إلى أي مدى يتماشى القرار بقانون مكافآت ورواتب فئات عليا مع خطط الحكومة التقشفية؟
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
التقاعد القائم على الضرائب العامة هو أحد أسس نظام التقاعد المعروف عالميًا. في هذا النظام، تُموَّل معاشات التقاعد من الميزانية العامة للدولة. في فلسطين، تم اعتماد هذا النظام بسبب غياب نظام تأمين اجتماعي متكامل.
قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين، أُقر لأول مرة في عام 2004 بموجب القانون رقم (11)، ويتضمن تحديد قيم الرواتب والمكافآت وشروط منحها، بالإضافة إلى تنظيم الأمور المتعلقة بالبدلات والتقاعد والتأمينات.
في عام 2024، صدر قرار بقانون رقم 8 لسنة 2024 بتعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لعام 2004 وتعديلاته، وبموجبه تمت معاملة من هم بدرجة وزير بنفس معاملة الوزير.
تناقض مع الخطط التقشفية
هذا التعديل تحديدًا وضع خطط الحكومة التقشفية موضع التساؤل في ظل الأزمة المالية التي تعانيها المالية العامة. فقد أثار القرار الاستغراب كونه قد يقود نحو المزيد من الهدر والاستنزاف للخزينة.
انتقادات واستياء من القرار بقانون
يقول المستشار القانوني بلال البرغوثي لـ بوابة اقتصاد فلسطين أن الفكرة الرئيسية بالقرار بقانون أنه يخلق أعباء كبيرة جدًا، حيث إن من يُعين بدرجة وزير يخضع لامتيازات تقاعدية تمنح للوزير. في القانون، هناك من يُعين بدرجة وزير مثل رئيس سلطة الطاقة ورئيس سلطة المياه وما شابه، وهم بالأساس ليسوا وزراء، وكانوا يُعاملون معاملة موظف الخدمة المدنية. لكن فجأة أخذوا هذه الامتيازات، وهذه أعباء أُضيفت لهيئة التقاعد.
استثناءات وتبعات القرار بقانون
أشار بلال البرغوثي إلى أن هناك 60 شخصًا بدرجة وزير، لكن لا تنطبق عليهم جميعًا التعديلات الجديدة، حيث يخضع عدد منهم لأنظمة خاصة بهم. فالمادة (4) في هذا القانون تستثني من يخضع لقوانين أو أنظمة خاصة من الاستفادة من القانون.
ويضيف البرغوثي أن درجة الخطورة تكمن في العبء المالي الذي سينشأ عن التعيينات المستقبلية. فمثلًا، في حال تعيين رئيس سلطة مياه، سيكون ضمن المستفيدين من القانون، مما يفتح المجال أمام هدر مستقبلي للمال العام.
أعباء مالية إضافية على هيئة التقاعد
وأوضح بلال البرغوثي أن هيئة التقاعد تشتكي من الأعباء المتزايدة عليها. في الواقع، من يحصل على التقاعد هم من يدفعون ويُساهمون باشتراك شهري، لكن هؤلاء يصبحون كالوزراء ويمكن أن يأتوا من القطاع الخاص دون أن يكون لهم مساهمة في صندوق التقاعد، ويأخذون راتبًا تقاعديًا حتى الممات، حتى لو تركوا بعد أسبوع. هذا الوضع يؤدي إلى غياب العدالة وترشيد الإنفاق الذي تروج له الحكومة.
قضايا تتعلق بالشفافية وفلسفة التقاعد
بدوره، قال إبراهيم البرغوثي، مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، لـ بوابة اقتصاد فلسطين أن القرار بقانون يبدأ مشكلته بالتعريفات بشأن المخصصات والمكافآت المختلفة عن الراتب التقاعدي، حيث ينتهيان بانتهاء عقد العمل في حين يستمر الراتب التقاعدي، لكن النص الوارد في القرار بقانون يمددهما إلى ما شاء الله. واتفق إبراهيم البرغوثي وجهاد حرب، مدير مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي، مع بلال البرغوثي في جزئية العبء المالي المترتب على ادخال من هم برتبة وزير في قاعدة المستفيدين منه. حيث يتجاوز القرار بقانون فترة العمل والإحالة على التقاعد في القانون 60 عامًا إلى الممات، مما يشكل ثغرة كبيرة.
هل يعتبر ذلك مخالفة دستورية وعبء مالي مستقبلي؟
أشار إبراهيم البرغوثي إلى أنه إذا ما عدنا ابتداءً إلى صدور القانون، كان أيضًا مخالفًا للقانون من ناحيتين: الأولى أن المجلس التشريعي سن هذا القانون لفائدة أعضاء المجلس التشريعي أنفسهم منه، وليس للأعضاء الذين سيشغلون عضوية المجلس التشريعي لاحقًا، مما يشوب القانون الأصلي شبهة عدم الدستورية. والثانية أن القرار بقانون يمنح التقاعد لمن لا يساهم في دفع رسوم التقاعد، في حين أن القاعدة هي أن الموظفين العموميين يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون والقضاء، عملاً بأحكام المادة التاسعة من القانون الأساسي.
نص إيجابي ولكن مشروط
كما أشار إلى أن هناك نص ايجابي وحيد في القرار وهو عدم جواز الجمع بين الراتب التقاعدي وأي راتب آخر. بمعنى أن من أُحيل على التقاعد وكان لديه وظيفة رسمية ثانية حتى وان كانت على عقود، لا يجوز له الجمع بين الراتب التقاعدي والراتب الذي يُمنح له بموجب إشغال الوظيفة الرسمية الثانية. ونخشى أن لا يرى النص النور بالتطبيق، حيث أن هناك نصوص سابقة مشابهة لم تطبق، بالتالي حتى مع إيجابية هذه المادة، قد يتم اختراقها في التطبيق العملي.
أيعتبر ذلك تعارض مع أسس نظام التقاعد؟
بدوره، أوضح جهاد حرب لـ بوابة اقتصاد فلسطين أن أبرز الانتقادات أن هذا القانون يتعارض مع أسس نظام التقاعد القائم على فلسفة الدفع المسبق. هذا الدفع ينبغي أن يكون لعدد من السنوات باعتبارها حدًا أدنى للحصول على هذا الاستحقاق؛ في فلسطين، اتفقوا قانونيًا على أن يكون خمسة عشر عامًا على الأقل للحصول على تقاعد الشيخوخة. كلا الحالتين لا تنطبق على تقاعد الوزراء والنواب؛ فالموظفون يدفعون من رواتبهم 10% شهريًا للتقاعد، بعد العام 2005 يدفعون 7%، لكن الوزراء والنواب لا يدفعون أو لا يساهمون في تقاعدهم بأي نسبة من مكافآتهم.
أثر ذلك على المكافآت التقاعدية
وأشار حرب إلى أن حصة التقاعد للنائب كانت هائلة: 12.5% من المكافأة عن كل سنة يقضيها في النيابة، أي بأربع سنوات يحصل على 50% من راتبه. أما الوزير فيحصل على 20% من المكافأة عن كل سنة يقضيها في الحكومة، أي بأربع سنوات يتحصل على 80% من راتبه، فيما الموظفون العامون يحصلون على 2% عن كل سنة يقضونها في الخدمة العامة، أي بثلاثين سنة يحصلون على 60% - 70% من رواتبهم.
تأثير القانون على الراتب التقاعدي للمسؤولين السياسيين
وأشار حرب إلى نص مادة يتعلق بتقاعد "السياسيين"، مفادها "يجب أن لا يقل الراتب التقاعدي لكل من رئيس المجلس أو عضو المجلس أو رئيس الوزراء أو الوزير أو المحافظ عن (50%) من الراتب الشهري، أي كانت المدة التي قضاها أي منهم في ذلك المنصب". مما منح الوزير الذي يمكث يومًا أو عدة أيام بعد حلفه اليمين الدستوري راتبًا تقاعديًا يعادل 50% من راتبه "المكافأة". ومع تقلب الحكومات، بات الأمر مرهقًا على الخزينة العامة.
التأثير المحتمل على صندوق التقاعد
كما أن التضرر المحتمل للقدرة الاستثمارية لصندوق التقاعد من جراء عدم توريد اشتراكاتهم ومساهمات الحكومة، وفتح مجال لأشخاص للتهرب من هذا الالتزام مستقبلاً، والتكلفة المالية التي ستتكبدها الخزينة العامة مستقبلاً جراء تطبيق هذين القرارين، خاصة في ظل الأوضاع المالية الصعبة للسلطة الفلسطينية وسياسة التقشف التي تتبعها الحكومة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا والآثار الاجتماعية العميقة المترتبة عليها. مشددًا على أن البند المدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء هذه الأيام يحمل "شبهة" استغلال المنصب العام وهدر المال.
إجراءات تشريعية معقدة
وأضاف حرب أن القانون الأساسي الفلسطيني منح حصراً أعضاء المجلس "أفرادًا ومجموعات" ومجلس الوزراء حق تقديم اقتراحات ومشاريع القوانين؛ باعتبار أعضاء المجلس التشريعي ممثلي الشعب، معبرين عن إرادته الحرة واحتياجات الشرائح الاجتماعية المتعددة فيه واهتمامات الفئات المختلفة منه، بينما يمتلك مجلس الوزراء الخبرة والاطلاع والإمكانيات بما يتوفر له من معرفة وإدراك مؤسسي.
تفاصيل عملية التشريع
وقد فصّل المشرع الفلسطيني في النظام الداخلي للمجلس التشريعي الإجراءات التشريعية بثلاث قراءات، بالإضافة إلى قراءة عامة (القراءة التمهيدية للموافقة أو الرفض لمبدأ والاحتياج لهذا المقترح أو مشروع القانون) واحتمالية قراءة خامسة في حال اجتمعت في هذه الحالة مقترحات مجلس الوزراء على القراءة الثانية واعتراض الرئيس على مشروع القانون. وقال إنه عادة ما تمتد الإجراءات المتعلقة باعتماد وإقرار ومصادقة مشروع القانون لأشهر عديدة، مما يمنح فرصة للنقاش الجماعي العلني لأعضاء المجلس مجتمعين في الجلسة العامة للمجلس، وفرصة للدراسة المتأنية والتدقيق لأعضاء اللجان البرلمانية ذوي الاختصاص، أو الاستعانة بذوي الاختصاص من الجهات المختلفة الحكومية والمجتمعية، وخلق التفاهم بين جهات التشريع والتنفيذ.
احتساب المكافأة التقاعدية والراتب التقاعدي بناءً على القرار بقانون
الراتب التقاعدي=نسبة من الراتب الأساسي×عدد سنوات الخدمة
على سبيل المثال، قد تكون النسبة 2.5% لكل سنة خدمة، مما يعني أنه إذا خدم الوزير لمدة 20 عامًا، فسيحصل على 50% من راتبه الأساسي كراتب تقاعدي. فإذا كان راتب الوزير الأساسي 10,000 شيكل وخدم لمدة 20 عامًا، وكان نسبة الراتب التقاعدي 2.5% لكل سنة، فسيتم احتساب الراتب التقاعدي كالتالي:
الراتب التقاعدي=2.5%×20×10,000=5,000 شيكل شهريًا
في هذه الحالة، سيحصل الوزير على راتب تقاعدي شهري قدره 5,000 شيكل بالإضافة إلى مكافأة تقاعدية لمرة واحدة بناءً على نفس النسبة وعدد سنوات الخدمة. تُصرف المكافأة التقاعدية لمرة واحدة كمبلغ إجمالي، بينما الراتب التقاعدي يُصرف شهريًا وبشكل مستمر.