توجهات استراتيجية لإدارة الانتقال نحو الطاقة المتجددة في فلسطين
تعاني فلسطين من تبعية كبيرة لإمدادات الكهرباء المستوردة، حيث تعتمد البلاد على شركة الكهرباء الإسرائيلية بنسبة تصل إلى 87%. هذه التبعية ليست فقط عبئًا اقتصاديًا، بل أيضًا عقبة أمام تحقيق السيادة الوطنية واستقلالية القرار. إن سيطرة إسرائيل على إمدادات الطاقة تعني التحكم في أحد أهم مقومات الحياة اليومية للفلسطينيين، ما يزيد من هشاشة البنية التحتية للطاقة ويعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويعيق الاستثمار فيه.
في ظل هذه الظروف، تسعى الحكومة الفلسطينية لتنويع مصادر الطاقة وتخفيض الاعتماد على الاستيراد من مصدر واحد بنسبة 50% بحلول عام 2030. تم إعداد استراتيجيات عديدة، منها الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة (2020-2030)، بهدف تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وتم قطع شوط جيد مثل تنفيذ العديد من مشاريع الطاقة الشمسية الناجحة ضمن افضل الممارسات من الناحية الفنية والتجارية. ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات جيوسياسية حيث يعوق الاحتلال الإسرائيلي تطوير مشاريع الطاقة والبنية التحتية اللازمة، بالإضافة الى تحديات تشريعية ومؤسسية معقدة يمكن ويجب التغلب عليها في اسرع وقت ممكن.
لقد برز في العديد من المقابلات والدراسات وجود أربع ركائز أساسية لإصلاح قطاع الكهرباء: إدارة وحوكمة قطاع الطاقة، وإمدادات الطاقة، والطلب على الطاقة، والاستدامة. ولكن، التركيز في المرحلة الحالية يجب أن يكون على الركيزة الأولى التي تتطلب رؤية واضحة تجمع بين المستوى المركزي والمحلي، وتتيح للحكومة والشركاء المحليين والدوليين العمل معًا لتطوير هذا القطاع الاستراتيجي.
نهج جديد لإدارة الانتقال نحو الطاقة المتجددة
تم العمل على ورقة سياسات جديدة بناء على عدة أوراق بحثية في السنوات الأخيرة وبعد عمل لقاءات ثنائية وطاولات مستديرة مع جميع الشركاء والمؤسسات العاملة في قطاع الطاقة وتطرح الورقة نهجًا عالميًا يناسب الحالة الفلسطينية يُعرف بـإدارة الانتقال (Transition Management)، وهو إطار يمكن من خلاله تطوير مسارات استراتيجية متوازية، مركزية ولا مركزية، لتمكين القطاع من مواجهة التحديات المختلفة. النهج المركزي تقوده الحكومة ويركز على أمن الطاقة وإصلاح البنية التحتية على المدى المتوسط والطويل، مثل ربط وتوحيد شبكات توزيع الكهرباء وبناء منظومة نقل تربط المحافظات الفلسطينية. في المقابل، يعتمد المسار الثاني الاستراتيجي الثاني على النهج اللامركزي لتمكين القطاع الخاص والمؤسسات المحلية من سد الفجوات على المدى القصير من خلال زيادة الإنتاج المحلي عن طريق تسريع تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، لا سيما في المناطق المهمشة، الامر الذي يحتاج تشريعات وأنظمة تُمكن نماذج الشراكة بين القطاع العام والخاص. هذا النهج المركب يعزز من تحقيق نتائج سريعة تلبي الاحتياجات الفورية، ويشجع الاستثمار المحلي ويحفز الابتكار والمنافسة. وفي ذات الوقت، يضمن استدامة طويلة الأجل واستقرارًا على مستوى منظومة الطاقة الوطنية.
أبرز الأولويات على المدى القصير والمتوسط
شركات التوزيع والهيئات المحلية والقطاع الخاص شركاء في التغيير
تلعب الهيئات المحلية دورًا حيويًا في دعم مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة في توفير الأراضي والأسطح اللازمة لإقامة محطات الطاقة الشمسية. كما أن القطاع الخاص يمثل شريكًا أساسيًا في توليد الكهرباء، لا سيما من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية. بيد أن هذا يتطلب بيئة تشريعية وتنظيمية مواتية، بالإضافة الى توفير معاير تجارية موحدة وخارطة استثمار واضحة والحوافز اللازمة لتقليل من المخاطر على المستثمرين.
في الوقت نفسه، ينبغي تحسين كفاءة شبكات الكهرباء وتوحيدها لضمان موثوقية واستدامة الإمدادات. على سبيل المثال، توحيد شبكات التوزيع في الضفة الغربية ضمن ثلاث مناطق رئيسية يمكن أن يعزز الأداء والكفاءة، ويقلل من النفقات الفنية والإدارية.
نحو مستقبل مستدام
في الختام، إدارة الانتقال نحو الطاقة المتجددة في فلسطين ليست خيارًا بل ضرورة ملحة لتحقيق استقلالية حقيقية في مجال الطاقة. النهج المقترح يجمع بين المركزية واللامركزية، مما يتيح للحكومة والقطاع الخاص وشركات التوزيع والهيئات المحلية والمجتمع المدني العمل معًا لبناء قطاع طاقة قوي ومستدام. هذا النهج المركب سيمكن فلسطين من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، ويضمن استقرارًا أكبر في إمدادات الطاقة على المدى الطويل.
لقد حان الوقت لتسريع التحول الى الطاقة المستدامة عن طريق تسريع الإصلاحات، وتعزيز التعاون الدولي، وتشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة لتحقيق رؤية فلسطينية تعتمد على استدامة قطاع الطاقة وسيادته، بما يخدم مصلحة جميع الفلسطينيين.