كيف تبدو تبعات الحرب على اقتصاد إسرائيل؟
بوابة اقتصاد فلسطين
أرخت الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ ما يقرب السنة، بظلالها على الاقتصاد، فبالإضافة إلى الضرر المباشر جراء زيادة الإنفاق العسكري، باتت العديد من القطاعات تواجه أزمات ملحوظة.
قطاع السياحة الذي كان يساهم بما يصل إلى 2.5% في الناتج المحلي قبل الحرب، من أبرز المتضررين، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي في يوليو الماضي، إلى أن عدد السياح الأجانب الذين زاروا إسرائيل انخفض بنسبة 75% في النصف الأول من عام 2024، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
في الفترة من يناير إلى يونيو، بلغ عدد السياح الوافدين إلى إسرائيل نحو 495 ألفاً، ما يمثل انخفاضاً حاداً عن الرقم القياسي البالغ حوالي 1.97 مليون في الأشهر الستة الأولى من 2023.
يعتبر هذا القطاع أساسياً بالنسبة لاقتصاد إسرائيل، ففي 2019، بلغت نفقات السياح الأجانب نحو 25.9 مليار شيكل (نحو 7 مليارات دولار)، وهو ما يعادل 13.1% من إجمالي صادرات الخدمات في إسرائيل، بينما بلغت القيمة المضافة لقطاع السياحة 33.5 مليار شيكل (9 مليارات دولار)، ما يشكل 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك، يوفّر القطاع حوالي 150 ألف وظيفةً، وهو ما يعادل 3.8% من إجمالي الوظائف في الاقتصاد.
عادةً ما تتأثر السياحة في إسرائيل بالأزمات العالمية والوضع الأمني، إلا أن التأثر الحالي أكثر فداحة. وعلى سبيل المثال، شهدت الفترة بين 2014 و2016 انخفاضاً بنسبة 11% في دخول الزوار مقارنةً بعام 2013، وذلك بسبب هجوم إسرائيل على غزة في 2014 في إطار عملية أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد"، وهو معدل أقل بكثير من معدلات الانخفاض الحالية.
بالتزامن مع انخفاض عدد الزوار، أنفقت وزارة السياحة حوالي 3.2 مليار شيكل (800 مليون دولار) لتغطية تكاليف إقامة النازحين في الفنادق خلال الأشهر الـ6 التي تلت اندلاع الحرب، كما أعلن وزير السياحة حاييم كاتس مؤخراً أنه سيتم تخصيص 200 مليون شيكل إضافية لترميم الفنادق بعد إخلاء النازحين.
بين يناير وأبريل الماضيين، سجلت فنادق إسرائيل 7.4 مليون ليلة إقامة، ما يمثل زيادة بنسبة 3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بلغت حجوزات السياح منها 600 ألف ليلة، بانخفاض نسبته 81%.
قطاع الطيران بدوره عانى ضغوطاً مع انخفاض عدد المسافرين، إذ تراجعت الحركة في مطار "بن غوريون" منذ بدء الحرب في أكتوبر وحتى مارس بنحو 55% على أساس سنوي. كذلك انخفض نشاط شركات الطيران، فأقل من نصف الشركات التي كانت تعمل في المطار قبل بدء الحرب لا تزال مستمرة في عملها، في حين تقلص الشركات الأجنبية نشاطها.
أسعار التذاكر ارتفعت أيضاً، فعلى سبيل المثال، بلغت كلفة تذكرة الطيران إلى نيويورك خلال عيد الفصح الماضي 1828 دولاراً، مقارنة بـ1200 دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. كما أصبح إلغاء الرحلات وتعديل مواعيدها أمراً شائعاً.
كما تسببت الأزمة في خسائر تقدر بنحو 900 مليون شيكل (242 مليون دولار) لهيئة المطارات الإسرائيلية خلال النصف الأول من العام، وفقاً لموقع "ذا مايكر" الإسرائيلي.
بعيداً عن السياحة، فإن آثار الحرب امتدت لتطال سوق العمل، إذ تغيب حوالي 67 ألف موظف عن العمل في يونيو بسبب الحرب، وهو ما يشكل نحو 2% من إجمالي الموظفين، بانخفاض نسبته 10% مقارنة بشهر مايو، وفقاً لتقرير وزارة المالية الإسرائيلية. 77% من الغائبين كانوا من الرجال، بسبب التجنيد الاحتياطي.
وبلغت نسبة التوظيف بعد خصم الغائبين لأسباب متعلقة بالحرب 61% في يونيو، وهي أعلى بـ10 نقاط مئوية من معدلات أكتوبر الماضي. جغرافياً، كان الانخفاض الأكبر في نسبة التوظيف في المناطق القريبة من الحدود الشمالية ومنطقة غلاف غزة، بنسبة 6% و12% على التوالي، مقارنةَ بحوالي 2% في باقي أنحاء البلاد، وفق التقرير.
تسببت الحرب بخسارة إضافية تقدر بـ150 ألف طن من المنتجات الزراعية خلال الأشهر الستة الأولى للحرب، وفق مسح مشترك لوزارتي شؤون البيئة والصحة الإسرائيليتين ومنظمة "ليكيت يسرائيل".
قُدرت التكلفة الإجمالية لخسارة المنتجات الغذائية خلال الفترة نفسها بحوالي 270 مليون دولار، تشمل فقدان منتجات زراعية بقيمة 181 مليون دولار، وتكلفة بيئية بقيمة 36.5 مليون دولار، وتكلفة صحية بحوالي 56.8 مليون دولار نتيجة استهلاك غذاء أقل صحة، ما أثر على صحة سكان الدولة، وفق البيانات.
كما أدى نقص المنتجات الزراعية إلى زيادة بنسبة 14% في أسعار الخضروات و8% في أسعار الفواكه، وفق التقرير.
يُذكر أن حجم القوى العاملة في قطاع الزراعة، والتي تضم عمالاً أجانب وفلسطينيين، تراجع أيضاً بنحو 40%.
القطاعات الاقتصادية ليست المتضرر الوحيد، فالمالية العامة للدولة تواجه مخاطر. قدر أمير يارون، محافظ بنك إسرائيل، الكلفة التي ستتكبدها إسرائيل بسبب الحرب على غزة بنحو 250 مليار شيكل (67 مليار دولار) بين 2023 و2025، بما في ذلك خسائر ضريبية بقيمة 40 مليار شيكل (11 مليار دولار)، بالإضافة إلى نفقات حربية ومساعدات مدنية.
يارون كان حذر في مؤتمر "الاقتصاد الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر" من التبعات الاقتصادية للنفقات الأمنية المتزايدة، وأكد على ضرورة إيجاد توازن بين النفقات الأمنية والاقتصادية، مشيراً إلى أنه لا يمكن تقديم شيك مفتوح لهذا الغرض.
أشار يارون أيضاً إلى ارتفاع المخاطر السيادية للدولة بسبب الانخفاض المفرط في قيمة الشيكل، والذي أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار.
يأتي هذا فيما خفضت وكالة "فيتش" هذا الأسبوع تصنيفها الائتماني لإسرائيل، مع نظرة مستقبلية سلبية، لتنضم بذلك إلى كلّ من "إس آند بي" و"موديز".
في الأشهر الـ12 المنتهية في أبريل 2024، سجل العجز المالي في إسرائيل ما يوازي 7% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً لتعديل تشريعي جديد، تم تحديد هدف العجز للعام بأكمله عند 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بـ2.25% التي نص عليها قانون الميزانية الذي أقره الكنيست في مايو 2023. وبلغ إجمالي العجز للفترة من يناير إلى أبريل 2024 حوالي 37.6 مليار شيكل (10 مليارات دولار).
"فيتش" توقعت في تقريرها الذي خفضت فيه التصنيف الائتماني، أن يصل عجز ميزانية حكومة إسرائيل إلى 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، بعد أن كان 4.1% في عام 2023. ولفتت إلى أن ذلك يعكس الارتفاع في عجز الإنفاق الكبير المرتبط بالعمليات العسكرية، واحتواء الأضرار الاقتصادية، وتكاليف إعادة توطين الأشخاص في شمال البلاد.
كذلك رجحت الوكالة أن يظل الدين أعلى من 70% من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط.
أفادت "بلومبرغ" في مايو الماضي، بأنه في ظل افتراض أن الحرب ستستمر طوال عام 2024، من دون أن تؤدي إلى صراع إقليمي أوسع، فإن وكالة "إس آند بي" للتصنيفات الائتمانية تتوقع أن تحقق إسرائيل نمواً بنسبة 0.5% هذه السنة. وتبلغ توقعات بنك إسرائيل المركزي 2%، بينما تقديرات وزارة المالية تشير إلى تحقيق نمو بنسبة 1.6%.
ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي أقل بنسبة 2.8% من مستواه قبل الحرب في الربع الثالث من العام الماضي، وفقاً لمجموعة "غولدمان ساكس"، التي خفضت توقعاتها للنمو لعام 2024 إلى 1.2% من 1.6%.