الرئيسية » الاخبار الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
21 تشرين الأول 2024

الدفع الإلكتروني في قطاع غزة ينتشر لكنه يواجه بمُعيقات فنية .. والمستفيد السوق السوداء

اسلام راضي- غزة- بوابة اقتصاد فلسطين

 يعاني المواطنون في قطاع غزة من ظروف إنسانية بالغة الصعوبة بفعل أزمة السيولة النقدية التي تفاقمت جراء العدوان على القطاع في السابع من أكتوبر من العام الماضي، ومع مرور عام على الحرب المستمرة ، لا تزال الأوضاع المالية في غزة مشلولة بشكل شبه كامل.

فقد أغلقت جميع البنوك فروعها، وتعطلت معظم أجهزة الصراف الآلي، بينما تضررت العديد من المقرات البنكية بشكل كلي أو جزئي نتيجة للقصف الإسرائيلي.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 60% من فروع البنوك في غزة تعرضت لأضرار مباشرة أو غير مباشرة نتيجة القصف، كما أن إدخال الأموال إلى القطاع وتحويلها منه ممنوع، ما أدى إلى شح حاد في السيولة النقدية في الأسواق المحلية.

زيادة الاعتماد على الدفع الإلكتروني .. ولكن

وفي محاولة لتخفيف حدة الأزمة، أطلقت "سلطة النقد الفلسطينية" في 11 مايو/أيار الماضي خدمة الدفع الإلكتروني عبر التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية، ورغم أن نسبة استخدام هذه الحلول الرقمية ارتفعت بنحو 40% منذ إطلاقها، إلا أن الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وانعدام خدمة الإنترنت في بعض المناطق تجعل استخدامها محدودًا وغير فعال للعديد من السكان.

وتواجه الخدمات الرقمية العديد من التحديات التقنية، حيث يعتمد الكثير من السكان على الهواتف الذكية، لكن عدم توفر الطاقة الكهربائية بشكل مستمر يعيق إمكانية استخدام هذه الخدمات، كما أن ضعف الشبكة في بعض المناطق، وانقطاع الإنترنت المتكرر، يزيد من صعوبة تنفيذ المعاملات المالية.

هذه العوامل تجعل من الصعب على الناس الاعتماد على الحلول الرقمية كبديل موثوق للبنوك.

إن الحصار المفروض على غزة منذ سنوات طويلة زاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية. حيث أدى إلى تراجع القدرة الإنتاجية للقطاع، وحصر النشاط التجاري في نطاق ضيق، يضاف إلى ذلك أن العديد من الشركات المحلية تعرضت للإغلاق، مما زاد من نسبة البطالة والفقر.

عمولات عالية لتجار السوق السوداء

وتُظهر تجارب المواطنين حجم المعاناة التي يواجهونها، فعلى سبيل المثال، الأستاذ أحمد يوسف، الذي يعمل في سلطة رام الله ويتلقى راتبًا شهريًا، أكد أنه لا يستطيع سحب راتبه من البنوك بسبب تعطل الصرافات الآلية، حيث يوجد فقط صراف واحد يعمل في منطقة النصيرات وغالبًا ما يكون مزدحمًا أو لا تتوفر فيه سيولة، ولذلك، يضطر أحمد إلى دفع عمولة تتراوح بين 15% و20% شهريًا لتجار السوق السوداء لسحب راتبه عبر التطبيقات البنكية.

أما المواطن محمود حسن، الذي حصل على مساعدة نقدية بقيمة 1000 شيكل من مؤسسة دولية، فقد أشار إلى أنه اضطر لدفع عمولة قدرها 25% لتاجر صرف الكود بعد أسبوع من المحاولات، حيث استلم 750 شيكل فقط.

انعكاسات انخفاض السيولة

ولا تقتصر المعاناة على الجانب المالي فحسب، بل تشمل أيضًا العوامل النفسية. إن الضغوط الناتجة عن عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية تؤدي إلى ارتفاع مستويات القلق والاكتئاب بين السكان. فالعديد من الأسر تعاني من مشاكل نفسية نتيجة للضغوط اليومية، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.

وتتعرض التحويلات الخارجية أيضًا لعمولات مرتفعة للغاية بسبب غياب الشركات الرسمية التي كانت تعمل في القطاع قبل الحرب، فقد أفادت إحدى الأمهات، التي تتلقى حوالة مالية شهرية بقيمة 1500 شيكل من ابنها في الخارج، أنها تضطر لدفع عمولة تتجاوز 22% لتتمكن من الحصول على المبلغ. تشير التقديرات أيضًا إلى أن نحو 30% من سكان القطاع يعتمدون على التحويلات الخارجية لتلبية احتياجاتهم اليومية.

وتُعتبر أزمة السيولة النقدية سببًا رئيسيًا في تدهور الأمن الغذائي في غزة، حيث أن العديد من الأسر لم تعد قادرة على شراء المواد الغذائية الأساسية، كما تشير التقارير إلى أن نسبة الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي قد ارتفعت بشكل ملحوظ، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.

ويضطر الكثيرون إلى تقليص كميات الطعام أو الاستغناء عن بعض الوجبات، مما يؤثر على صحة الأطفال وكبار السن بشكل خاص.

وتترافق الأزمات المالية مع أزمات صحية، حيث يعاني النظام الصحي في غزة من ضغوط كبيرة نتيجة شح الموارد، وتعاني المستشفيات من نقص في الأدوية والمعدات الطبية، مما يجعل من الصعب تقديم الرعاية اللازمة للمرضى.

كما أن الظروف المعيشية الصعبة تزيد من انتشار الأمراض والأوبئة، مما يتطلب استجابة عاجلة من السلطات الصحية.

إن الحلول الموقتة مثل الدفع الإلكتروني ليست كافية لتلبية احتياجات السكان، بل يتطلب الوضع الحالي استجابة شاملة من المجتمع الدولي والمحلي، بما في ذلك تحسين الظروف الأمنية، واستعادة البنية التحتية، وتوفير الدعم المالي المباشر للأسر المتضررة.

من جهة أخرى تتأثر المؤسسات التعليمية أيضًا بأزمة السيولة النقدية، فالعديد من المدارس والجامعات تواجه صعوبات في دفع رواتب المعلمين والموظفين، مما يهدد استمرارية التعليم، كما يواجه الطلاب تحديات في الحصول على المواد الدراسية والموارد التعليمية، مما يؤثر سلبًا على مستوى التعليم في القطاع، حيث إن الاستثمار في التعليم يعتبر ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

من الضروري أن تتضاف جهود المجتمع الدولي لدعم سكان غزة، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وتسهيل دخول المواد الأساسية، كما يجب أن تشمل هذه الجهود تحسين المرافق الصحية والتعليمية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتعزيز المشاريع الصغيرة.

إن أزمة السيولة النقدية في غزة تمثل تحديًا معقدًا يتطلب جهداً جماعياً واستجابة شاملة، من خلال التعاون الدولي والمحلي، يمكننا تحقيق الأمل في تغيير واقع السكان وتحسين ظروفهم المعيشية، حيث إن الاستثمار في المستقبل هو استثمار في الأمل، ويجب أن يكون الهدف المشترك تعزيز السلام والعدالة للجميع في المنطقة.

مواضيع ذات صلة