقــوم فيهــا الجيــش الإســرائيليّ بتجنيــد واســع لقــوّات الاحتيــاط قــارَبَ نحــو 300 ألــف جنــديّ، مــع تكلفتهــم الماليّــة.

  الحرب على غزّة ولبنان هي من أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ إنشائها عام .1948

اســتعمل الجيــش الإســرائيليّ كمّيّــات هائلــة مــن الأســلحة منــذ بدايــة حــرب الإبــادة علــى غــزّة؛ ممّــا يعنــي تكاليــف كبيــرة علــى ميزانيّــة وزارة الأمــن.

  العــدد الكبيــر مــن الجرحــى والقتلــى مــن قــوّات الجيــش، وخاصّــة تزايُــد عــدد الإعاقــات الجســديّة والنفســيّة التــي تعنــي خــروج هــؤلاء مــن ســوق العمــل علــى نحــوٍ كلّــيّ أو جزئــيّ، كلّ هــذا يعنــي وجــوب القيــام بتمويــل مــن قِبــل وزارة الأمــن.

هــذه العوامــل مجتمعــةً تجعــل التكلفــة الاقتصاديّــة عاليــة جــدًّا، وتَشِــي بــأنّ الآثــار الاقتصاديّــة ســتازم الاقتصــاد الإســرائيليّ لفتــرة ليســت قصيــرة.

تتنــاول ورقــة الموقــف هــذه أبــرز الإســقاطات الاقتصاديّــة والتكلفــة الماليّــة لحــرب الإبــادة علــى غــزّة، وتوسُّــعها في  جبهــة الشــمال إلى حــرب واســعة مــع حــزب الله. وتــرى مــا يلــي:

  العامــل الماليّ والاقتصــاديّ -رغــم كلفتــه العالية-لــم يشــكّل حتّــى الآن حائـلا أمــام اســتمرار الحــرب علــى غــزّة وتوســيع الجبهــة الشــماليّة؛

  التكلفــة الماليّــة والاقتصاديّــة المباشــرة وغيــر المباشــرة للحــرب علــى غــزّة ولبنــان مكلفــة ومرتفعــة جــدًّا، وســيكون تأثيرهــا بعيــد المــدى وعميقًــا؛

تراجُــع صــورة ومكانــة إســرائيل العالميّــة وحــركات الاحتجــاج والمقاطَعــة ســتصعّب ـفـي تعافـي الاقتصــاد الإســرائيليّ؛

  أداء الحكومــة ووجــود بتســالئيل ســموتريطش وزيــرًا للماليّــة والخطّــة الحكوميّــة لتقييــد القضــاء هــي عوامــل معيقــة إضافيّــة لترميــم الاقتصــاد الإســرائيليّ؛

  علــى الرغــم مــن الأثمــان الاقتصاديّــة العاليــة، الاقتصــادُ الإســرائيليّ لــم ينهَــرْ ولــم يتراجــع تراجعًــا كبيــرًا قــد يشــكّل خطــرًا أو مرحلــة لا يمكّنــه مــن التعا في ؛

  هذه الأوضاع ستزيد من حاجة الاقتصاد الإسرائيليّ إلى الدعم الخارجيّ، وخاصّة من الإدارة الأمريكيّة.

الحالة الاقتصاديّة قبل بدء الحرب

مــرّ الاقتصــاد الإســرائيليّ عشــيّة الحــرب علــى غــزّة في  فتــرة عــدم اســتقرار نتيجــة التصدُّعــات والاحتجــاج السياســيّ ضــدّ الخطّــة الحكوميّــة لتقييــد القضــاء. لكــن علــى الجملــة، كانــت المؤشّــرات الاقتصاديّــة جيّــدة إلــى حــدٍّ مــا. فقــد بلغــت توقُّعــات النمــوّ الاقتصــاديّ للعامَيْــن 2024-2023 نحــو 3 %، وأداء ســوق العمــل كان في  حالــة جيّــدة مــع معــدّلات بطالــة منخفضــة تدنــو مــن 3.5 %، وتوقُّعــات بتضخّــم ماليّ معتــدل بنحــو 3.8 .% في  الوقــت نفســه، كان هنــاك انخفــاض في  قيمــة الشــيكل مقابــل الــدولار في  العــام 2023، وارتفــع مقــدار الفائــدة البنكيّــة الأساســيّة إلى مســتوى قياســيّ بلــغ 4.75 % وبــدأت المخــاوف تتزايــد بشــأن خفــض التصنيــف الائتما ـنـيّ لإســرائيل، وكذلــك حدثــت زيــادة في  العجــز الماليّ للحكومــة بلغــت %5.1 مــن الناتــج المحلّــيّ الإجماليّ. وهــي أرقــام -وإن كانــت أســوأ بقليــل مــن عــام -2022 تُعَــدّ معتدلــة بالمجْمَــل، ولا تشــير إلى أزمــة اقتصاديّــة خطــرة في  إســرائيل.

الإســقاطات الاقتصاديّــة الحاليّــة والمتوقَّعــة للحــرب الحاليّــة علــى غــزّة ولبنــان غيّــرت هــذه المعطيــات والتقديــرات. بعــد مــرور أ كثــر مــن عــام علــى الحــرب، بــات مــن الواضــح أنّ الأثمــان الاقتصاديّــة التــي يدفعهــا الاقتصــادُ الإســرائيليّ، وســيدفعها مســتقبَاً، ســتكون ذات وزن وتطــال جوانــب اقتصاديّــة عديــدة.

نســتعرض في  الفِقــرات التاليــة أبــرز الآثــار المســتقبليّة المتوقَّعــة في  الاقتصــاد الإســرائيليّ الكلّــيّ بســبب الحــرب علــى غــزّة.

تكلفة العمليّات العسكريّة

تكاليــف الحــرب وخســائرها الاقتصاديّــة والماليّــة تتألّــف مــن التكاليــف الاقتصاديّــة والماليّــة المباشــرة للعمليّــات العســكريّة، ومــن الخســائر غيــر المباشــرة التــي تمتــدّ علــى المــدى المتوسّــط والبعيــد. مــن أبــرز التكاليــف المباشــرة للحــرب كان تجنيــد قرابــة 300 ألــف جنــديّ احتيــاط في  الأيّــام الأولـى مــن انــدلاع الحــرب، وهــو مــا يعنــي تحمُّــل الحكومــة تكلفــة التجنيــد، وأن يتحمّــل الاقتصــاد الإســرائيليّ خســارة الناتــج بســبب عــدم مشــاركتهم ـفـي القــوى العاملــة.

بحســب تقديــرات وزارة الماليّــة، تكلفــة اليــوم الواحــد لـــِ 100 ألــف جنــديّ احتيــاط يكلّــف خزينــة الدولــة علــى نحــوٍ مباشــر مــا يقــارب 70 مليــون لدفــع رواتبهــم. وهــذا الرقــم ليــس بنهائــيّ؛ إذ ثمّــة تكلفــة إضافيّــة تتعلّــق بإيــواء هــؤلاء الجنــود وإطعامهــم، وبالتا ـلـي فــإنّ الرقْــم أقــرب إلى100 مليــون شــيكل يوميًّــا. وهنــاك أيضًــا تكلفــة غيــر مباشــرة تنعكــس في  خســارة الناتــج، والتــي تقــدَّر أيضًــا بـــِ 100 مليــون شــيكل يوميًّــا. لــذا، فــإنّ التقديــرات عــن تكلفــة إجماليّــة مباشــرة تبلــغ نحــو 200 مليــون شــيكل يوميًّــا. وَفقًــا لتقديــرات وزارة الماليّــة، تكلفــة كلّ يــوم في  الحــرب، مــن حيــث المعــدّات والذخائــر وجنــود الاحتيــاط، تبلــغ مليــار شــيكل.

اســتعمل الجيش الإســرائيليّ كمّيّات هائلة من الأســلحة والذخائر والمعدّات، وبخاصّة الصواريخ الذكيّة وصواريخ القبّــة الحديديّــة ذات التكلفــة العاليــة. وبالطبــع ســيحتاج الجيــش إلى إغــاق الفجــوات في  المخــزون، وهــو مــا ســيرفع المصاريــف العســكريّة أيضًــا بعــد الحــرب )علــى نحــوِ مــا ســنوضّح لاحقًــا.( كلّ هــذه العوامــل جعلــت التكلفــةَ الاقتصاديّــة العســكريّة المباشــرة وغيــر المباشــرة للحــرب عاليــة جــدًّا وغيــر مســبوقة في  تاريــخ الحــروب الإســرائيليّة.

تقديــرات بنــك إســرائيل ووزارة الماليّــة بشــأن التكلفــة الماليّــة للحــرب علــى غــزّة، حتّــى شــهر أيّــار المنصــرم (2024)، أفــادت بــأنّ التكلفــة قــد تصــل إلى 250 مليــار شــيكل، تشــمل التكلفــة العســكريّة والخســائر الماليّــة المباشــرة وغيــر المباشــرة للحــرب2. وثمّــة تقديــرات أنّ تكلفــة الحــرب بعــد توسُّــع الحــرب في  لبنــان تصــل إلى 300 مليــار شــيكل.

زيادة ميزانيّة الجيش

بلغــت ميزانيــة وزارة الأمــن للعــام 2023، قبــل انــدلاع الحــرب، قرابــة 60 مليــار شــيكل. أمّــا ميزانيّــة وزارة الأمــن للعــام 2024 فتبلــغ حاليًّــا، بعــد احتســاب الزيــادات، قرابــة 99 مليــار شــيكل. ومــن المتوقّــع أن تقــرّر "لجنــة ناﭼـــيل3" تخصيــص إضافــات إلى ميزانيّــة الأمــن بقيمــة لا تقــلّ عــن 30-20 مليــار شــيكل ســنويًّا في  الســنوات القادمــة، ومــن المتوقَّــع أن تبلــغ ميزانيّــة وزارة الأمــن للعــام 2025 نحــو 118 مليــار شــيكل، أي مــا يعــادل ضِعْفَــيْ ميزانيّــة العــام .2023 ترمــي الزيــادة في  الإنفــاق، بالإضافــة إلى الاحتياجــات الحاليّــة نتيجــة الحــرب، إلى تمويــل تعزيــز قــدرات الجيــش بســبب التغيُّــر في  الواقــع الأمنــيّ.

يمكــن القــول إنّ مــن أبــرز إســقاطات الحــرب ـفـي الجانــب الما ـلـيّ الحاجــةَ إلىرفــع ميزانيّــة وزارة الأمــن بالضعــف تقريبًــا. ومــن المتوقَّــع أن تصــل ميزانيّــة الأمــن عــام 2024 إلــى نحــو %7 مــن ناتــج إســرائيل المحلّــيّ الإجمالــيّ، أي ضعفَــيْ مــا كانــت عليــه في  عــام 2022 وأعلــى بنحــو %2 ممّــا كانــت عليــه في  عــام 2023 حتّــى انــدلاع الحــرب. وهــي ثاني أعلــى نســبة عالميّــة )بعــد أوكرانيــا التــي بلغــت فيهــا حصّــة ميزانيّــة الأمــن نحــو %23 مــن الناتــج المحلّــيّ(؛ وهــو مــا ســيدفع إلى إجــراء تعديــات كبيــرة في تركيبــة ميزانيّــة الحكومــة، وتقليــص ميزانيّــات في  جوانــب تســهم في  النمــوّ الاقتصــاديّ.

تراجُع النموّ الاقتصاديّ

مــن أبــرز الآثــار الســلبيّة للحــرب علــى غــزّة تراجُــعُ النمــوّ الاقتصــاديّ في  إســرائيل. فمنــذ بدايــة الحــرب، وعلــى وجــه الخصــوص في  الشــهرين الأوّلَيْــن، كان ثمّــة تراجــع في  الاســتهاك والإنتــاج والاســتثمارات، وتعطيــل لاقتصــاد تعطيــاً كامــاً في  منطقــة الجنــوب، وعلــى نحــوٍ جز ــئيّ في  منطقــة الشــمال. كلّ هــذا أدّى إلى انخفــاض في  جبايــة الضرائــب، وإلى تراجُــع في  النمــوّ الاقتصــاديّ. في  المقابــل، مــن المتوقَّــع أن يخفّــف الارتفــاع في  مصروفــات الحكومــة نتيجــة الحــرب حــدّةَ التراجــع في  النمــوّ الاقتصــاديّ.

وَفقًــا لمعطيــات حديثــة لدائــرة الإحصــاء المركــزيّ، كان ثمّــة انخفــاض بنســبة 1.4 % في  الناتــج المحلّــيّ الإجما ــليّ في  الربــع الثانــي مــن عــام 2024 مقارَنــةً بالربــع الثانــي مــن عــام .2023 أمّــا في  الناتــج المحلّــيّ الإجمالــيّ للأعمــال، فقــد حصــل تراجــع جِــدّيّ بنســبة %4.8 في  الربــع الثا ــني مــن العــام 2024؛ وهــو مــا يعنــي بدايــة دخــول الاقتصــاد في  حالــة ركــود. وحصــل انخفــاض في  الصــادرات بنســبة %8.1، كمــا بلغــت نســبة انخفــاض واردات الســلع والخدمــات مــا مقــداره %9.8، وانهيــار الاســتثمارات العقاريــة بنســبة.%16.9

معطيــات وزارة الماليّــة وبنــك إســرائيل تفيــد بحصــول تراجــع في  النمــوّ في  العــام 2023 مــن %3، وَفقًــا للتقديــرات الســابقة، إلى1.5 .% وتتوقّــع التقديــرات حصــول تراجــع في  النمــوّ لعــام 2024 مــن %3 إلىقرابــة 1.7 7.% وإذا أخذنــا في  الحســبان الزيــادةَ الطبيعيّــة للســكان، فــإنّ مــا نحــن بصــدده هــو نمــوّ صفْــريّ في  العــام .2024

توقُّعــات معهــد أهــرون للأبحــاث الاقتصاديّــة في  جامعــة رايخمــان، بشــأن النمــوّ الاقتصــاديّ للعــام 2024، أنّ نســبة النمــوّ للعــام 2024 ســتكون ســلبيّة إذ ســتصل إلى3.1 %؛ وهــو مــا يعنــي تراجــع الناتــج المح لّــيّ للفــرد الواحــد بنســبة %5، وأنّ نســبة العجــز الما ــليّ مــن الناتــج المحلّــيّ ســتصل إلى نحــو 9 %، وســتصل نســبة الدَّيْــن الخارجــيّ مــن الناتــج المح لّــيّ إلى8.%71 في  العــام 2025، وَفقًــا لمعهــد أهــرون، ســيكون النمــوّ الاقتصــاديّ نحــو 1.7 %، ويتراجــع العجــز إلى7.8 % مــن الناتــج، وســيرتفع الدَّيْــن الخارجــيّ إلى76 % مــن الناتــج.

صنــدوق النقــد الدو ـلـيّ خفّــض أيضًــا توقُّعــات نمــوّ الاقتصــاد الإســرائيليّ في  مــا يخــصّ العامَيْــن 2024 وَ 2025، وذلــك في  إطــار توقُّعاتــه لاقتصــاد العالمــيّ التــي نشــرها نهايــةَ شــهر تشــرين الأوّل الماضــي، إذ قــال إنّ نمــوّ الاقتصــاد الإســرائيليّ لهــذا العــام ســيكون بنســبة 0.7 % مقارَنــةً بالتوقُّعــات الســابقة 1.6 .% كذلــك جــرى تخفيــض التوقُّعــات للنمــوّ الاقتصــاديّ للعــام 2025 مــن 5.4 % إلى 2.7 % الآن.

ميزانيّة الحكومة

في ظــلّ هــذه الأوضــاع الاقتصاديّــة واســتمرار الحــرب، اضطُــرّت الحكومــة الإســرائيليّة إلى رفــع ميزانيّــة العــام 2023 بـــِ 30 مليــار شــيكل لتبلــغ قيمتهــا الإجماليّــة 510 مليــارات شــيكل. كذلــك أعــادت وزارة الماليّــة بنــاء الميزانيّــة العامّــة للعــام 2024 وأَقْلَمَتْهــا لحالــة الحــرب، وطرحــت تقليصــات في  الميزانيّــة ورفــع الضرائــب10. اقترحــت وزارة الماليّــة تقليــص 3 % مــن ميزانيّــة الــوزارات كافّــة، ورفْــع قيمــة الضريبــة المضافــة مــن 17 % إلى 18 % بدايــةَ العــام 2025، ورفْــع مُجْمَــل ميزانيّــة العــام 2024 بـــِ 69 مليــار شــيكل لتصــل إ لى 585 مليــار شــيكل، ورفْــع العجــز الما ــليّ للحكومــة إلى نســبة %5-6 مــن الناتــج المحلّــيّ في  العامَيْــن 2024 وَ 2025، ومــن المتوقَّــع أن يصــل الدَّيْــن الخارجــيّ إلى مــا نِسْــبتُهُ %70 مــن إجماليّ الناتــج المحلّــيّ.

كلّ هــذا يعنــي أنّ الحكومــة ســتُضطرّ إلىإجــراء تقليصــات جديــدة ـفـي ميزانيّــات الــوزارات كافّــة، ورفــع الضرائــب، لتمويــل نفقــات الحــرب مــن جهــة، وأعبــاء الدَّيْــن الخارجــيّ. علــى ســبيل المثــال، فـي ميزانيّــة العــام 2025 اقتــرح الوزيــر ســموتريطش إجــراء تقليــص في ميزانيّــة التعليــم العالـي بـــِ 400 مليــون شــيكل ابتــداءً مــن العــام 2026، وتقليــص في  ميزانيّــة المواصــات بقيمــة 700 مليــون شــيكل في  كلّ عــام مــن الأعــوام الأربعــة 2025 - 11.2028 وتشــمل التقليصــات المقترَحــة تخفيضًــا كبيــرًا أيضًــا مقــدارُهُ 270 مليــون شــيكل في  موازنــة وزارة الاقتصــاد -وهــي ميزانيّــات مخصَّصــة لتشــجيع الابتــكار والتكنولوجيــا في  الصناعــة.

ارتفاع العجز في ميزانيّة الحكومة

مــن المتوقَّــع أن يرتفــع العجــز في  ميزانيّــة الحكومــة نتيجــة لتراجــع النمــوّ الاقتصــاديّ والاســتهاك، وانخفــاض إيــرادات الحكومــة، خاصّــة مــن الضرائــب، وارتفــاع نفقــات الحكومــة لتغطيــة تكاليــف وخســائر الحــرب وإعــادة الإعمار، خاصّــة في  منطقــة الجنــوب. فقــد بلغــت قيمــة الضــرر المدنــيّ في  بلــدات الجنــوب -وَفــقَ تقديــرات أوّليّــة- إلــى قرابــة 6 مليــارات شــيكل )قرابــة 1.5 مليــار دولار.( كذلــك ستنشــأ حاجــة إلىتمويــل المصاريــف العســكريّة للحــرب، واســتكمال مخــزون المعــدّات والســاح والذخيــرة، وهــو مــا يتطلّــب زيــادات كبيــرة لميزانيّــة وزارة الأمــن.

اســتنادًا إلىمعطيــات وتقديــرات وزارة الماليّــة، قبــل انــدلاع الحــرب، كان متوقَّعًــا أن يصــل العجــز في  الميزانيّــة الحكوميّــة في  العــام 2023 إلى 1.3 % مــن الناتــج المحلّــيّ، و في  العــام 2024 إلى مــا يقــارب 1.1 .% أمّــا بعــد انــدلاع الحــرب، فمــن المتوقَّــع أن يصــل العجــز في  العــام 2023 إلى3 4-% %، و في العــام 2024 إلى قرابــة 8.%

الدَّيْن الخارجيّ

مــن المتوقَّــع -علــى نحــوِ مــا ذكرنــا ســابقًا- أن ترتفــع نســبة الدَّيْــن الخارجــيّ مــن الناتــج المحلّــيّ إلى مــا يقــارب %70، مقارَنــةً بـــِ 60 % في  الســنوات الأخيــرة. وهــي النســبة الأعلــى التــي يمكــن لإســرائيل بلوغهــا دون إلحــاق ضــرر بتدريــج الائتمــان الدولـيّ، وَفقًــا لتقديــر موقــف نشــره مركــز أهــرون للسياســات الاقتصاديّــة13. وفي  تشــرين الثا ـنـي، عدّلــت الحكومــة مــرّة أخــرى ســقف العجــز المالــيّ ورفعتــه بـــِ 1.1 % إضافيّــة، مــن 6.6 % مــن الناتــج المحلّــيّ إلــى 7.7 %، لتصــل الميزانيّــة الحكوميّــة عــام 2024 إلى 660 مليــار شــيكل14. أمّــا تقديــرات صنــدوق النقــد الدو ــليّ المحدَّثــة لغايــة شــهر تشــرين الأوّل (2024)، فتفيــد أنّــه ســتصل نســبة العجــز إلى قرابــة 9 % مــن الناتــج المحلّــيّ. هــذه التقديــرات مبنيّــة علــى حقيقــة عــدم قــدرة الحكومــة علــى تنفيــذ جميــع التقليصــات المطلوبــة في  الميزانيّــة لأســباب سياســيّة، لتمويــل هــذه التكاليــف، اقترضــت وزارة الماليّــة بحجــم غيــر مســبوق تقريبًــا. وقــد ارتفــع دَيْــن الحكومــة مــن 1.04 تريليــون شــيكل في  نهايــة عــام 2022 إلــى 1.25 تريليــون شــيكل في  النصــف الثانــي مــن عــام.2024

التضخُّم الماليّ

شــهد العــام 2023 ارتفاعًــا في  التضخُّــم الما ــليّ في  إســرائيل، وكانــت التوقُّعــات أن يصــل إلى قرابــة 4 %، وهــو مــا دفــع عميــد بنــك إســرائيل إلى رفــع الفائــدة البنكيّــة الأساســيّة عــدّة مــرّات في  العــام الأخيــر لتصــل إلى قرابــة 4.5 %، بعــد أن لامســت الـــ 0.5 % في  العَقــد الأخيــر.

للحــرب علــى غــزّة تأثيــرات متناقضــة علــى التضخُّــم الما ـلـيّ. فمــن جهــة، ثمّــة عوامــل تدفــع إلىتراجــع التضخُّــم، أهمّهــا انخفــاض الاســتهاك العــامّ والركــود الاقتصــاديّ المتوقَّــع بعــد الحــرب، لكــن مــن جهــة أخــرى مــن المتوقَّــع أن يســتمرّ تراجــع ســعر صــرف الشــيكل مقابــل الــدولار، أي ارتفــاع أســعار الســلع والخدمــات المســتورَدة، وارتفــاع حجــم الإنفــاق الحكومــيّ، وأن تــؤدّي الحــرب إلى نقــص في  العديــد مــن المنتَجــات الزراعيّــة بســبب تركيــز الفــروع الزراعيّــة الإســرائيليّة في منطقــة الجنــوب. كذلــك ثمّــة توقُّعــات أن يحصــل ارتفــاع عالمــيّ في  أســعار النفــط، وهــو مــا ســيؤدّي إلى ارتفــاع أســعار المحروقــات في  إســرائيل.

هــذه العوامــل المتناقضــة ســتخلق ضغوطًــا في  اتّجــاه تضخُّــم ما ــليّ في  المــدى القريــب والمــدى المتوسّــط، ولــذا مــن المتوقَّــع أن تبقــى معــدَّلات التضخُّــم مرتفعــة نســبيًّا في  الاقتصــاد عــام 2023 وعــام 2024، وأن تبقــى متراوحــة بيــن .% 5و % 4.5

أسواق العمل

تأثيــر الحــرب علــى أســواق العمــل يتفــاوت؛ وذلــك بحســب الفــروع الاقتصاديّــة. فمــع بدايــة الحــرب، منعــت إســرائيل دخــول العمّــال الفلســطينيّين مــن الضفّــة الغربيّــة إلى إســرائيل، وغــادر غالبيّــة العمّــال الأجانــب البــاد. نتيجــة لذلــك، كان ثمّــة ضــرر في  الفــروع الاقتصاديّــة التقليديّــة مثــل البنــاء والبنــى التحتيّــة، والصناعــة التقليديّــة والزراعــة. مــن المتوقَّــع أن يــؤدّي ذلــك إلــى تراجــع في  بنــاء الشــقق والمنــازل في  إســرائيل، وإلــى ارتفــاع في  أســعار العقــارات، وإلــى ضــرر لشــركات البنــاء بســبب تعطُّــل العديــد مــن المشــاريع، وكذلــك تراجُــع في  الناتــج الزراعــيّ وارتفــاع في  أســعار الخضــار والفاكهــة والمنتَجــات الزراعيّــة.

في  المقابــل، ثمّــة أضــرار في  قِطــاع التقنيّــات العاليــة- "الهايْتِــك"، والصناعــات المتطــوّرة ناتجــة عــن تجنيــد قــوّات الاحتيــاط، وتجنيــد عــدد كبيــر مــن العمّــال في هــذا القِطــاع، فضــاً عــن خــروج آلاف الإســرائيليّين مــن أســواق العمــل بســبب الإصابــات الجســديّة والنفســيّة في  الحــرب.

بطبيعــة الحــال، تأثيــرات الحــرب علــى ســوق العمــل متنوّعــة ومختلفــة إلى حــدٍّ مــا بيــن القِطاعــات الاقتصاديّــة. فمــن جهــة، كمــا ســيكون ثمّــة تأثيــر ســلبيّ علــى القِطاعــات التقليديّــة -كالبنــاء والبنــى التحتيّــة والزراعــة والصناعــات التقليديّــة علــى ســبيل المثــال- نتيجــة النقــص في  الأيــدي العاملــة، وكذلــك توقُّــف شــبه تــامّ لقِطــاع الســياحة لعــدّة أشــهر، وتراجُــعٍ مــا في  قِطــاع التقنيّــات العاليــة، ســيكون هنالــك في  المقابــل انتعــاش في  قِطــاع الصناعــات العســكريّة كافّــة، وزيــادة في  عــدد الطلبــات وعــدد العمّــال، خاصّــة مــن وزارة الأمــن الإســرائيليّة، بالإضافــة إلــى الارتفــاع العالمــيّ في  الطلــب علــى الأســلحة والمعــدّات العســكريّة والذخائــر مــن الصناعــات العســكريّة الإســرائيليّة، واســتمرار لارتفــاع الكبيــر لمبيعــات أنظمــة الأســلحة الإســرائيليّة عــام 2024 في  الأســواق العالميّــة والمحلّيّــة19. علــى ســبيل المثــال، وقّعــت وزارة الدفــاع بدايــة العــام الحا ـلـيّ علــى صفقــات ضخمــة مــع الصناعــات العســكريّة الإســرائيليّة، مــن بينهــا شــركة "إلْبِــتْ للصناعــات العســكريّة" لشــراء الآلاف مــن الأســلحة والذخائــر الدقيقــة وقذائــف الطائــرات المصمَّمــة خصّيصًــا للجيــش الإســرائيليّ، بقيمــة مليــار شــيكل، لضمــان مــورد ذا ــتيّ للأســلحة والذخائــر وتقليل التعلُّق بالأســلحة الأمريكيّــة.

في  المجْمَــل، لــم ترتفــع معــدّلات البطالــة ارتفاعًــا حــادًّا خــال فتــرة الحــرب. حاليًّــا، معــدّل البطالــة، بعــد احتســاب العوامــل الموســميّة، يــدور حــول 3.6 % مقارنــة بـــِ 3.4 % قبــل الحــرب. يأتي ذلــك علــى الرغــم مــن اســتدعاء عشــرات الآلاف مــن جنــود الاحتيــاط وتعطيــل آلاف أماكــن العمــل خــال عــام الحــرب ـفـي محيــط قِطــاع غــزّة وعلــى الحــدود اللبنانيّــة.

ومــع ذلــك، يســتمرّ معــدّل التوظيــف في  إســرائيل في  التراجــع مقارَنــةً بالعالَــم؛ وذلــك بســبب غيــاب عــدد كبيــر مــن الرجــال الحريديّيــن والنســاء العربيّــات عــن ســوق العمــل. وَفقًــا لبيانــات دائــرة الإحصــاء المركزيّــة وبنــك إســرائيل، بلــغ معــدَّل المشــارَكة في  ســوق العمــل للفئــة العمْريّــة 15 عامًــا فمــا فــوق في  ســبتمبر عــام 2023 مــا يقــارب 61.5 %، وهــو الآن عنــد مســتوى منخفــض جــدًّا يبلــغ 60.9.%

تراجُع تدريج الائتمان الإسرائيليّ

فـي العــام 2024، حصــل تراجــع ـفـي تدريــج الائتمــان الإســرائيليّ لــدى شــركات تدريــج الائتمــان العالميّــة، نتيجــة تراجــع أداء الاقتصــاد الإســرائيليّ وزيــادة الـــمَخاطر. فعلــى ســبيل المثــال، حــذّرت شــركة "موديــز" )لتدريــج الائتمــان( أنّ المواجَهــة العســكريّة مــن شــأنها أن تــؤدّي إلىإضعــاف مؤسَّســات إســرائيل مادّيًّــا، ولا ســيّما أدوات صنــع السياســات. "موديــز" تشــعر بالقلــق حيــال عــدم الانضبــاط المالــيّ في  أعقــاب الحــرب، وثمّــة حالــة مــن عــدم اليقيــن بشــأن الزيــادة الدائمــة التــي تتــراوح بيــن 15 مليــار شــيكل وَ 20 مليــار شــيكل ـفـي الإنفــاق الحر ـبـيّ الســنويّ في  الســنوات المقْبِلــة.

بســبب الحــرب التــي تســبّبت في حصــول أضــرار جســيمة لاقتصــاد الإســرائيليّ، وأثــارت مخــاوف مــن أنّ إســرائيل قــد تســتصعب لأوّل مــرّة أن تَفِــيَ بجــزء مــن ديونهــا في  المســتقبل، قامــت وكالات تصنيــف الائتمــان بخفــض مســتويات تدريــج الائتما ــنيّ لإســرائيل. جــاء ذلــك مصحوبًــا بتقاريــر حــادّة أعربــت عــن قلقهــا مــن توسُّــع رقعــة الحــرب في  الشــرق الأوســط وعلــى حــدود إســرائيل، ووجّهــت انتقــادات لاذعــة للحكومــة الإســرائيليّة لعــدم اتّخاذهــا خطــوات مناسِــبة للتعامــل مــع الوضــع المتــأزّم، ولتقويضهــا أســس الديمقراطيّــة في البــلاد.

قبــل الحــرب، كانــت تدريجــات إســرائيل الائتمانيّــة في  أعلــى مســتوياتها علــى الإطــاق، وكانــت التوقُّعــات إيجابيّــة تشــير إلــى احتمــال رفــع تدريــج إســرائيل في  المســتقبل. كانــت إســرائيل مدرجــة في  بعــض الــوكالات ضمــن أفضــل 20 دولــة مــن حيــث الاقتصاديّــات القويّــة والمســتقرّة والمزدهــرة عالميًّــا.

بعــد انــدلاع الحــرب، تــردّدت وكالات التصنيــف بشــأن خفــض تدريــج الائتمــان، لكــن في  فبرايــر جــاء أوّل خفــض علــى الإطــاق للتدريــج الائتما ـنـيّ لإســرائيل. وقــد خفّضــت وكالــة "موديــز" التصنيــف بمســتوى واحــد، وبعــد عــدّة أشــهر خفّضتــه بمســتويَيْن. وكالــة "ســتاندرد آنــد ﭘـــورز"، الأكبــر عالميًّــا، خفّضــت التدريــج لأوّل مــرّة في  نيســان /أﭘـــريل مــن هــذا العــام بمســتوى واحــد، ثــمّ بمســتوى إضا في  الأســبوع الماضــي إلىA . كذلــك خفّضــت وكالــة "فِيتْــش" التصنيــف إلى A لأوّل مــرة24.

تُشــكِّل التوقُّعــات الســلبيّة لهــذه الــوكالات تهديــدًا بمزيــد مــن الخفــض للتدريــج الائتما ـنـيّ لإســرائيل قريبًــا إذا توسّــعت الحــرب أ كثــر، وإذا اســتمرّت الحكومــة في  عــدم اتّخــاذ الخطــوات الازمــة لتقليــص العجــز في  الميزانيّــة وضمــان اســتقرار الاقتصــاد. كذلــك أدّت هــذه التخفيضــات إلى ارتفــاع تكلفــة تأميــن الســندات الحكوميّــة، كانعــكاس لارتفــاع المخاطَــرة بالاســتثمار بالســندات الحكوميّــة.

خاتمة

بعــد التوصُّــل إلىاتّفــاق لوقــف إطــاق النــار بيــن إســرائيل وحــزب الله وتراجــع حــدّة الحــرب علــى غــزّة، وحصــول توقُّــف شــبه تــامّ للهجمــات الصاروخيّــة علــى البلــدات الإســرائيليّة، بــدأ الاقتصــاد الإســرائيليّ يعــود تدريجيًّــا إلى الحالــة الطبيعيّــة، وكذلــك بــدأ تقييــم الأضــرار والتعامــل مــع النتائــج الاقتصاديّــة للحــرب. فقــد أقــرّ الكنيســت في  بدايــة شــهر كانــون الأوّل (2024)، للمــرّة الرابعــة، رفْــعَ نســبة العجــر الما ـلـيّ المســموح بــه في  الميزانيّــة إلى%7.7 مــن الناتــج المحلّــيّ، وبــدأت الحكومــة بتنفيــذ سياســات ماليّــة لتمويــل العجــز ورفــع النفقــات، ولا ســيّما العســكريّة منهــا، عبْــر سلســلة مــن القــرارات الضريبيّــة، مــن بينهــا: رفــع ضريبــة القيمــة المضافــة بـــِ 1% )مــن 17% إلى (18%؛ رفع نســبة ضريبــة التأميــن الوطنــيّ؛ تجميــد مســتحقّات الأطفــال؛ إجــراء تقليصــات في  ميزانيّــات الــوزارات.

الآثــار الاقتصاديّــة للحــرب لغايــة نهايــة كانــون الأوّل (2024) واســعة النطــاق، وتشــمل أضــرارًا كبيــرة للنشــاط الاقتصــاديّ، المحلّــيّ والدولــيّ )الصــادرات والاســتثمارات الأجنبيّــة(، إلــى جانــب زيــادة كبيــرة في  النفقــات الحكوميّــة

لاســتهلاك وميزانيّــات الطــوارئ لدعــم الأشــخاص الذيــن جــرى إجاؤهــم، والخســائر فـي النشــاط الاقتصــاديّ،

وانخفــاض الإيــرادات الحكوميّــة. كلّ هــذا يهــدّد الاســتقرار الاقتصــاديّ الــذي قــد ينحــرف عــن مســار النمــوّ في الســنوات الأخيــرة.

إلىذلــك يضــاف عــدم ثقــة قِطــاع الأعمــال وكبريــات الشــركات بــالإدارة الاقتصاديّــة والماليّــة للحكومــة. الحكومــة الحاليّــة اختــارت التعامــل مــع التغيُّــرات الاقتصاديّــة نتيجــة الحــرب بــالأدوات الاقتصاديّــة التقليديّــة نفســها عــن طريــق تقليــص الميزانيّــة ورفــع العجــز، ولــم تَعْمَــد إلى فــرض ضرائــب علــى الدخــل إضافيّــة ذات وزن، وخاصّــة علــى الطبقــات الغنيّــة أو علــى الشــركات، ولــم تراجــع تقســيم المــوارد، واســتمرّت في  الالتــزام بالمقاربــات الاقتصاديّــة القائمــة.

أقــرّت الحكومــة تقليــص 3 % مــن ميزانيّــات الــوزارات كافّــة في ميزانيّــة عــام 2024، لكنّهــا في  المقابــل أبقــت علــى جميــع الميزانيّــات الخاصّــة وَفقًــا لاتّفاقيّــات التحالــف، وعلــى وجــه التحديــد الميزانيّــات المخصَّصــة لاســتيطان والميزانيّــات المخصَّصــة للفئــات المتديّنة-الحريديّــة. الحكومــة لا تريــد زيــادة الدَّيْــن العــامّ زيــادة كبيــرة ولســنوات عديــدة، وتســتمرّ في  الالتــزام ببنــود التحالــف الحكومــيّ وتخصيــص ميزانيّــات خاصّــة لأحــزاب التحالــف. بِــذا هــي تضيــف عقبــاتٍ وإشــكاليّات مســتقبليّة للحالــة الاقتصاديّــة، ولا تقلّــل مــن عــدم اليقيــن الاقتصــاديّ. كلّ هــذا ســيزيد مــن الضائقــة والأزمــات الاقتصاديّــة، وقــد يطيــل أمــد الأزمــات الاقتصاديّــة ويعمّقهــا بعــد انتهــاء الحــرب علــى غــزّة بفتــرة طويلــة.

علــى الرغــم مــن كلّ هــذا، مــا زال الاقتصــاد الإســرائيليّ متينًــا ولــم ينهَــرْ، ولــم تتوقّــف الاســتثمارات الأجنبيّــة أو لــم تتراجــع علــى نحــوٍ بالــغ، ومــا زال الناتــج المحلّــيّ مرتفعًــا، وثمّــة تحسُّــن في  جبايــة الضرائــب في  الأشــهر الأخيــرة. في  الظــروف والمعطيــات الحاليّــة، وعلــى الرغــم مــن الأضــرار والتراجــع في  الحالــة الاقتصاديّــة، فــإنّ الاقتصــاد الإســرائيليّ يمكــن أن ينجــح ـفـي التعافـي خــال الســنوات القادمــة، وخاصّــة بوجــود دعــم اقتصــاديّ أمريكــيّ كبيــر، واســتمرار الفــروع الاقتصاديّــة المركزيّــة -ومــن بينهــا التقنيّــات العاليــة- "الهايْتِــك" في  القيــام بــدَوْر مركــزيّ في  الاقتصــاد الإســرائيليّ، وارتفــاع كبيــر في  صــادرات الســاح التــي ستســتمرّ في  الإســهام في  إدخــال مبالــغ ضخمــة مــن العملــة الأجنبيّــة والضرائــب وخلــق أماكــن عمــل.

 

 

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟