أمسكني لو استطعت .. كيف تتجنب الشركات الضرائب ولا تدفع سوى الفتات؟
بوابة اقتصاد فلسطين
هل أنت صاحب شركة وترغب في دفع ضرائب أقل؟ إذا كنت كذلك فكل ما عليك فعله هو عمل ساندويتش! وبالتحديد ساندويتش هولندي. والمكونات سهلة جداً وبسيطة: كل ما تحتاجه شركتان آيرلنديتان وثالثة هولندية. ضع الشركة الآيرلندية الأولى في الأسفل ثم ضع عليها الشركة الهولندية وفوقهما ضع الشركة الآيرلندية الثانية. الآن أصبح الساندويتش جاهزاً وبإمكانك أن تدفع ضرائب أقل.
هل تشعر بالحيرة وعدم الفهم؟ إذا كنت كذلك فلدينا لك خبران: الأول هو أن هذا هو المقصود أصلاً من هذه الاستراتيجية والتي يطلق عليها "آيرلندي مزدوج مع ساندويتش هولندي" (Double Irish With A Dutch Sandwich). والثاني هو أن تفاصيل تلك الاستراتيجية أعقد بكثير مما وضحنا بالأعلى ونحن بالكاد خدشنا السطح. لذلك، ننصحك بمحاولة الاحتفاظ بتركيزك قدر الإمكان أثناء قراءة هذا التقرير.
النظام "الآيرلندي المزدوج مع ساندويتش هولندي" هو في الأساس عبارة عن استراتيجية ضريبية دولية تسمح لكبرى الشركات العالمية بتجنب دفع الضرائب على دخلها المحقق عن مبيعاتها في الأسواق الخارجية تحديداً، ولكن بشرط ألا يتم إرجاع الأموال إلى البلد الأم.
هذه الاستراتيجية تتبعها حالياً شركات مثل "جوجل" و"آبل" و"مايكروسوفت" و"فيسبوك" وغيرها من الشركات الأمريكية الكبرى، وتمكنت بفضلها من توفير مليارات من الدولارات التي كانت ستحصلها الحكومة الأمريكية.
وبغرض التبسيط، سنشرح هذه الاستراتيجية على مرحلتين. في المرحلة الأولى سنتناول الجزء الخاص بالـ(Double Irish) الذي لا يحتاج تنفيذه سوى لشركتين آيرلنديتين، وسنوضح كيف تنفذه الشركات الراغبة في تجنب الضرائب. ثم في المرحلة الثانية سنوضح كيف تتطور هذه الاستراتيجية إلى ساندويتش هولندي، بعد إضافة شركة هولندية إلى المخطط.
كيف يفعلونها؟
لنفترض مثلاً أن هناك شركة أمريكية ترغب في تجنب دفع الضرائب عن مبيعاتها في الأسواق الخارجية. أول خطوة تحتاج هذه الشركة للقيام بها هي تأسيس فرع (ف1) لها في آيرلندا. ولكن في نفس الوقت تجعل إدارة هذا الفرع في منطقة برمودا. لكن لماذا هذه التقسيمة؟
ببساطة، مصلحة الضرائب الأمريكية ستتعامل مع الفرع كشركة آيرلندية (لأن آيرلندا هي مكان التأسيس) في حين أن سلطات الضرائب الآيرلندية ستتعامل مع ذات الفرع على أنه شركة برمودية بسبب مكان الإدارة. بعبارة أخرى، هذا استغلال للاختلافات الموجودة بين قانوني الضرائب الأمريكي والآيرلندي.
بعد ذلك، ستقوم الشركة الأمريكية ببيع حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها (IP) إلى الفرع الآيرلندي (ف1). ولكن عند هذه النقطة ستجد الشركة الأمريكية نفسها مضطرة لدفع ضرائب على هذه الصفقة لمصلحة الضرائب الأمريكية، ولذلك ستحرص على أن يكون سعر البيع رخيصا قدر الإمكان.
بعد أن تتم عملية البيع هذه، ستقوم الشركة الأمريكية بإنشاء شركة آيرلندية ثانية (ف2) ولكن هذه المرة ستجعل إدارتها في آيرلندا على عكس الفرع الأول الذي تقع إدارته في برمودا. ثم يقوم الفرع الأول الذي اشترى لتوه حقوق الملكية الفكرية من الشركة الأم بمنح ترخيص للفرع الآيرلندي الثاني يسمح له باستخدام حقوق الملكية الفكرية، مقابل دفع رسوم.
هناك سؤالان قد يتبادران إلى ذهن البعض الآن وهما: لماذا لم تقم الشركة الأمريكية (الشركة الأم) ببيع حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها مباشرة إلى الفرع الآيرلندي الثاني (ف2)؟ ولماذا ظهر الفرع الأول في المنتصف؟ ببساطة، لأن الاستراتيجية بشكلها الحالي تسمح بظهور "بند" سيتم إخفاء حصيلة المبيعات خلفه وهو بند "رسوم استخدام الترخيص". استمر في القراءة وستتضح لك الفكرة.
ما سيحدث هو أن كل مبيعات الشركة الأمريكية لعملائها خارج الولايات المتحدة ستتم عبر الفرع الآيرلندي الثاني (ف2). الآن، لنفترض أن مبيعات الفرع الثاني خلال العام بلغت 10 مليارات دولار، سيقوم هذا الفرع بدفع 9999999999 دولارا إلى الفرع الأول كرسوم مقابل استخدام حقوق الملكية الفكرية الخاصة به. وهكذا يصبح الدخل الفعلي للفرع الثاني بعد خصم الرسوم دولارا واحدا فقط. هذا هو كل المبلغ الخاضع للضريبة الآيرلندية البالغة 12.5%.
الآن، حصل الفرع الآيرلندي الأول على دخل كبير (10 مليارات دولار تقريباً)، فما موقف هذا الدخل من الضرائب الآيرلندية؟ لو تتذكر إدارة هذا الفرع موجودة في برمودا، وعلى الرغم أن مكان تأسيس الشركة هو آيرلندا إلا أن قانون الضرائب الآيرلندي يصنف الشركات على حسب موقع إدارتها وليس على حسب مكان تأسيسها. وهذا يعني أن الفرع الأول هو شركة برمودية لا تخضع للضرائب في آيرلندا. ولكن ماذا عن برمودا؟ لا توجد هناك ضرائب أيضاً.
النموذج بشكله الحالي تستخدمه بعض الشركات، ولكن أكثرها تستخدم النسخة الأكثر تعقيداً منه بغرض تجنب نوع آخر من الضرائب. وضحنا بالأعلى أن الدخل الذي حصل عليه الفرع الأول لا يخضع للضريبة لأنه قانونياً يتبع برمودا وليس آيرلندا. ولكن الضريبة المعفى منها هذا الدخل هي ضريبة الأرباح التجارية. هناك ضريبة أخرى تسمى ضريبة الخصم من المنبع، لا تزال تنطبق على الفرع الأول.
ما الحل؟ كيف تتجنب الشركات هذه الضريبة أيضاً؟ هنا يظهر الساندويتش الهولندي.
الساندويتش
لكي نصنع ساندويتشا هولنديا، كل ما نحتاجه هو إضافة شركة هولندية إلى المخطط السابق. هذه الشركة ستقع في المنتصف بين الفرع الأول والفرع الثاني. وهذا بالمناسبة هو سبب تسمية هذا المخطط بالساندويتش، لأن هناك طبقة خبز بالأسفل (الفرع الآيرلندي الأول) ثم شطيرة في المنتصف (الشركة الهولندية) وبالأعلى طبقة الخبز الثانية (الفرع الآيرلندي الثاني).
كيف ستمضي الأمور الآن؟ ببساطة سيقوم الفرع الآيرلندي الأول بمنح ترخيص حقوق الملكية للفرع الهولندي مقابل رسوم. قبل أن يقوم الفرع الهولندي هو الآخر بترخيص ذات الحقوق إلى الفرع الآيرلندي الثاني مقابل رسوم أيضاً.
تماماً كما حدث في المخطط الأول، ستقوم الشركة الأمريكية ببيع منتجاتها وخدماتها في الأسواق الخارجية عبر الفرع الآيرلندي الثاني (ف2). باع الفرع المنتجات والخدمات ويحوز الآن كمية معتبرة من الأموال، فما هي الخطوة التالية؟ لا جديد، سيقوم بتحويل هذه الأموال إلى الفرع الهولندي على أنها رسوم استغلاله للترخيص.
الأموال لن تقف في هولندا، فبنفس الميكانيكية سيدفع الفرع الهولندي الأموال التي حصل عليها للتو إلى الفرع الآيرلندي الأول على أنها رسوم أيضاً. ما الفكرة هنا؟ ما الذي استفادته الشركة الأمريكية من إضافة الشركة الهولندية للمخطط؟ ففي النهاية استقرت الأموال في حجر الفرع الآيرلندي الأول كما حدث بالضبط في الاستراتيجية التي شرحناها بالأعلى.
الفكرة هي أن هناك اتفاقية بين هولندا وآيرلندا تمنع الأخيرة من فرض ضرائب الخصم من المنبع على رسوم حقوق الملكية التي تدفعها الشركات الهولندية. ولا توجد اتفاقية مماثلة بين آيرلندا وبرمودا.
وفي هولندا أيضاً لا توجد ضرائب خصم من المنبع، وبالتالي حين يحول الفرع الثاني (ف2) الأموال إلى الشركة الهولندية (التي تعمل كترانزيت) ليس على هذا الفرع أي ضريبة. وهكذا تتحرك الأموال من آيرلندا إلى هولندا قبل أن تستقر في برمودا دون أن تضطر الشركة الأمريكية (المهندسة لكل ذلك) لدفع أي شكل من أشكال الضرائب.
بالقانون
بعضنا قد ينظر إلى هذه الاستراتيجية باعتبارها شكلاً من أشكال الاحتيال، ولكن على الرغم من أنها تبدو كذلك بالفعل إلا أنها ليست احتيالاً على الإطلاق، بل على العكس كل عنصر من عناصر هذه الاستراتيجية قانوني جداً. كل ما في الأمر هو أن هناك ثغرات وهناك من يستغلها. وهذا بالمناسبة، يسمى تجنب الضرائب وليس تهرباً منها.
الثغرات الموجودة بقانون الضرائب الآيرلندي أزعجت الكثير من الحكومات التي تمكنت شركاتها بفضل هذه الثغرات من تجنب دفع مليارات الدولارات من الضرائب إلى بلدانها الأصلية. وهذا ما دفع الحكومة الآيرلندية للقيام في عام 2015 بسد هذه الثغرات، غير أن الإجراءات الجديدة لن تطبق إلا بحلول نهاية عام 2020.
أخيراً، إذا استوعبت وفهمت هذا المخطط المعقد – الذي يعمل على هندسته للشركات الكبيرة جيش من المحاسبين القانونيين – من أول مرة فهنيئاً لك. وإذا لم يكن هذا هو الحال، فلا عليك، لأنك على الأغلب لست صاحب شركة لها مبيعات ضخمة في الأسواق الخارجية، ولكن إذا كنت كذلك بالفعل، فلماذا ترغب في تجنب الضرائب؟ ادفع من أجل مستقبل أفضل لبلدك.