الرئيسية » رواد الإقتصاد » آخر الأخبار »
 
03 تشرين الثاني 2024

عدتُ لوطني لأضع العلم بين أيدي شبابنا وأبني صناعة فلسطينية مستقلة - قصة محمد أمين جوهر

خاص- بوابة اقتصاد فلسطين

في عالم تتشابك فيه الأحلام مع التحديات، وتصبح الأرض ساحةً لسباق لا ينتهي نحو التطور، هناك من لا يكتفي بالمشاهدة من بعيد، بل يصمم على أن يكون هو التغيير بحد ذاته. هكذا هو محمد أمين جوهر، رجل الأعمال الفلسطيني، الذي حمل في قلبه همّ الوطن وفي عقله رؤى التغيير.

بعد احتلال عام 1967، أكمل جوهر دراسته الثانوية في الكويت، ثم انتقل إلى تركيا ليواصل تعليمه الجامعي في مجال الهندسة الميكانيكية، حيث تخرج عام 1976 حاملاً درجة الماجستير في هندسة التكييف والتبريد. عاد بعدها إلى الكويت، حيث أسس مصنعًا للمكيفات، إلا أن هذا المصنع خسر خلال الأحداث السياسية عام 1990، مما اضطره للانتقال إلى الأردن، حيث لم يكن يعرف حينها أن هذا الانتقال سيؤسس له قاعدة جديدة للاختراعات.

في الأردن، وجد جوهر فرصة لتطوير اختراعات في مجال التكييف والتبريد، فكان من أوائل من أدخل أدوات أكثر أمانًا بديلة للأسبست الضار بالصحة، وذلك عبر مدخنة مطلية بالبورسلان. اعتمدت هذه الأداة كبراءة اختراع من الجمعية العلمية الملكية في الأردن، وأصبحت المدخنة الوحيدة المعتمدة في المواصفات والمقاييس الأردنية.

العودة إلى فلسطين: توجيه العلم لخدمة الوطن

بعد رحلة طويلة بدأت من قرية مجدل بني فاضل إلى أروقة الجامعات التركية، عاد جوهر إلى فلسطين ليزرع علمه بين أيدي الشباب، ويبني صناعات وطنية تمثل رمزًا للاستقلال الاقتصادي. في قلب كل معمل بناه وكل فكرة ابتكرها، ينبض حبه لفلسطين ورغبته في ترك إرث يضيء مستقبلها.

في أعماق رحلة جوهر، تتجلّى معاني الصبر والإصرار على تحقيق الحلم رغم كل التحديات. عندما عاد إلى فلسطين، لم يأتِ محمّلًا فقط بالشهادات والخبرات، بل بروحٍ مفعمة بالأمل ووجدان يرى في كل شاب فلسطيني جزءًا من إرث كبير، يجب أن ينمو ويزدهر.

تأسيس مصنع بيسان للمكيفات

بدأ في إعداد الدراسات لإنشاء مصنع للمكيفات يشابه مصنعه في الكويت. إلا أن الظروف لم تكن مواتية حتى عام 2012، حينما استطاع التعاون مع مستثمرين لإنشاء مصنع بيسان للمكيفات. اختار طولكرم، المدينة التي رأى فيها عمالًا بأيدٍ قوية وعزيمةٍ لم تخلّفها عقود الصراع. وضع شروطًا خاصة لتوظيف شباب هذه المدينة، فكان يرى أن التغيير يبدأ من ثقافة العمل، وأن الوطنية ليست شعارًا يُرفع بل ممارسات تعزز الاستقلال الاقتصادي، فأعطى الأولوية لغير المدخنين ولمن يستخدم خطوط اتصالات فلسطينية، داعمًا لكل من اختار الاقتصاد المحلي في تفاصيل حياته.

كان هذا المصنع نقطة تحول للصناعة الفلسطينية، حيث نقل فلسطين من الصناعات التقليدية إلى صناعة متخصصة، كما أنه أراد أن يصنع منتجًا يحمل بصمة فلسطينية خالصة، بعيدًا عن الاعتماد على مصانع الاحتلال، بل والعمل نحو تغيير ثقافة الاعتماد على سوق الاحتلال وتفضيل منتجاته.

اختار جوهر بناء المصنع في الشمال، خاصة في طولكرم، لما يوفره من يد عاملة متاحة وبيئة اقتصادية ملائمة مقارنة بالوسط والجنوب. وواجه تحديات كبيرة تتعلق بثقافة السوق الفلسطيني، الذي اعتاد التعامل مع مصانع الاحتلال. لم تكن العودة سهلة؛ لقد واجه عراقيل وتحديات بيروقراطية، ووجد نفسه مضطرًا لطرق أبواب لا تُفتح بسهولة في بيئة مثقلة بالتعقيدات، فكان عليه أن يُثبت أن حلمه أكبر من أي عقبة.

تأسس المصنع عام 2012، وبدأ انتاجه الفعلي عام 2017، ليصبح بذلك رابع مصنع من نوعه في الشرق الأوسط. يهدف المصنع الى تلبية احتياجات السوق المحلي من أجهزة التكييف، مع خطط مستقبلية للتوسع في الأسواق العربية والاقليمية.

يعمل المصنع وفق أعلى معايير الجودة العالمية، بالتعاون مع المواصفات والمقاييس. وتتميز مكيفات بيسان بالأدء الفعال وتوفير الطاقة، بالاضافة الى تنوع الموديلات الصديقة للبيئة. يمثل المصنع نقلة نوعية في الصناعة الفلسطينية، حيث يساهم بشكل كبير في خلق فرص عمل للأيدي العاملة الفلسطينية بكافة تخصصاتها.

تعزيز الصناعات المحلية

بدأت مساهمات جوهر تتوسع مع توليه منصب رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية التركية. عمل جوهر بجدية لإعادة بعض الوكالات التجارية من التاجر الإسرائيلي إلى التجار الفلسطينيين، مما وفر حوالي 12% من التكلفة على المستوردين الفلسطينيين، وحقق لهم استقلالية أكبر في السوق. إلا أن رحلة جوهر لم تكن خالية من الصعوبات، فقد واجه تحديات في الحصول على التراخيص اللازمة لمشاريعه. وكشف عن معاناته في إقناع بعض الموظفين الحكوميين بأن هدفه ليس الربح الشخصي بل توفير فرص عمل لأبناء البلد ودعم الاقتصاد الوطني. ويؤكد على ضرورة تغيير عقلية التعامل مع رجال الأعمال والمستثمرين الفلسطينيين باعتبارهم رؤوس أموال وطنية تحتاج إلى دعم وتشجيع.

رؤية جوهر للتنمية لا تقتصر على المشاريع الكبرى فقط، بل امتدت إلى تعزيز الصناعات المحلية. يرى ضرورة أن تعطى الأولوية للصناعات الفلسطينية بحيث تحصل على أفضلية بنسبة 15% على الأقل من السوق المحلي. هذا التوجه دفعه لتأسيس مركز تدريب مهني لفتح المجال أمام نمو المهن وتطوير المهارات، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني ويساعد الشباب على اكتساب مهارات تتيح لهم فرص عمل مستدامة.

تحديات التبادل التجاري مع تركيا

يشير جوهر إلى أهمية المنتجات التركية التي تشكل حوالي 50% إلى 60% من المائدة الفلسطينية، ويؤكد على تحديات خاصة يفرضها الغلاف الجمركي الإسرائيلي الذي تصنّف ضمنه فلسطين. هذا التصنيف يجعل البيانات الجمركية للواردات الفلسطينية من تركيا تظهر وكأنها مبيعات لإسرائيل، مما يفرض على المستوردين الفلسطينيين تعبئة نماذج تظهر أن المستورد هو إسرائيل، ما قد يؤدي إلى غرامات وتأخير في التخليص الجمركي.

لم تكن الرحلة لتكتمل دون أثر في الصناعة الفلسطينية. أسّس جوهر مركزًا للتدريب المهني، وفتح الأبواب أمام الشباب لدخول عالم المهن، عالم يرى فيه الأساس لبناء اقتصاد حقيقي. وسرعان ما تحوّل هذا المركز إلى نقطة جذب، منارة يقصدها الباحثون عن الحرفة، حيث تُنقل المهارات كما تُنقل القيم والرؤية.

اليوم، ينظر محمد أمين جوهر إلى إنجازاته ليست كشخص يبحث عن نجاحه الخاص، بل كرسالة أكبر، مفادها أن فلسطين تستحق اقتصادًا وطنيًا حرًّا ومستقلًا، وأن كل مشروع يقيمه، وكل يد شابة تُعلَّم وتدرب، هي خطوة نحو حلم لم يتخلَ عنه يومًا: فلسطين قادرة على بناء مستقبلها، بأيدي أبنائها وبإرادةٍ لا تُقهر.

 

كلمات مفتاحية::
مواضيع ذات صلة