الرئيسية » منوعات »
 
29 كانون الأول 2024

المراقبة في بيئة العمل: بين تعزيز الإنتاجية وتقويض الروح المعنوية

بوابة اقتصاد فلسطين

في ظل بيئة العمل الهجين التي تطمس الحدود بين الحياة الشخصية والمهنية، يواجه أرباب العمل تحديات كبيرة في قياس أداء موظفيهم. وللتغلب على هذا التحدي، اتجه البعض إلى تطبيق تدابير مراقبة صارمة، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن هذه الممارسات غالباً ما تؤدي إلى نتائج عكسية، مما يضر بالإنتاجية ويقوض الروح المعنوية للموظفين.

تأثير المراقبة على أداء الموظفين

أظهر استطلاع أجرته شركة "جلاس دور" عام 2023، شمل أكثر من 2300 متخصص في الولايات المتحدة، أن 41% من المشاركين يشعرون بتراجع إنتاجيتهم تحت تأثير مراقبة رؤسائهم. وأوضح الاستطلاع أن العاملين في قطاعي التمويل والتكنولوجيا كانوا الأكثر تضرراً.

ورغم أن 96% من أرباب العمل عن بُعد يدافعون عن المراقبة كوسيلة لزيادة الإنتاجية، إلا أن الدراسات تؤكد أن هذه السياسات تزيد من التوتر، وتضعف الثقة، وتؤدي إلى تراجع الأداء.

سلوكيات غير متوقعة تحت المراقبة

نشرت مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" دراسة حديثة أوضحت أن المراقبة المستمرة قد تدفع الموظفين نحو سلوكيات مخالفة للقواعد. في تجربة شملت 200 موظف، وجد الباحثون أن الموظفين الذين خضعوا للمراقبة كانوا أكثر عرضة للغش مقارنة بمن تُركوا أحراراً.

تفسير هذه الظاهرة يكمن في تقويض الشعور الأخلاقي لدى الموظفين، حيث يتحول المسؤول عنهم إلى مصدر توجيه سلوكهم بدلاً من قيمهم الشخصية. وهذا يخلق تأثيراً معاكساً يؤدي إلى ضعف الالتزام بالقواعد وزيادة التوتر.

الحاجة إلى ثقافة الثقة والاستقلالية

تشير الدراسات إلى أن تعزيز بيئة عمل قائمة على الثقة والاستقلالية أفضل بكثير من سياسات المراقبة المكثفة. بتقدير الموظفين كبالغين مسؤولين، يمكن للقادة تنمية ثقافة عمل تشجع على الالتزام الأخلاقي وتثبط سوء السلوك.

الإنتاجية الحقيقية لا تُقاس بعدد ساعات العمل أو ضغطات لوحة المفاتيح، بل بالنتائج التي يحققها الموظفون حين يشعرون بالثقة والتقدير.

مستقبل العمل الهجين

مستقبل العمل الهجين لا ينبغي أن يكون قائماً على المراقبة المستمرة، بل يجب أن يرتكز على الثقة وتمكين الأفراد. من خلال تحديد توقعات واضحة وتعزيز التواصل المفتوح وتقديم ملاحظات بنّاءة، يمكن للقادة بناء بيئة عمل ملهمة تدعم الإنتاجية وتُبرز أفضل ما لدى الموظفين.

في نهاية المطاف، النجاح في العصر الهجين يتطلب الابتعاد عن ممارسات المراقبة المفرطة، والتوجه نحو بيئة عمل إنسانية تُقدّر الثقة والاستقلالية، وتعيد تشكيل ثقافة العمل لتحقيق توازن مثالي بين الأداء والرضا المهني.

كلمات مفتاحية::