ماذا تواجه أسواق الصين والعالم العربي مع بدء العد التنازلي لقرار الفدرالي رفع أسعار الفائدة؟
بقلم: هاشم وانغ
أعلن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) اليوم (الثلاثاء) أن السياسة النقدية الصينية لن تغير اتجاهها وأن الصين مازالت تلتزم بانتهاج سياسة نقدية ثابتة خلال النصف الثاني من عام 2015.
جاءت هذه التصريحات وسط تراجع تشهده أسواق الأسهم العالمية تحت تأثير توقعات برفع أسعار الفائدة الأمريكية، حيث واصلت المؤشرات الثلاثة الرئيسية لبورصة نيويورك هبوطها يوم الاثنين، وسجل مؤشر شانغهاي المركب انخفاضا نسبته 4.09% عند بدء التداول اليوم (الثلاثاء) ليصل إلى حوالي 3500 نقطة وذلك بعد تراجعه بنسبة 8.5% تقريبا أمس الاثنين في أكبر انخفاض له منذ 8 سنوات، فيما افتتح مؤشر بورصة شنتشن المجمع اليوم على انخفاض نسبته 4.06% ليصل إلى 11986.25 نقطة وذلك بعد تراجعه بنسبة 7.59% أمس.
وقبل أن ينطلق اليوم اجتماع السياسات النقدية لبنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي الذي يستمر على مدار يومين، أكد مسؤولو بنك الاحتياط مرارا في الأشهر الماضية خلال لقاءات عامة ومقابلات مع وسائل الإعلام أن البنك بصدد رفع أسعار الفائدة في عام 2015 ويعكف على تبادل الآراء مع السوق حول توقيت ذلك. وقد تبلورت الآن توقعات بشأن مسألة رفع أسعار الفائدة وتلمح إلى أن البنك المركزي الأمريكي قد يصدر هذا القرار في سبتمبر المقبل على أقرب التقدير، في أول مرة منذ عام 2006.
ولا شك أن قرار الاحتياط الفدرالي الأمريكي، باعتباره أهم البنوك المركزية العالمية، سيصبح العامل الأهم الذي سيؤثر على الاقتصاد العالمي والسوق المالية في النصف الثاني من العام الجاري. لكن على ما يعتقد الخبراء، تختلف التأثيرات الناجمة عن رفع أسعار الفائدة على الاقتصادات العالمية، ومن بينها الصين والمنطقة الآسيوية التي تضم أيضا دولا عربية ، بسبب تفاوت مستوى الانتعاش وسياسات الاقتصاد الكلي لدى مختلف الدول.
وهنا، يرى دو دا وي الباحث البارز بمعهد ((بروكينغز)) الأمريكي إنه بتحسن الاقتصاد الأمريكي وعودته إلى المستوى الصحي، ستعود السياسة النقدية الأمريكية إلى وضعها الطبيعي بدلا من إبقائها على سياسة نقدية فضفاضة بقوة، ومن ثم من المنطقى أن يضع بنك الاحتياط الفدرالي رفع أسعار الفائدة في اعتباره.
وتابع الباحث قائلا إن استمرار تحسن الاقتصاد الأمريكي، باعتباره أكبر اقتصاد في العالم، سيعزز صادرات الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الصين والاتحاد الأوروبي ويصب في صالح دفع التنمية الاقتصادية العالمية. ولكن نظرا لكون الدولار الأمريكي عملة احتياط عالمية أساسية، فقد يؤدي التحول في السياسة النقدية الأمريكية إلى تغير وجهة تدفق رؤوس الأموال الدولية وإعادة تحديد أسعار الأصول العالمية، وهما من التأثيرات الجانبية التي لا يمكن تجاهلها.
وبوجه عام، سيؤدي رفع بنك الاحتياط لأسعار الفائدة إلى تقوية الدولار الأمريكي وزيادة جاذبية الأصول المقومة بالدولار وجذب رؤوس الأموال الدولية مجددا إلى السوق الأمريكية، ومن ثم قد تواجه بعض الاقتصادات الناشئة تحديات مثل التدفق الحاد لرؤوس الأموال إلى الخارج، وهبوط أسعار الأسهم، وانخفاض قيمة العملات، وزيادة الضغوط لسداد الديون. كما أن التوقعات برفع أسعار الفائدة تعكس في الواقع اتجاه ارتفاع قيمة الدولار ووجود ضغوط لخفض قيمة عملات بعض الاقتصادات الناشئة.
وأعرب دو دا وي عن اعتقاده بأنه إذا أطلق الاحتياط الفدرالي عملية رفع أسعار الفائدة، وفي الوقت ذاته استمر البنك المركزي الصيني في خفض أسعار الفائدة، قد يؤدي ذلك إلى خروج رؤوس الأموال الدولية من الصين وانخفاض سعر صرف العملة الصينية، لكنه يرى أن احتمال ذلك ضئيل، نظرا لعدم تحرير حساب رأس المال في الصين تحريرا كاملا واتسام ضوابط رأس المال بالفعالة. وبشكل عام، سيكون التأثير الناجم عن رفع أمريكا أسعار الفائدة على الصين صغيرا نسبيا، مقارنة بالاقتصادات الناشئة الأخرى.
وأشار الباحث إلى أن الاقتصاد الصيني نما في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 7 % مقارنة بما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي، وهذا يبرهن على أن الاقتصاد الصيني يظهر علامات استقرار، قائلا "صحيح أن الاقتصاد الصيني لن يسجل انتعاشا قويا، لكنه في الوقت نفسه لن يستمر على حالة التباطؤ، لأنه يمر بفترة تعديل هيكلي، ومن المتوقع أن تحافظ الصين على معدل نمو اقتصادي تتراوح نسبته بين 6 و 7 % في العام أو العامين المقبلين".
ومن ناحية أخرى، ذكر ديفيد ستوكتون كبير الخبراء الاقتصاديين سابقا ببنك الاحتياط الفيدرالي أن التحديات الأكبر التي تواجه الصين تأتي من داخل البلاد، لذا ينبغي عليها التركيز على ضبط سرعة التوسع في الائتمان واستقرار سوق العقارات، لافتا إلى أن حدة هذه التحديات قد تزداد أمام تشديد الاحتياط الفدرالي لسياسته النقدية وارتفاع تكاليف التمويل العالمية.
وقد أفادت تقارير نشرت مؤخرا بأن الاستثمارات الأجنبية في البلدان العربية تراجعت بواقع 8 % في عام 2014، لذا ثمة قلق من أن يتسبب رفع أسعار الفائدة الأمريكية في استمرار تراجع الوضع الاستثماري في العالم العربي.
ولدى حديثه عن تأثير رفع أسعار الفائدة على المنطقة الآسيوية التي تضم دولا عربية، قال بول غروينوالد كبير الاقتصاديين المتخصصين في شؤون منطقة آسيا - الباسيفيك في مؤسسة ((ستاندرد آند بورز)) للتصنيف الائتماني، قال إن التأثير يمكن تقسيمه إلى فئتين، حيث ستضطر الاقتصادات الصغيرة المرتبطة بالدولار الأمريكي إلى تشديد سياساتها النقدية، فيما ستحظى الاقتصادات الكبيرة ذات سعر الصرف المرن بسياسات نقدية أكثر استقلالية.
وأضاف أنه من حيث الأطر الزمنية لتسديد الديون، من المرجح أن تكون الاقتصادات التي تمتلك نسبة كبيرة من الديون قصيرة المدي والمقومة بالدولار أكثر عرضة للتأثر برفع أسعار الفائدة الأمريكية، فيما سيكون التأثير ضئيلا نسبيا بالنسبة للاقتصادات المقومة معظم ديونها طويلة الأجل بالعملات المحلية.
ومن جانبه، أعرب سو بوه ون الخبير الاقتصادي البارز بمجموعة ((نومورا)) المالية عن اعتقاده بأنه خلال بضعة أرباع مقبلة، لن يكون لرفع أسعار الفائدة الأمريكية تأثير ضخم على الاقتصاد الآسيوي، ويرجع ذلك للأسباب التالية:
أولا، لأن رفع أسعار الفائدة أمر متوقع تماما، وتستعد مختلف الاقتصادات لمواجهته على مستويي التدابير والأبعاد النفسية.
ثانيا، لأن هذا الرفع لن يتم على عجل، إذ ستنفذ أمريكا القرار تدريجيا بما يتماشي مع نسبة استقرار التعافي الاقتصادي، وبهذا سينخفض تأثيره السلبي بشكل واضح.
ثالثا، لأن البنوك المركزية الأوروبية والبريطانية واليابانية تتبع على نطاق واسع سياسة نقدية فضفاضة رغم السياسة النقدية الأمريكية المشددة، وهذا من شأنه أن يعوض التأثير السلبي الناجم عن رفع أسعار الفائدة الأمريكية إلى حد ما.
رابعا، لأن المستثمرين العالميين يبحثون عن فرص استثمارات في الأسواق الناشئة، وخاصة في آسيا التي صارت منطقة مفضلة في هذا الصدد.
خامسا، لأن الاقتصاد الصيني قد يسجل نموا جيدا في النصف الثاني من العام الجاري، وهو ما يمكن أن تستفيد منه الدول الآسيوية الأخرى"بنسب مختلفة".
(شينخوا)