الرئيسية » افتتاحية الأسبوع »
 
03 شباط 2025

افتتاحية الأسبوع: تحديات متفاقمة في ظل تحولات عالمية

هيئة التحرير

نشهد في الوقت الراهن العديد من التطورات السياسية على المستويات الدولية والإقليمية والعربية والمحلية، حيث يشهد النظام العالمي تحولًا واضحًا مع تراجع هيمنة القطب الواحد تدريجيًا، في ظل صعود قوى اقتصادية جديدة تسعى لإعادة تشكيل موازين القوى العالمية.

التحولات السياسية والاقتصادية الإقليمية تلقي بظلالها، وخاصة في ظل انشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية وإعادة ترتيب تحالفاتها، مما أدى إلى تراجع الدعم المالي والسياسي للقضية الفلسطينية. الدول التي كانت تقدم مساعدات مباشرة باتت تعيد النظر في أولوياتها، خاصة مع دخولها في تحالفات اقتصادية جديدة مثل بريكس بلس.

على الجانب الآخر، شهدت الولايات المتحدة تحولًا سياسيًا كبيرًا بعودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم، مستعيدًا نهجه المعروف، لكن هذه المرة بأسلوب أكثر حدة وتطرفًا في تعامله مع القضايا الدولية. فقد تبنى سياسة تقوم على التفرد والهيمنة، حتى في علاقاته مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، مما يعكس توجهًا نحو تعزيز المصالح الأمريكية وفق رؤية قومية صارمة، بغض النظر عن التوافقات الدولية السابقة.

وأثارت مواقفه الأخيرة قلقًا واسعًا، خصوصًا في ظل توجهاته المتشددة تجاه أوروبا وكندا، ومساعيه المتكررة لإعادة فتح ملف غرينلاند ضمن خططه الجيوسياسية، إلى جانب موقفه من قناة بنما ومسائل اقتصادية واستراتيجية أخرى. هذه السياسات لا تعكس فقط نهجًا أكثر عدائية في العلاقات الدولية، بل قد تؤدي إلى إضعاف التحالفات الغربية التقليدية، وتقويض النظام العالمي القائم على القطب الواحد، مما يفتح المجال أمام تصاعد نفوذ القوى المنافسة مثل الصين وروسيا، وإعادة رسم خريطة التوازنات الدولية بشكل أكثر تعقيدًا.

في المقابل، تزايد النفوذ التكنولوجي الصيني وتأثيره على التوازنات العالمية قد ينعكس على القضية الفلسطينية عبر عدة مسارات، وإتاحة فرص لتعزيز العلاقات الفلسطينية-الصينية سياسيًا واقتصاديًا.

على الصعيد الإقليمي والعربي، شهد محور ايران تحولات جوهرية كان لها انعكاسات مباشرة على الساحة الفلسطينية. فقد تعرض هذا المحور لتغيرات مفاجئة هزت المنطقة، أبرزها التحول الدراماتيكي في سوريا، حيث انهار النظام القديم لصالح نظام جديد غير محدد الملامح حتى الآن، وسط حالة من الترقب والحذر. وما يثير التساؤلات أن القيادة الجديدة، رغم جذورها في التيار الإسلامي المتشدد، تبنّت فجأة نهج الحوار والانفتاح، وهو ما لاقى استحسانًا عالميًا لاعتبارات مختلفة، لكنه في الوقت ذاته يثير الكثير من التساؤلات حول الشكل المستقبلي لهذا التحول.

في فلسطين، لا يمكن فصل المشهد المحلي عن التحولات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، خاصة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة. فقد جاء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر في سياق متشابك مع هذه التغيرات، حيث لم يكن مجرد تصعيد عسكري، بل حرب إبادة ممنهجة استهدفت البشر والحجر، وأسفرت عن تدمير أكثر من 90% من قطاع غزة، وامتدت تداعياتها لتشمل كافة مكونات الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية، القدس، أو حتى مناطق الشتات.

هذا العدوان جاء متزامنًا مع التحولات الإقليمية، إذ تأثرت القضية الفلسطينية بشكل مباشر بإعادة رسم الخريطة السياسية في العالم العربي، سواء من خلال تبدل التحالفات، أو تغير مواقف بعض الدول تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فالتغييرات التي شهدتها المنطقة لم تقتصر على إعادة ترتيب الأولويات السياسية للدول، بل انعكست أيضًا على طبيعة التعامل مع القضية الفلسطينية، بين محاولات للتطبيع، وضغوط دولية لإعادة صياغة المشهد السياسي الفلسطيني، بما يتماشى مع التوازنات الجديدة في المنطقة.

تواجه القضية الفلسطينية تحديات غير مسبوقة في ظل التحولات الإقليمية والدولية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فعلى المستوى الداخلي، لازال الانقسام الفلسطيني رغم حجم الإبادة والدمار الهائل الذي شهده قطاع غزة، مما يهدد أي مساعٍ لتوحيد الضفة والقطاع.

في الوقت ذاته، يتصاعد الاستيطان بوتيرة غير مسبو  قة، حيث تمارس ميليشيات المستوطنين، تحت حماية الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، إرهابًا ممنهجًا من خلال قطع الطرق، إحراق الممتلكات، والقتل العشوائي. وعلى الصعيد الدولي، تستهدف إسرائيل وجود المخيمات الفلسطينية عبر عمليات تدمير ممنهجة، إلى جانب حربها ضد الأونروا، التي تمثل رمزية دولية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين ودورها الحيوي في توفير الخدمات الأساسية لهم.

في ظل هذا المشهد، يعود ترامب إلى الواجهة بأفكار أكثر تطرفًا، تهدد الوجود الفلسطيني عبر مخططات تهجير مشبوهة، في محاولات يائسة لن تنجح في طمس الحقوق الوطنية الفلسطينية.

وكذلك أصبحت الحكومة الفلسطينية في مأزق غير مسبوق، مع تضييق الخناق المالي بشكل حاد، ما جعلها تكافح لتوفير الحد الأدنى من الإيرادات لضمان تسديد أبسط النفقات وسط مستقبل قاتم. فالوضع المالي يزداد خطورة مع قرصنة إسرائيلية لأموال المقاصة تجاوزت 6 مليارات شيكل، وتراكم متأخرات القطاع الخاص بأكثر من 6 مليارات شيكل، إضافة إلى ديون القطاع العام من موظفين وحكومة التي تخطت 5 مليارات شيكل، كل ذلك في ظل عزوف متعمد من المجتمع الدولي والعربي عن تقديم أي دعم حقيقي.

في الختام، لا شك أن هذه المرحلة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، وسط تحديات جسام تهدد حاضرها ومستقبلها. لذا، لا بد من دق ناقوس الخطر وإحباط المخططات الإسرائيلية والأمريكية، وهو ما لن يتحقق إلا عبر توحيد جبهتنا الداخلية أولًا، ثم تعزيز صمودنا وبقائنا على أرضنا، وصولًا إلى هدفنا المشترك: إقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

والله الموفق.

 

 

 

مواضيع ذات صلة